البناء الاجتماعي والبناء السياسي

آراء وأفكار 2012/10/09 06:04:00 م

البناء الاجتماعي والبناء السياسي

يعقوب يوسف جبر
ما هو البناء الاجتماعي؟ ما هو البناء السياسي؟ هما إفرازان  لمجموعة القيم والعادات والتقاليد لمجتمع ما ، أو هما تجسيد للثقافة الاجتماعية السائدة سواء بصورة هيكلية دولة أو هيكلية مجتمع، قد تلعب الخرافات وحتى الأساطير والتقاليد الشاذة دورا كبيرا في تأسيس البناء الاجتماعي والسياسي ، كما تلعب النظريات الاجتماعية الدور ذاته رغم أنها نظريات متباينة في وصفها وتحليلها للواقع الاجتماعي فبعضها نظريات واقعية رصينة وأخرى غير واقعية، فمثلا يرى عالم النفس فرويد أن البناء الاجتماعي والسياسي المنبثق منه يرتكز في نشوئه وظهوره على الغريزة الجنسية وطريقة إشباعها ، ويرى كارل ماركس أن العامل الاقتصادي والطبقية الاقتصادية هما الأساس في بروز معالم البناء الاجتماعي بما فيه السياسي ، أما نظرية راد كليف براون المرتكزة على علم الأنثروبولوجيا  فهي تعتبر ما يدور ويتفاعل في المحيط الاجتماعي هو عبارة عن إفراز طبيعي بيولوجي يمكن إخضاعه لتجربة العلوم الطبيعية كما هو الحال مع الظواهر الطبيعية التي يتم إخضاعها للتجربة الطبيعية سوا كانت فيزيائية أم كيميائية.
ثمة تباين بين المجتمعات في طبيعة البناء السياسي لكن ثمة تشابها أو تماثلا بين بعض المجتمعات ، في عراق ما بعد 2003 برزت الدولة والمجتمع بصورة مغايرة تماما للمرحلة التي سبقت 2003 ، لم يظهر البناء السياسي المتحضر بل ظهر البناء السياسي المتخلف رغم المحاولات المبذولة من قبل الدولة لتطبيق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان .
ما قبل 2003 كان البناء السياسي متخلفا وما بعد 2003 كان البناء السياسي متخلفا أيضا لكن بصيغة جديدة وباعتماد تطبيقات جديدة، كان العامل الأساسي والمؤثر في قيام البناء الجديد هو ثقافة الطائفة والقبيلة والحزب السياسي، برزت مقولات غير موضوعية اعتبرت القيم الدينية هي العنصر الأساسي في نشوء البناء السياسي المتخلف لكن الحقيقة أن القيم الدينية الحقيقية لا صلة لها إطلاقا بما تحقق ميدانيا، باعتبارها قيم تسامحية تحث على التعايش الإنساني وتدفع باتجاه بناء دولة ومجتمع متوازنين لكن لم يتم الالتزام بهذه القيم لأنها تتعارض مع التقاليد والعادات.
إن الدين الحقيقي الخالص هو الأحرص على بناء منظومة حقوق الإنسان ضمن الدولة والمجتمع لذلك ثمة فارق كبير بين القيم الدينية الحقيقية وتقاليد الطائفة والقبيلة والحزب السياسي .
لا تسمح القيم الدينية بقيام مجتمع متصارع قمعي غير متعايش ولا تسمح بقيام مجتمع تبرز فيه الطبقة الفقيرة تعلوها طبقة وسطى وعليا تستنزف قدرات الطبقة الفقيرة وتضطهد أفرادها ، ولا تسمح بقيام سوق اقتصادية احتكارية تزيد من الهوة بين الأغنياء والفقراء ، كما أنها لا تمنع ممارسة حرية التعبير عن الرأي والمعتقد والمذهب والحرية السياسية ، كما أن القيم الدينية الأصيلة ذات الطابع المدني لا تسمح بهدر الموارد الطبيعية والبشرية ، بصورة عامة وإجمالية فإن القيم الدينية تشكل منطلقات اجتماعية لبناء الدولة والمجتمع الفاضلين ، لكن ثمة إهمالا لهذه القيم وتمسك بالتقاليد والعادات والأعراف منها أعراف القبيلة والطائفة والحزب السياسي التي تحكمت بكل شيء عبر أحكامها الجائرة وتقيدها بالتعصب كمقياس اجتماعي متطرف .
قد تكون الأنساق السياسية بعض الأحيان ( الأحزاب السياسية )  لا تملك رؤية واضحة لبناء الدولة والمجتمع عبر التطبيق والدعم فتتحكم  بشكل خاطئ بكيفية البناء السياسي عبر تصنيف المجتمع إلى منتمين نفعيين ولا منتمين ، وبهذا تبتعد الأحزاب بالبناء السياسي عن طبيعته الحقيقية المتحضرة ، لكن لو افترضنا أن هذه الأحزاب قد تحولت من أحزاب تطمح إلى الهيمنة على السلطة إلى أحزاب تحمل مشروعا حضاريا ينجز دولة ومجتمعا مدنيين ومتحضرين فإن الصورة تختلف ستكون الأحزاب حينئذ بمثابة منتديات لتشجيع قيام دولة الإنسان ومجتمع المساواة.
إن البناء السياسي الحقيقي لا بد أن يقوم على أساس دستوري ( العقد الاجتماعي ) ( التشريعات ) ( النظم القانونية ) ( القانون المدني ) لكن لا بد من توفر فرص نشر وترسيخ الوعي المدني وثقافة حقوق الإنسان واحترامها والقضاء على الأمية خاصة السياسية والثقافية كاشتراطات للنهوض بمشروع البناء السياسي الرصين .
لا جدوى من التفكير في بناء دولة ومجتمع متحضرين وثمة تخلف في كافة المجالات ومنها مجال التعليم لأن ذلك يعد بمثابة افتراضات لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع ، كما لا يمكن بناء دولة ومجتمع حضاريين وثمة تراجع في ملف تطبيقات القانون المدني ، إذاً ثمة تلازم بين  مجموعة من العوامل في إنجاز البناء السياسي الرصين والمتوازن ، مختصرة في عنصر واحد هو الدستور لكن عبر الترويج لثقافته ( نشر الوعي الدستوري ) ( نشر الوعي السياسي )  ومن ثم التطبيق حينما تتهيأ الأرضية المناسبة لتطبيقه.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top