مواطنون: خلافات الساسة حصاد لمنافعهم وتراكم لأزماتنا

مواطنون: خلافات الساسة حصاد لمنافعهم وتراكم لأزماتنا

 بغداد/ فرات إبراهيم
تشهد العملية السياسية في العراق، لاسيما  بعد رحيل القوات الأميركية خلافات كبيرة بين ائتلاف دولة القانون والقائمة العراقية والتحالف الكردستاني على خلفية العديد من المواضيع المعلومة والسرية، منها اختيار المرشحين للمناصب الأمنية في الحكومة،  وتشكيل مجلس السياسات الإستراتيجية الذي اتفقت الكتل على تأسيسه في لقاء أربيل، ولم تتم المصادقة على قانونه حتى الآن، فضلاً عن تصريحات يطلقها رئيس مجلس الوزراء وأعضاء في كتلته تشكك بأهمية المجلس ودوره وعدم دستوريته، وتصريحات مقابلة من رئيس المجلس المقترح  وكتلة العراقية بضرورة حجب الثقة عن رئيس الوزراء. العراق الذي يئن من جروح الحروب وآفة الحصار والإرهاب لم تندمل جروحه بعد، فهو يواجه سيناريوهات محتملة تذهب الى ابعد من التقسيم والحرب الطائفية.

البيئة السياسية تصارعية
لا شك في  أن البيئة السياسية العراقية هي بيئة تصارعية، ولون الصراع فيها يأخذ منحى داخليا وخارجيا، فعلى المستوى الداخلي نرى أن مشهد الصراع هو السمة السائدة في أنماط العلاقات البينية للأطراف السياسية، لهذا نرى أن كفة الفوز في هذا الصراع تميل إلى الجانب التناحري أكثر منه إلى الجانب التعاوني، هذا الصراع اثر على نحو كبير في مسألة بناء الدولة ومؤسساتها، لان انتشار الصراع الأفقي  والعمودي بين هذه الأطراف المشاركة في العملية السياسية، أدى بدرجة وأخرى إلى بناء وعي أو صورة نمطية مفادها أن بناء هذه المؤسسات ليس إلا تجسيدا لانتصار فئة على أخرى أكثر من كونه بناء مؤسساتياً فعلياً، ولهذا نرى الاعتراضات والمزايدات العلنية إذا ما طرح مشروع او قانون من طرف يرفضه الآخر كي لا يجير في صالح كتلته، وإن كان الهدف من هذا المشروع أو ذاك هو إنهاء مظلومية أو حتى بنى تحتية للعراق.
الخلل في النظام الإداري
وطالما رأى هذا الطرف أو ذاك انه ليس جزءا مشاركا في هذا البناء الذي يعده بعيداً عن المؤسسة التي ينتمي إليها المؤسساتي أو معنياً به فانه بالتأكيد لن يكون حريصا على استقرار هذا البناء وإنما سوف يقف حجر عثرة أو على الأقل سيتصرف بنوع من اللامبالاة وعدم الحرص على استكمال هذا النوع من البناء المؤسساتي.
بالإضافة إلى ذلك، قاد الصراع الفوقي بين النخب السياسية الى تعطيل الأداء الإداري الفعال، بل أن هذا الصراع هو احد الأسباب الرئيسة لعدم جودة الإدارة العراقية، وساهم في انتشار الفساد الإداري، وإبعاد الكفاءات لصالح الانتماءات والولاءات الجهوية والطائفية والعنصرية، بحيث أصبح الجهاز الإداري يشكل عبئا حقيقيا على الدولة والمواطن بدلا من أن يكون النظام الإداري والمنظومة الإدارية من الأدوات الرئيسة في تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية. إن مشهد الصراع إذا ما استمر على هذا النحو فلن يؤهل العراق الى شيء يذكر، بل على العكس ربما سيقود إلى تمزيقه وتشتيته وحينها سيكون الكل خاسرا (الدولة والنخبة السياسية الحاكمة ومواطن).
قوانين معطلة تخدم الناس
الناس تنظر كل يوم إلى ( سبتايتل) الفضائيات عسى أن يجدوا زيادة في رواتب المتقاعدين أو تشريع قانون يتيح للعاطلين عن العمل موردا آخر و..و..ووو...الكثير من القضايا التي ينتظرها الناس من ممثليهم في البرلمان إلا أن البرلمانيين مشغولون ببمرك (الكافتيريا) التي نسمع عنها قصصا يتداولها الإنسان البسيط، فيهز يده ناقما على الأيام التي جعلت مصيره ومصير شعب بأكمله بيد من لا يعير همومه أهمية.
