إعمار الروضة العسكرية.. موازنة مفتوحة و35 ألف بلاطة ذهب

إعمار الروضة العسكرية.. موازنة مفتوحة و35 ألف بلاطة ذهب

سُرّ مَن رأى من يراها اليوم سيقول حتماً ساء من رأى!!  تلك المدينة التي ارتبطت بها روحيا ، بعد أن اشتريت من سوقها ذهب الزواج، ولبسنا أنا وزوجتي حلقتي الخطوبة فيها، أراها اليوم عبارة عن مدينة أشباح، تلك التي كانت قبلة السياح والزائرين، تئن اليوم تحت سياط الخراب والدمار بعد أن اندلعت منها شرارة الفتنة والطائفية المقيتة، اثر قيام مجموعة إرهابية في صبيحة يوم الأربعاء الموافق 22 شباط من العام 2006 بزرع عبوات التفرقة داخل الحرم الشريف لتسقط قبة الروضة ويتحول ذلك التاريخ الطويل والقدسية الطاهرة إلى ركام. كانت بداية تمزيق وحدة العراقيين، حيث تعرضت العديد من الجوامع والحسينيات إلى عمليات إرهابية قادها أمراء وفرق الفتن وزهقت أرواح العراقيين المسلمين الذين كانوا بالأمس يتعايشون بوطن موحد ومحسود في كل شيء، بالتأكيد أهالي سامراء براء مما حصل لان الروضة هي مصدر رزق أهالي المدينة منذ زمن بعيد، ومن فعل ذلك كما اشعر به الآن هو قطع رزق وحياة أهل سامراء قبل غيرهم.المدينة أراها اليوم حزينة قطعت أوصالها الحواجز الكونكريتية وسيطرات التفتيش والإهمال.
أكبر قبّة مذهبة في العالم
صورة الركام الذي يحيط بالروضة العسكرية الشريفة يعطي للناظر صورة بان العمل بطيء وليست هناك من جدية في إتمامه، ولإلقاء الضوء عليها لا بد من إعطاء صورة عن تاريخ بناء الحضرة وشكلها المعماري. يقول مكتبها الإعلامي :"يتخذ البناء الداخلي شكلاً مربعاً تقريباً، حيث يبلغ طوله 146 متراً، وعرضه من جهة الشمال 133 متراً، ومن جهة الجنوب 115 متراً، أما حجرة الأضرحة، فيبلغ طولها 53 متراً، وعرضها 37 متراً، وارتفاعها 11 متراً، وفوق الأضرحة ترتفع القبة الكبيرة، وتقوم هذه القبة على رقبة بارتفاع متر واحد.
 أما ارتفاع القبة نفسها فيبلغ أربعة وستين متراً، ومحيطها 68 متراً، وقطرها 22 متراً، وتتميز هذه القبة بأنها مكسوة بالذهب، حيث يبلغ عدد الطابوق المطلي بالذهب 7200 ، وتعتبر أكبر قبة مذهبة في العالم الإسلامي.
تتقدم الحرم "طارمة" عالية مزوقة بأفانين من الزخارف الإسلامية، كان قد أنفق على إنشائها الحاج عبد الواحد الحاج سكر، رئيس عشائر الفتلة، وأنجزت سنة 1368هـ/ 1948م، ويبلغ طولها 37 متراً، وعرضها 8 أمتار، وهي ترتفع في وسطها لتغطي باب الحرم، فيصل ارتفاعها هناك الى 14 متراً، بينما لا يتجاوز هذا الارتفاع من الجهتين الأخريين 9 أمتار.
 للحرم خمسة أبواب، هي: الباب الغربي، والباب الجنوبي ويسمى باب القبلة حيث يقع في وسط سوق الهادي، والباب الشرقي، وبابان في الشمال.
وفي غرب الصحن الشريف قبة مكسوة بالكاشي الكربلائي الملون البديع، تقع فوق سرداب دار الأئمة عليهم السلام، الذي أصبح مزاراً، فيبلغ محيط تلك القبة 45 متراً، وقطرها 15 متراً.
