المصافحة الدبلوماسية

آراء وأفكار 2012/11/03 04:46:00 م

المصافحة الدبلوماسية

 حسين رشيد


1
لم يستطع الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية فهم علاقة الرجل والمرأة، إلا من خلال الحلال والحرام والشرع والفتوى. فهي بالغالب تنظر إلى أن المرأة عورة وشهوة. ولابد من الحذر في كيفية التعامل معها، وفق المنظور الشرعي والتشريعي الإسلامي المحذر من الخلوة بالنساء أو مصافحتهن أو إشراكهن في الأمور العامة والخاصة، وهو المجتهد في ذات الوقت في رسم وتخطيط والإفتاء بتعدد وأنواع العلاقة وخاصة الجنسية منها، من خلال تعدد أنواع الزيجات وأوقاتها وعدد الزوجات.
ومن طرائق السلام المعروفة والمتداولة في كل أرجاء المعمورة، بعد التحية والسلام، المصافحة. بشكلها العام بين الرجال، والخاص بين الرجال والنساء، والتي بات من القضايا الشائكة التي تطفو من حين لآخر إلى السطح الاجتماعي والديني حيث تعاد إثارتها في الكثير من المناسبات العامة والخاصة. إذ تدخل في باب المناقشات والمساجلات والفتاوى والبراهين حول أدلة تحريم أو إباحة المصافحة بين الجنسين.
يقول احد شيوخ الدين إن احدث نتائج علم التشريح الحديث أثبتت أن هناك ما يقرب من خمسة ملايين خلية في الجسم تتحرك بمجرد أن يصافح الرجل المرأة، وكل خلية من هذه الخلايا تنقل الأحاسيس والمشاعر، فإذا لامس جسم الرجل جسم المرأة سرى بينهما اتصال يثير الشهوة، معمماً الأمر على الشم والسمع والحواس الأخرى ووضعها في خانة الإثارة الجنسية والشهوة. في ذات الوقت، ومن اجل تبرير بعض الحالات تم إخضاع  الأمر إلى الاجتهاد والنية. من باب "إنما الأعمال بالنيات"، فإن كانت نية المصافح سليمة وصافية تجاه الطرف الآخر، ولا وجود لديه للشهوة أو الإثارة وغايات أخرى فإنه لا مانع من المصافحة. لكن ماذا عن الطرف الآخر المصافح ومن يضمن صفاء نيته حسب الباب المذكور، ثم ألا يمكن أن تتبدل النية بعد الملامسة، خاصة إذا حدث أثناء الملامسة تلاقي العيون والشد على اليد مثلاً؟   كما يمكن إدخال الكثير من الأعمال في باب "إنما الأعمال بالنيات"، وقد يكون الوضع الحالي في العراق بشكل خاص وبعض دول الربيع العربي بشكل عام هو أفضل مسرح لتطبيق القول، وعلى سبيل الذكر، كيفية التصرف بالمال العام وثروات البلاد، وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والأمنية، كما يمكن إدخال الأعمال والتصرفات والأفعال الشخصية، للقادة والمسؤولين وحاشيتهم أيضا ضمن هذا الباب، الذي ضاق من كثرة ما حشر به من... ومن ومن!

2
جراء التغيير السياسي في العراق نيسان 2003 وما لاحقه من ثورات وانتفاضات في بعض الدول العربية، استطاع الإسلام السياسي التسلق إلى السلطة ومن ثم التمسك بها عنوة. وبرزت وجوه وأسماء لقادة جدد يحلمون ويأملون أن يقيموا حكم الله وشريعته وإقامة دولة إسلامية. فتجدهم يتسابقون إلى أداء فروض الطاعة الإلهية، ويحثون الناس على البر والتقوى والإصلاح والعمل والإخلاص، وإقامة حدود الله وشعائر الإسلام وتعظيمها. مع ظهورهم الدائم في وسائل الإعلام المختلفة بتلك الحلة الإسلامية الممتنعة والمحصنة عن كل المحرمات الظاهرة طبعا، ومنها بشكل خاص المرأة والتقرب منها ومحادثتها ومصافحتها، فهي في نظرهم عورة وباب لعصيان الرب.
في الفترة القليلة الماضية حدثت بعض الحالات من هذا النوع مع رئيس جمهورية ونائب رئيس جمهورية أخرى وسفير لجمهورية إسلامية في بلد متعدد الطوائف والمذاهب. وقد يكون الرئيس المصري محمد مرسي أشهرهم، بحركته التي رافقت جلوسه مع رئيسة الوزراء الاسترالية ومصافحته الحميمة لرئيسة البرازيل، وما نتج عنهما من حملة انتقادات واسعة داخلية بين أعضاء حزبه الاخواني وأخرى من قبل وسائل الإعلام ومعارضيه. لكن مرسي، برر الأمر أن هذه أعراف وتقاليد دبلوماسية معمول بها، مع إدخال الأمر في باب "إنما الأعمال بالنيات"، وحسب قوله: أنا نيتي كويسة ياكماعة، بعمل دا عشان خاطر مصر.
 المصافحة الثانية لنائب الرئيس العراقي خضير الخزاعي وهو يصافح وزيرة الخارجية الأمريكية كلنتون بحرارة عراقية، وقال ما قاله مرسي حين سئل في حوار لقناة العراقية إنها أعراف وتقاليد دبلوماسية. وهو الوزير لأربع سنوات لوزارة التربية والحاضر عشرات المؤتمرات والاجتماعات والندوات ولم نره أو نسمع انه صافح معلمة، أو موظفة في الوزارة أو خارج الوزارة، بل إن ما معروف عنه هو تشدده الديني وكثر وعظه من على منبره في قناة المسار. والمصافحة الثالثة التي لم تتحقق حين أراد السفير الإيراني في بيروت تعزية زوجة رئيس الأمن اللبناني وسام الحسن لكنها امتنعت عن مد يدها إليه وقبول المصافحة.
ولا بأس إذا كانت هذه المصافحات بداية للتحرر من بعض القيود الشرعية والفقهية الاسلاموية، والانفتاح على الحياة الاجتماعية المدنية بشكل اكبر وأوسع، وفهم طبيعة العلاقة مع المرأة من باب المشاركة والعمل والبناء والحقوق والواجبات والاحترام، وليس من باب الحلال والحرام والفتاوى والشرعنة، ويجوز ولا يجوز، ومستحب ومكروه. لكن أنا وأنتم على يقين أن مرسي إذا ما استقبل وفدا من مثقفي وفناني مصر ومن بينهم نساء أجزم لكم انه لن يصافح أي واحدة منهن علنا. كذلك الأمر  مع الخزاعي الذي يعلم جيدا ثمن عدم مصافحته وزيرة الخارجية الأمريكية إذا ما امتنع عن مد يده إليها ومصافحتها أمام الإعلام. أما مصافحة السفير الإيراني التي لم تتحقق ربما كانت لتطييب خاطر وغايات أخرى لا يعلمها إلا من أوتي العلم. ولو افترضنا أن الأمر حدث بشكل معكوس مع أي سيدة أخرى. ترى هل سيصافحها السفير الإيراني؟!

تعليقات الزوار

  • ahmad

    السلام عليكم تحية اسلامية قالها اكثر من مسؤول غربي ، ماذا حدث لمسيحيتهم وهل قدموا تنازلات لنا قد اضرت بدولهم ، لا اعلم كيف يفكر العرب؟؟؟؟؟؟؟؟

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top