النائب عن ائتلاف دولة القانون منصور التميمي قال: ان مجلس النواب اخفق في تشريع كثير من القوانين المهمة التي تخص الناس بسبب الخلافات الكبيرة بين الكتل السياسية.
وأوضح التميمي أن مجلس النواب يشبه حال العراق فهو خاضع إلى  التوافقات السياسية  والمحاصصة  بين الكتل، وقال: اخفق مجلس النواب في التصويت على فقرات عديدة تهم الشعب العراقي. مؤكدا أن قانون الانتخابات لم يرفع الحيف والظلم عن أبناء الشعب بل ساهم في زيادة المظلومية.
وأكدت النائبة عن العراقية الحرة عالية نصيف أن البرلمان عاجز عن تشريع القوانين المهمة بسبب الخلافات السياسية، وأوضحت أن هناك قوانين قيد التصويت وفي جعبة مجلس النواب الكم الهائل من القوانين المهمة التي ما زالت تنتظر التوافقات السياسية لإدراجها على جدول الأعمال، مبينة أن انهيار التوافقات السياسية يؤثر بشكل كبير في العملية السياسية وفي تشريع قوانين يكون المواطن بحاجة إليها.

التقسيم قادم في ظل الخلافات
يقول الكاتب سعد إبراهيم: ان معظم المراقبين كانوا ينتظرون هذه المواجهات السياسية بين اغلب السياسيين وخاصة بعد رحيل الاميركان إلا أن اللافت للنظر هو أن الخلافات برزت إلى السطح بوقت مبكر جدا ما أثار نوعا من الارتياب لدى الشارع العراقي خوفا من تنامي هذه الظاهرة في المستقبل. بعد رحيل القوات الأجنبية بدأت بعض الكتل تفتح نيرانها تجاه الكتل الأخرى بحجة الديمقراطية إلا أن هذا الأمر في غاية الخطورة، وكلف العراقيين الكثير من الدماء خاصة إذا ما عرفنا أن الكثير من الجمهور المؤيد على أساس الطائفة أو العرق ينجر خلف الشعارات الوهمية، اذا ما استمر هذا الوضع فان العراق مقبل على التقسيم وهذا هو الخطر الأكبر، وقد قرأت العديد من الدراسات والمقالات التي تذهب بالعراق نحو هذا الأمر، لان المواطن أولا وأخيرا سيشعر برغبته في الأمان وهذا لن يكون له في بيئة تصارعية ومشهد دموي متكرر في ظل غياب الانسجام وفقدان الثقة بين السياسيين، ولهذا فاننا سنصل الى نقطة اللاعودة في حال استمر السياسيون بغيّهم وعدم نظرتهم لمكامن الخوف الذي يحيط بالعراق اجمع، وبالمناسبة لن تسلم محافظة دون أخرى لان الخطر سيلحق بالكل ولن تكون هناك منطقة آمنة لان الصراع سيتحول لاحقا إلى صراع مناطقي وقبلي.
غياب التوجه الوطني
لا يمكن النظر الآن الى ما يحدث في المشهد السياسي دون الرجوع إلى تاريخ العمل السياسي، يقول الكاتب والإعلامي عبد الستار البيضاني : ربما أكون كثير التشاؤم إذا قلت لا يوجد لدينا توجه وطني خالص في التاريخ الحديث. يمكن تقسيم الاتجاهات السياسية منذ 1920 الى اتجاهات سياسية دينية واتجاهات يسارية والاتجاه القومي. النخب السياسية وعلى طول خط العمل السياسي في العراق تتسلم النظرية جاهزة من الخارج، بعد السقوط كان لدينا أمل كبير في ان تظهر توجهات وطنية تحمل الهم العراقي، لكن الذي قاد التجربة السياسية هم أحزاب المعارضة. من المفارقات لهذه الأحزاب أنها لا تمتلك رموزا لان رموز المعارضة قبل عام 2003 هي معارضة ثقافية، ليس لأنها غير فاعلة او مؤثرة في الشارع العراقي ولكن ما تم قصده هو وجود القائد الشعبي او ما يصطلح عليه بالرمز السياسي. بعض هذه الأحزاب كانت لديها قواعد واسعة وهي مستعدة لأجل التضحية في سبيل أفكارها والمفارقة انه بعد 2003، تخلت هذه القواعد عن قياداتها، نحن الآن أمام زعامات حزبية بلا قواعد ولم تستطع تلك الزعامات أن تخلق لها قواعد، لهذا عملت على اللعب على التناقضات والمشاعر الطائفية وهذا اللعب أيضا أضاع الفرصة على المواطن وجعله هو أيضا يعيش في داخل تناقضات وحيرة من التوجه نحو الزعامات الحزبية والتي لا أحب تسميتها بالسياسية والتي هي لو كانت زعامات سياسية لما دارت العملية السياسية بكل هذه التعقيدات ولما لجأ اغلب السياسيين للقضاء لحل مشاكلهم فما نعرفه هو أن السياسي هو الرجل الأخير في حل المعضلات.