مراحل الإنشاء والإعمار
تمثل العتبة العسكرية المقدسة ذلك البناء الشامخ الذي بُني على أطلال الدار التي تعود لثلاثة من أئمة أهل البيت عليه السلام وقد سكنها اثنان منهم مدة من الزمن طويلة نسبياً بالقياس لأعمارهم الشريفة، وهما الإمام علي بن محمد الهادي، وولده الإمام الحسن بن علي العسكري، وقد ولد فيها ولده الإمام المهدي وهو الخليفة الشرعي الثاني عشر للنبي صلى الله عليه وآله .
بعد استدعاء الإمام أبي الحسن الثالث علي بن محمد الهادي عليه السلام من المدينة المنورة إلى سامراء سنة ( 243 ه‍ / 857 م ) من قبل المتوكل العباسي، وسكنه فيها فقد أبلغ عليه السلام أنه غير مغادرها بعد يومه هذا. إذ ذكر أبو علي في أماليه  :عن والده الشيخ الطوسي، عن أبي محمد الفحام، عن المنصوري محمد بن أحمد الهاشمي، عن عم أبيه عيسى بن أحمد بن عيسى قال : قال يوماً الإمام علي بن محمد عليهما السلام" :يا أبا موسى، أخرجت إلى سر من رأى كرها، ولو أخرجت عنها أخرج كرها". قال : قلت : ولمَ يا سيدي؟ فقال: " لطيب هوائها، وعذوبة مائها، وقلة دائها".
فاشترى الإمام الهادي عليه السلام له دارا، حين قدومه لسامراء من نصراني يقال له دليل بن يعقوب وهو مهندس ملوية سامراء والعديد من الآثار الخالدة فسكنها الإمام مع أهله الذين جاء بهم من المدينة المنورة معه .
دخلنا الحضرة بعد إتمام الموافقات والحصول على موافقة إعلام الروضة بإدخال الكاميرا وجهاز التسجيل وكنا أنا وزميلي محمود، فضلا عن صديقي الرائع علي السامرائي الذي رافقنا في تلك الجولة، رأينا زواراً من باكستان وقد هموا بالخروج، ووفرت إدارة الروضة عجلات لإيصال الزائرين إلى مرآب النقل في سامراء مجانا. بعض الزائرين الأجانب رأيتهم على الكراسي المتحركة، ويمكن لأي ناظر أن يرى بوجوه هؤلاء الزائرين شدة البؤس والعوز الذي يعيشونه ومع ذلك يدفعهم إيمانهم إلى صرف ما لديهم من أموال، والمجيء لزيارة الإمامين وهذا ما يؤكد رسوخ العقيدة وطهارة الإيمان، حاولت أن اسأل احدهم عن المكان الذي يتواجد فيه إعلام الروضة فتبين لي بأنه إيراني قد نذر نفسه لخدمة الأماميين في الروضة فهو يقوم بتنظيف الصحن وأمور خدمية أخرى.
