قضية للمناقشة..صفصافة

آراء وأفكار 2012/11/06 08:00:00 م

قضية للمناقشة..صفصافة

اختارت الدكتورة عواطف عبد الرحمن لمذكراتها وسيرتها الذاتية هذا العنوان «صفصافة» تلك الشجرة القوية التي تصمد للريح والعواصف وهو اسم جدتها «العمياء» وهو أيضا اسم مفعم بالمغزى لأنه يدل لا على تجربتها وحدها وإنما على تجربة جيل بكامله، عاش حياة بالغة الثراء في الثقافة والنضال السياسي، فهي قد ولدت قبل ثورة يوليو 1952 بسنوات قليلة، وعاشت أولى سنوات عمرها في قرية «الزرابي» في صعيد مصر بأسيوط، وهي نفسها القرية التي عادت إليها «عواطف» مرشحة لمجلس الشعب عن حزب التجمع عام 1984، وكانت تلك تجربة أخرى تعيشها الكاتبة بعد أن كانت قد ألقت الضوء بعيون الطفلة «على خفايا أهلي المهمشين في الصعيد» .وكانت الطفلة الحساسة قد التقطت مبكرا معالم الانقسام الطبقي داخل القرية وفي المنطقة كلها، وتساءلت عن التناقض بين بيوت الفلاحين الفقراء وطريقة حياتهم، وبين بيوت الأغنياء وطريقة حياتهم وهو ما حدد في ما بعد مصائر كل الأفراد الذين ظهروا على صفحات كتابها الممتع، بل وحدد توجهها في الحياة والبحث.
تقول «عواطف» ركزت على أسباب الشجن الذي يملأ عيون النساء في قريتي وطرحت الكثير من التساؤلات، ولم أحصل على إجابات شافية لها خصوصا أسباب الفوارق الطبقية بيني وبين قريباتي الفقيرات رغم أنهن أذكى مني، وشرف العائلة والقبيلة المعلق برقبة النساء وحدهن دون الرجال «لأنك بنت ونصفك التحتاني شرفك».
وكانت العبودية  لاتزال قائمة حتى منتصف القرن العشرين إذ كانت نساء العائلات يذهبن بصحبة أطفالهن في حراسة العبيد إلى البحر وطيلة السيرة تتعامل الكاتبة مع قضايا الوطن وبشكل خاص قضايا النساء بعد أن شهدت المكتبة العربية مئات من السير الذاتية لهن والتي كانت في السابق شحيحة بسبب شح تعليم النساء وعدم انخراطهن في الحياة العامة، ولذا سوف نجد أن ثورة يوليو 1952 مثلت انتقالة جوهرية في حياة القرية على مدار الكتاب فقد امتلأت بالمدارس الإعدادية والمدرسة الثانوية المشتركة والسنترال، وقد أفضت هذه الانتقالة إلى تغير جذري في العلاقات الاجتماعية أدت من بين ما أدت إليه إلى طلاق أمها من الأب المزواج عديم الإحساس بالمسؤولية.
ونتابع عبر الكتاب بسالة الأم وقصة كفاحها لمساندة ابنتها «عواطف» من كل خياراتها في الحياة من الزواج للإنجاب للبحث العلمي والتدريس في الجامعة، وقد خصت الكاتبة الأم بفصل خاص يحمل عنوان قصيدة أحمد فؤاد نجم التي غناها الشيخ «إمام عيسى» «مصر يا أمة يا بهية» لأن اسم أمها هو «بهية» وكانت هذه هي الأغنية المعتمدة لقوى اليسار الطلابية والعمالية طيلة ثلاثين عاما وحتى الآن.
ثم نتوقف أمام تجربة زواجها بعد أن التحقت بجريدة الأهرام وتزوجت من الصحفي «ممدوح طه» وأنجبت ابنها الوحيد «هشام» الذي أصبح هو وأحفادها سندها المعنوي في الحياة بعد موت أمها.
يمكن أن نسمي «عواطف عبد الرحمن» ابن «بطوطة» لأنها سافرت تقريبا إلى كل دول العالم في رحلات صحفية أو للمشاركة في مؤتمرات علمية سجلت خبرتها بصورة شبه تفصيلية من لقائها مع الرئيس هواري بومدين الذي قال لها «إن الثورة يخطط لها الأذكياء، ويصنع أحداثها النبلاء ويجني ثمارها الانتهازيون» وما أحوجنا إلى التأمل في هذه الخبرة في ضوء ما يحدث الآن سواء في بلادنا أو في تونس.
كذلك التقت بعدد من زعماء التحرر الوطني في إفريقيا وعلى رأسهما «نيلسون مانديلا» و«وسام نجوما» وتحسرت على الأحلام النبيلة التي لم يتحقق منها شيء بل حصدت الشعوب العربية آثار الأحداث المخيبة للآمال التي كرست التبعية للغرب واستبداد الحكام وإفقار الشعوب.
حدث ذلك كله بعد أن كانت قد حصلت على درجة الدكتوراه في فلسفة الإعلام عام 1975.. ثم التحقت بعد الصحافة بالعمل الجامعي وانخرطت في نضال الأساتذة من أجل تطوير الجامعة ومن أجل حقوقهم وشاركت في نهاية السبعينات في تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية التي دعا إليها ومكتب الكتاب والفنانين في حزب التجمع ردا على معاهدة الصلح المنفرد بين مصر وإسرائيل في عام 79 بعد شهور من توقيع الاتفاقيات الإطارية في «كامب ديفيد»، ولعبت هذه اللجنة دورا مهما قبل أن تتحلل «لم تجر دراسته بعد في مقاومة التطبيع الثقافي بين مصر وإسرائيل الذي ظل معطلا حتى الآن.
وفي حزمة أوراق من «سجن النساء» تحكي عن تجربتنا المشتركة في سجن القناطر، إذ كنت أنا مسجونة منذ مطلع عام 1981 مع المناضلة «شاهندة مقلد» وحين أطلق السادات حملة التحفظ في 3 سبتمبر/أيلول من نفس العام طالت كل من عواطف عبد الرحمن ولطيفة الزيات وأمينة رشيد ونوال السعداوي وأخريات، وتستحق هذه الحزمة من الأوراق أن تنشر في كتاب مستقل يضاف إلى تجارب النساء الأخريات اللاتي تعرضن لنفس التجربة.
ولولا الأخطاء اللغوية - الفادحة أحيانا - وهي مسؤولية كل من المؤلفة والهيئة المصرية العامة للكتاب مع بعض التكرار لكان «صفصافة» ملحمة كاملة الأوصاف يمكن أن يستخرج منها كتاب السيناريو والدراما التليفزيونية كنوزا من الحكايات والمعاني، فضلا عن القيمة العلمية للمادة المحكية بسلاسة وصدق وإن كانت قد غابت عنها بعض الوقائع والحقائق.
تحية لـ «عواطف عبد الرحمن» وصفصافتها.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top