آراء المواطنين
مواطنون ونخب أكدوا (للمدى) أّنه ﻻ يمكن ﻟﻢ ﺷﻤﻞ ﻋﻤﻮم اﻟﻤﻜﻮﻧﺎت العراقية ﻣﺮة أﺧﺮى ﻓﻲ إطار ﺣﻜﻮﻣﺔ مركزية وﻻ بإمكان أي ﺳﻠﻄﺔ أْن ﺗﺘﺤﻮل ﺑﺎﻟﻘﻮة إلى ذﻟﻚ اﻟﺪﻛﺘﺎﺗﻮر اﻟﺬي ﻛﺎن يبيد أبناء اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻦ أهوار اﻟﺠﻨﻮب ﺣﺘﻰ زاﺧﻮ، ويقوم ﺑﻤﻤﺎرﺳﺔ سياسة التطيير واﻟﻘﻤﻊ ﺿﺪهم، ﻟﺬا ﻓﺈن اﻟﻠﻌﺐ بهذه السياية ﻻ يؤدي ﻓﻘﻂ إلى ﺗﻌﺮض مصير المركزية إلى الهاوية ﺑﻞ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاته يمسح اﻟﻌﺮاق ﻛﺪوﻟﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺎرطﺔ السياسية ﻛﻤﺎ ﺣﺪث ذﻟﻚ ﻓﻲ يوغسلافيا.
حسين القيسي (أستاذ جامعي) يقول: خلافات السياسيين يكون تأثيرها مباشر وكبير في شرائح المجتمع كافة، فهي تزيد من حيرة ومزاج الناس خاصة وان اغلب تلك الخلافات صارت شريك العائلة العراقية لأنها تدخل إلى البيوت عبر الفضائيات ومن دون استئذان وانك مهما حاولت أن تنأى بنفسك بعيدا فلن تستطيع، أنا اجد ان تلك الخلافات تتحدث عن مصالح معينة ولم نسمع بهم اختلفوا على قضية تمس المواطن، كما انها تحدث عدم استقرار السوق والشارع وينعكس ذلك جليا على النقاشات والمشاحنات أثناء الجدال العقيم كما أنها تزيد من إحباط الناس وعدم ثقتهم بالقادة السياسيين لمعرفتهم الحقيقة بان هذه الخلافات هي مؤقتة تنتهي حال تحقيق المصالح للطرفين.
بلد الأزمات
يقول المواطن مؤيد إبراهيم (صاحب مكتبة) نحن بلد أزمات وهذه ليست المرة الأولى التي نعيش فيها تلك الحالة فقد عودتنا النخب السياسية ومنذ اليوم الاول لسقوط النظام المباد على هذه الخلافات وهذا الشحن الطائفي البغيض، كنا نتوسم خيرا بهم بعد معاناة كبيرة عاشها العراقيون مع الدكتاتورية وتصورنا أن الذين سيحلون محله وبسبب غربتهم واضطهادهم من قبل النظام المباد سيكونون ارحم على العراقيين وأول من يشعر بحاجتهم، لكن الذي حصل بعد ذلك هو مجيء الخلافات والأزمات والاغتيالات السياسية التي يدفع ثمنها المواطن من خلال فقر الخدمات المقدمة له إضافة الى كل هذه الدماء التي سالت باسم الجهاد وهي في الحقيقة تنفيذ لأجندات سياسية.