إشراف مباشر من اليونسكو
عمار المرشدي مسؤول قسم الإعلام في الروضة العسكرية، بيّن للمدى بعد استقباله الرائع لها أن العمل بدأ يوم التاسع من نيسان 2008، بتكليف من السيد رئيس الوزراء نوري المالكي حيث قام بتشكيل اللجنة الفنية بإعادة إعمار الروضة، وهذا الأمر قد سبقه وجود عقد مع شركة تركية وطلبت تلك الشركة فترة زمنية قدرها 6 سنوات لإعادة إعمار القبة فقط ورفع الركام، والناس بطبيعتها كانت متعطشة لإكمال البناء والقيام بالزيارة، فبقيت تلك الشركة متلكئة في عملها حيث أنها بقيت لمدة عامين كاملين تقوم برفع الركام فقط، لذلك أمر رئيس الوزراء بفسخ العقد مع الشركة التركية وقام بتشكيل اللجنة الفنية لإعمار الروضة برئاسة مستشار رئيس الوزراء لشؤون الإعمار حقي الحكيم، وعضوية الوقف الشيعي ممثلا بالحاج زهير الأنصاري رئيس دائرة الإشراف الهندسي، وعضوية الوقف السني ممثلا بالمهندس عمر، وكذلك عضوية وزارة السياحة والآثار، وزارة الإسكان والإعمار، فضلا عن وجود إشراف مباشر على العمل من منظمة اليونسكو باعتبار الروضة أثرا تاريخيا مهما ومسجلا لدى تلك المنظمة، المرجعية وكذلك منظمة اليونسكو طلبت إعادة الروضة إلى الوضع الذي كانت عليه في السابق كما أوضح المرشدي، وان يعاد بطريقة هندسية جديدة، فقام الدكتور محمد علي الشهرستاني بتصميم القبة الجديدة وجعلها وفق مرحلتين، فقام في البداية بتهديم القبّة بالكامل، ووصلوا للأساس الذي يسمى (الرنك)، وعمل عليه كتلة كونكريتية (صبة) بعمق متر ونصف ومدعم بحديد، ثم قام بتصميم قبة صغيرة تتكون من 24 قوساً، وهي القبة الداخلية أما القبة الخارجية فهي الأكبر وهي أيضا تتكون من 24 قوسا فأصبحت القبة الصغيرة تمثل جوف القبة الكبيرة الظاهرة.
خبراء من إيران
عملية التصميم عبارة عن بناء هندسي دقيق وجميل ومتين كما يبين المرشدي، ولا ننسى بأن البناء السابق تم تهديمه بالكامل وحتى الجدران والأعمدة المتضررة أزيلت بالكامل وتم بناؤها من جديد وعلى الشكل السابق نفسه فكل البناء بني كما كان عليه سابقا ولم يضف سوى هذه الساحة الشرقية التي تسمى (الطارمة)، المهم العمل بدا بالقبة ثم الأروقة تليهما المنائر، وبدلا من الطابوق استخدم الكونكريت، والعمل الآن هو بمرحلة الانهاءات، مثل المرايا وكذلك المرمر وكذلك الذهب، وعن الشركة المنفذة يقول المرشدي: ان اللجنة الفنية لديها صلاحيات واسعة مثلا من صلاحيتها تأجير خبرات فنية، من حقها الاستعانة بمعماريين وجلب فنيين وخبراء، بالنسبة للذهب لدينا خبراء من جمهورية إيران واختصاصهم طلاء الذهب وتركيبه داخل معمل موجود في الروضة، فالمنارة والقبة بدا العمل بتركيب الذهب عليهما.
وبشأن التلكؤ الحاصل في مسألة الإعمار داخل الروضة يبين المرشدي بانه لا وجود لمسألة التلكؤ لكن واقع الحال في سامراء مختلف تماما، فالعاملون داخل الروضة اغلبهم من المحافظات، وكذلك عملنا متشعب، فمن الحرم وباب القبلة وكذلك الساحتين الغربية والشرقية والقبة والمنارتين، لكن التطور الذي حصل ان تم بناء مصلى بالخلف على مساحة 3000 متر فيه سرداب داخلي، وكذلك فيه طابق ارضي يحتوي على 13 قبة، وفي السرداب هناك نفق يتصل مع موقع سرداب الغيبة وجميع هذه الإضافات هي لاستيعاب الزائرين لأنه بعد إتمام القبة وصل عددهم إلى 7 ملايين زائر من مختلف البلدان العربية والأجنبية، وأيام الجمع يصل العدد 100 ألف زائر.
لا توجد فترة محددة للإعمار
ولا ننسى كما يؤكد المرشدي أن مرحلة الانهاءات هي من  أدق المراحل، فخط الآيات والكتائب القرآنية والزخرفة لا بد من البطء فيها حتى تكون دقيقة، وكذلك بالنسبة للمقرنص يجب نحته من جديد، فضلا عن نقل المواد الإنشائية، مثلا الرمل الموجود في سامراء هو رمل اسود، بينما المهندس والخبير يشترط الرمل الأحمر وكذلك الحديد والطابوق فاغلب المواد تأتي من بغداد وبقية المحافظات وهذا يساهم أيضا في تأخير العمل، كذلك الجانب الأمني قبل عامين او أكثر كان مزريا، وكنا حين نأتي للعمل نأتي بسيارات مصفحة ومسلحة، لكن الآن اختلفت الأمور والعمل يجري بوتيرة متصاعدة بعد الاستتباب الأمني الذي حصل.
