دبلوماسيتنا

آراء وأفكار 2012/10/23 05:25:00 م

دبلوماسيتنا

يتطلع العراق حكومة وشعباً إلى بناء علاقات متينة مع بلدان العالم مبنية على حسن النوايا وضمان المصالح المشتركة ، ومن البديهي أن سياسة  إقامة العلاقات الخارجية ترتكز على سلّم أولويات حسب درجة ومستوى الدول ، فهنالك دول ذات أهمية عليا وهنالك دول دون هذا المستوى وأقل منه  ، فبحسب معايير الدبلوماسية الدولية يجري التعامل بين الدول على أساس مقدار المنافع والمصالح .
منذ عام 2003 تم تفعيل الدبلوماسية بين العراق وبلدان العالم لكن ثمة عقبات كثيرة اكتنفت تطوير العلاقات الخارجية ، منها طبيعة العلاقات السياسية بين الاتجاهات السياسية ضمن الإطار الداخلي ، فهنالك تباين بين هذه الاتجاهات بالنسبة لسلّم الأولويات وكذلك بالنسبة لعلاقاتها الخارجية مع بلدان العالم خاصة المجاورة للعراق ، فثمة تباين في خريطة هذه العلاقات ، أفرز تأثيرات خارجية انعكاسية على سياسة الحكومة ، ما دامت الاتجاهات السياسية تمارس العمل السياسي دون ضوابط دستورية ،  تشكل تقييداً للعمل السياسي لا يسمح بحدوث تباين بالنسبة لطريقة تعاطي جميع الاتجاهات السياسية مع سياسة البلد الخارجية التي يجب أن تكون متزنة وثابتة وليست  متأرجحة يكتنفها الضعف والفتور .
في بادرة إيجابية أقدم  رئيس الوزراء نوري المالكي على زيارة موسكو لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين العراق وروسيا ، باحثاً مع الجانب الروسي  العديد من الملفات ،منها الملفات الداخلية المتضمنة مساهمة الشركات الروسية في عملية الاستثمار والبناء والإعمار بضمنها البنى التحتية ، ومنها ملف التسليح ، ومنها التعاون الثقافي ، وغيرها من الملفات المهمة ، أما بخصوص الملفات الخارجية فقد احتل الملف السوري سلّم الأولويات لأنه يمس في تأثيره مصالح  كلا البلدين .
 بشكل عام كانت الزيارة قد شكلت تحركاً دبلوماسياً مهماً تكمن أهميته في دور روسيا الدولي والإقليمي في حل النزاعات وليس التدخل في شؤون البلدان ، بينما ثمة دول تمارس دبلوماسية مغايرة تماما تتمثل في التدخل في سياسة البلدان والسعي لإجراء تغييرات في أنظمة الحكم عبر تقديم الدعم لشتى الاتجاهات السياسية ، أو تعمل على إحداث الفوضى السياسية لتهديد الاستقرار السياسي في تلك البلدان .
إن العراق معني اليوم بلعب دور معتدل بالنسبة لما يجري في المنطقة يتمثل في ترطيب الأجواء السياسية ، منها تحقيق تقارب بين إيران وأمريكا وتقارب بين إيران والعربية السعودية وإجراء حوار مع تركيا لتغيير مواقفها تجاه سوريا لإيقاف الحرب الأهلية الدائرة الآن ، وعلى افتراض نجاح الدبلوماسية العراقية في لعب دور الوسيط فإن ذلك سيصب في صالح العراق ، لأنه غير منعزل عما يجري في المنطقة والعالم من تقلبات سياسية .
في عدد من البلدان العربية بغض النظر عن طبيعتها ، برزت تغييرات سياسية شكلت عامل تأثير بالنسبة للسياسة الخارجية للعراق ، فعراق ما بعد أحداث تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ليس هو عراق ما قبل هذه الأحداث .
يتطلب ما حدث وما يزال يجري في المنطقة إعادة النظر في سياسة العراق الخارجية وتكييفها بالشكل الذي يحافظ على مصالح العراق في شتى المجالات خاصة المجال الأمني ، ومن البديهي أن افتراض فشل العراق كحكومة في التأثير في هذا الملف يجعله في موقف حرج ، و لن يتحقق النجاح في مجال إعادة الثقة ما بين العراق ودول المنطقة ودول العالم ، فعراق دبلوماسي ناشط يختلف كثيرا عن عراق معزول لا تأثير له ، فمن معايير السياسة الخارجية الناجحة للبلدان لعبَ دورٍ دبلوماسي فاعل للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية وتصدير منافع سياسية واقتصادية وأمنية للبلدان والدول الراغبة في إقامة علاقات دبلوماسية مع العراق تقوم على النوايا الحسنة والمصالح المشتركة .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top