جلسات للخلافات
المواطن رائد جبر والي من مؤسسة العذراء الخيرية للأيتام يقول : نحن جمعية تعنى بجمع التبرعات من الميسورين للأيتام، وأقول لو كان في البلد دستور يحترم وقانون يكفل لكل مواطن حقه في حياة آمنة وكريمة لما كان هناك وجود لمؤسستنا لان الدولة هي أولى برعاية الايتام والمطلقات والأرامل، الذي يحدث هو أن هؤلاء يقبضون فتات الأموال من رواتب الرعاية الاجتماعية والتي لا تسد رمق الجوع والملبس. السياسيون يعطون جل وقتهم للمنازعات والخلافات ولو تم تخصيص مثل هكذا جلسات للمواطن لكان العراقيون بألف خير.
مواطن آخر يقول: يجب على الحكومة المركزية والحكومات المحلية أن تتجنب هذا التصعيد الاعلامي الذي يكون غذاءً دسما لمواد الفضائيات ، واعتقد ان الحل يكمن عبر القنوات الدبلوماسية التي تجنب العراقيين الكثير من الانشقاقات، علينا أن نستفيد من تجارب الدول الأخرى التي فيها فدراليات متعددة، فما نسمعه أن المركز هو الذي يتحكم بالأقاليم، وعلى الأقاليم أن تتبع المركز وذلك حفاظا على نسيج ووحدة الشعب.
الساسة يتقاسمون العراق
فيما يؤكد مواطن آخر أن الخلافات السياسية القائمة على الساحة يعود سببها الأول والأخير إلى الدستور، السياسيون يختارون منه ما يلائمهم ويتركون كل ما فيه من استحقاقات للوطن والشعب، بعض الكتل يروق لها الدستور وهي تريد أن تطبق فقراته باسم القانون، اما الكتل الأخرى فإنها تقول بان الدستور يحوي فقرات ظالمة بالنسبة للكتل الأخرى أو المكونات المذهبية وحجتهم في ذلك انه كتب في وقت قياسي وفي ظروف صعبة كان يمر بها البلد، بعض الكتل تقول إنها مغيبة وإذا ما نظرت الى حصصهم في الوزارات والبرلمان تراهم يتسيدون المناصب، الجميع يغرف من خيرات هذا البلد، لا يوجد استثناء هم يتقاسمون العراق بكل خيراته وحينما يصل الأمر الى المواطن البسيط فهم أول المعارضين.
الإحباط ملامح المواطن
ويتحدث المواطن جاسم علي بقوله إن المشاكل السياسية تأثيرها مباشر في المواطن العراقي بسبب رغبة الجميع في الهيمنة على المناصب والكراسي وهذا ما يولد نزاعات طائفية واغتيالات وتصفيات جسدية يدفع فاتورتها المواطن البسيط، لهذا نطالب الكتل السياسية باللجوء إلى الحوار وحل المشاكل العالقة بمبدأ الشراكة الوطنية وعدم تصعيد الشارع من خلال شعارات كاذبة باسم الدين والمذهب خدمة لمصالحهم العامة والخاصة.
المواطن علي عبد الرحيم قال: أنا شخصيا مصاب بالإحباط من المشاهد التمثيلية المتكررة التي يقوم بها بعض اعضاء الكتل البرلمانية الذين يتكلمون باسم فلان وفلان من القادة وينسون اسم العراق، ومع كل ذلك فهم يقولون "المصلحة الوطنية" أي وطنية تلك التي يتكلمون عنها؟! عجبي من وضعنا في العراق ففي كل يوم لنا مؤتمر وطني وكل يوم لنا اتفاقية وكل يوم لنا ازمة... عجيب هذا الوضع وعجيبة هي سياستنا المبنية على الابتزاز، أنا شخصيا ادعو الى إجراء انتخابات جديدة على أن يستبعد كل القادة الموجودين اليوم لعلنا نرتاح في مستقبلنا القادم.
إن شعور المواطن العراقي بأن السلطة تمثل كل مكوناته، وان الثروة الوطنية هي ملك للجميع، وان مؤسسات الدولة تقوم على الكفاءة والنزاهة والهوية العراقية، هو الذي سيقضي على الأوضاع المتدهورة في البلاد ويفتح الآفاق أمام إبعاد العملية السياسية عن الصراعات غير الموضوعية وجعلها أساساً لبناء العراق وتوفير المستلزمات الأساسية لشعبه الذي عانى عقوداً طويلة من الظلم والاضطهاد.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top