وعن مقدار الموازنة المخصصة لإعمار الروضة يقول المرشدي إن مقدار المبالغ المرصودة للإعمار هي مبالغ مفتوحة، حيث أن الصرف مفتوح. وبالنسبة للذهب الذي تم تزويدنا به من البنك المركزي العراقي يبلغ (35) ألف بلاطة زنة الواحدة منها تتراوح ما بين 13- 20 غراماً، وعن المعماريين الذين اشرفوا على بناء القبة بيّن المرشدي أن شيخ المعماريين الراحل محمد علي الشهرستاني هو من قام بتصميم القبة، وهناك الآن ولده المهندس إحسان، وكذلك المعماري حقي الحكيم، والمعماري زهير الأنصاري، والعمل بإشراف منظمة اليونسكو حيث تواجد الدكتور علي ثويني كممثل لها بالإشراف على عملية إعادة الإعمار، فضلا عن الاستعانة بخبرات الجامعات العراقية المتخصصة. وعن الفترة المحددة لإنهاء عملية الإعمار يرى بأنه لا توجد فترة محددة يمكن التصريح بها لإنهاء العمل، لان هناك مراحل في العمل مثلا في هذا الموقع وصلت إلى 50%، وفي موقع آخر قد تكون 80%، لذا من الصعوبة التصريح بفترة محددة، ولا ننسى أن هناك استحداثات في العمل تؤدي أيضا إلى تأخير العمل، المهم الحرم في مراحله النهائية، فبعد الانتهاء من تثبيت الذهب تأتي بعدها عملية التغليف بالكاشي الكربلائي، وبالنسبة للكتابة والخطاطين أوضح بأنها تقام مسابقة بين الخطاطين وبإشراف لجنة أكاديمية.
قرار الفتنة
وبشأن الركام والأنقاض التي تحيط بالمرقد أشار المرشدي إلى أن اللجنة الفنية عندما باشرت العمل أخرجت الأنقاض من الصحن ونقلتها خارج المرقد من اجل أن تباشر عملها، ومنظمة اليونسكو رفضت رفع تلك الأنقاض لأنها تقول لا بد من تنقيبه لأنها تعتقد وجود آثار وسط ذلك الركام، أما المرجعية فأمرت بعدم رمي تلك الأنقاض لكونه ترابا مقدسا ولا يجوز رميه في أماكن غير لائقة، فإما يوزع على الزائرين  بأكياس للتبرك أو يرمى في النهر، ومن ثم أمرت بالتريث، ووجودها على هذه الحالة يعطي انطباعا للناظر بان العمل بطيء ولم يكتمل.
وبشان تحول عائدية المرقد من الوقف السني إلى الشيعي ومبررات ذلك أوضح المرشدي انه حسب قرار صدر عام 2005 تحولت بموجبه عائدية الأرض من الوقف الشيعي إلى الوقف السني لكون القرار يقول إن المراقد التي يزورها الشيعة تتحول للوقف الشيعي وكذلك بالنسبة للمزارات السنية تتحول للوقف السني.
ودّعنا الزميل المتعاون جدا عمار المرشدي وأنا أقول مع نفسي واطرحه على قادة بلدنا الجدد من أصحاب هذا القرار أو غيره "كيف تكون الفتنة ولماذا تخلقونها وألا يحق لأهل الدار أبناء سامراء زيارة المرقد بعد أن كانوا سدنته ومحبيه وأنا اجزم بأنهم إلى الآن كذلك ولا تنطلي عليهم قرارات الطائفيين.

 والى حكاية أخرى من حكايات هذا وطني

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top