أخطر ما قاله المالكي و موت الجمهورية

سرمد الطائي 2012/12/29 08:00:00 م

أخطر ما قاله المالكي و موت الجمهورية

هل قرأتم اخطر وثيقة سياسية كتبها عراقي بعد سقوط صدام حسين الدكتاتور؟ لقد كان اول امر خطر على ذهني حين سمعت بأزمة طارق الهاشمي قبل سنة، ان رئيس حكومتنا لن يتركنا نفرح برحيل امريكا. ولذلك فقد امضيت سنة كاملة احاول رصد سلوك المالكي والتنبؤ بخطواته. وليس هذا بمثير جدا، لكن المثير هو ان المالكي نفسه أمضى سنة كاملة وهو يحاول تحقيق نبوءاتنا معشر المعلقين الساخطين وما تبقى من نواب وساسة يجدون شجاعة الاعتراض.

ان اخطر وثيقة ظهرت خلال ١٠ أعوام ليست الدستور ولا رسالة الزرقاوي التي سردت احلامه حول جر السنة والشيعة الى مقتل رهيب. بل هي رسالة بعثها الى البرلمان، السيد علي العلاق يشرح فيها "تعاليم المالكي" بشأن "حصانة النواب منصوصة العلة". وهي "تعاليم" نشرتها المدى وتحدثت عنها الصحافة.

لنحاول تخيل كيف جرت كتابة الرسالة التي تقول للنجيفي ان حصانة النائب تنتهي عند خروجه من قاعة البرلمان! لنسأل: لماذا يا سيد؟ يجيبك: ان الحصانة منحت للنائب كي لا يخشى الضغوط اثناء مناقشة القوانين. ولهذا فما حاجته للحصانة حين يخرج من قاعة المناقشات؟ وهكذا (وكما يتصور المالكي) فإذا كان النائب خارج البرلمان وسولت له نفسه ان يتحدث في السياسة فيمكن للسلطات اعتقاله لانه خارج البرلمان وبلا حصانة!

ان المالكي هنا يقدم لأول مرة فهمه الصريح والخطير للدولة ويعلن رفضه لتقاليد التعددية السياسية وغضبه من الديمقراطيات "الغربية". وهو اذ يقبل بالديمقراطية مرغما، فإنه يريد تأسيس نظرية جديدة خاصة به. ولماذا يحق لمونتسكيو وجون ستيوارت ميل وباقي آباء النظرية الديمقراطية، ان يصوغوا قواعد الديمقراطية، ولا يحق ذلك لسلطان شرقي؟

اذن فالنظام الذي يحلم به المالكي يتطلب تحويل النائب الى موظف مطيع، يدخل البرلمان ويناقش قانونا، ثم ينتهي دوامه فيخرج من الدائرة الى عياله واصدقائه ويتوقف عن الحديث في السياسة. والا فانه بلا حصانة يمكن اعتقاله.

ورسالة المالكي تصوغ بشكل صريح قاعدة هي الأوضح على الاطلاق، لكنها مصممة خصيصا لمعاقبة 20 نائبا ونائبة يجرؤون على الحديث الصريح. ومعنى هذه القاعدة ان السلطة لا تعترض على النائبة حنان الفتلاوي لان تصريحاتها "لا تخرق النظام ولا تثير الرأي العام ضد الحكومة". الا ان رفع الحصانة والاعتقال سيتجه لنائب مثل سليم عبد الله او جواد الشهيلي او صباح الساعدي. فهؤلاء يخرقون النظام والاداب العامة ويسببون ضررا للدولة باصرارهم على الثرثرة السياسية خارج قاعة البرلمان.

ان رسالة المالكي للبرلمان ليست استشارة او مقترحا، بل هي بلاغ نهائي يعلن ان سنة ٢٠١٢ كانت نهاية لديمقراطية فرضتها امريكا متأثرة بجون ستيوارت ميل الذي بالغ في منح الحرية للنواب. ورسالة المالكي تعني ان خروج الامريكان منح الحق "لمفكرين ومنظرين" يحومون حول المالكي، كي يصوغوا نظريتهم الخطيرة حول شكل الدولة، وقد يحسبون ان افكارهم العظيمة هذه تستحق ان تدرس في هارفرد او اوكسفورد.

انني اعتقد ان افكارهم هذه ستدرس في جامعات العالم بوصفها نموذج امتناع سلاطين الشرق عن الاعتراف بكرامة شعوبهم. ان السلطان الشرقي لا يرى ضرورة لوجود برلمان اصلا. ولذلك فهو يقيل سنان الشبيبي ويحرك الجيوش ويشتري الاسلحة فاسدة وصالحة، ويبرم الصفقات ويناقل اموال الموازنات، دون حاجة الى علم البرلمان.

السلطان يعتقد ان النخبة كافرة مغشوشة بالحداثة، وان البرلمان ممثل لجمهور ناقص العقل، وان فريق السلطان هو الوحيد الذي يخلص للبلاد ويضحي من اجلها، ولذلك فعلينا ان نتقبل حتى مفاسده واخطاءه العظمى، لانه ارتكبها "بحسن نية".

الغرب الحديث وضع نهاية لحرب طويلة كان فيها البشر يتقاتلون ويزعم كل منهم انه على حق. قال مونتسكيو وأمثاله: لا يوجد انسان بحق مطلق، وهذه صناديق الاقتراع احتكموا اليها وقيدوا الحاكم بقضاء قوي وبرلمان لا يصمت عن خطأ. وردّ المالكي: هذه ديمقراطية خرجت من بوابة صفوان مع آخر جندي امريكي، وعليكم من الان فصاعدا ان تعتنقوا ديمقراطيتي انا، فكل ما اعمله في صالحكم، وانتم شعب قاصر ونخبة مغشوشة بالحداثة، سأظل اركل مؤخراتها في نادي الصيادلة.

ان رسالة المالكي للبرلمان اعلان موت للجمهورية وتأسيس السلطنة، وليست مجرد احراق للرايخ. وسيتبع اعلانه هذا اسكات لكل نائب يتساءل حول السلطة والمال. واغلاق كل وسيلة اعلام تتجرأ على استضافة النواب سليطي اللسان.

ولن يتوقف الرجل حتى يشكل حكم اغلبية لا يقيده سوى برلمان بلا حصانة.. ففي جيب السلطان بنك مركزي وهيئة نزاهة ووزارة مالية ومليون وربع المليون جندي ونفط كثير، ويريد طرد السفير التركي ومنع بارزاني من السفر واعتقال نواب التيار الصدري، وتنصيب عزت الشابندر وحنان الفتلاوي حكاما مطلقين على عقولنا وضمائرنا.

يا مؤسس السلطنة، انني ممتن لرسالتك هذه، لاننا كنا نبذل جهدا هائلا محاولين وصف نواياك، اما اليوم فأنت "تحقق نبوءاتنا" وتنتقل الى محطة تعلن فيها كل شيء بلا مواربة.

لكن شهوة السلطان هذه تعني ايضا ان البرلمان بدأ ينضج ويؤثر ويؤلمه. فنظر الى مرسي وتعلم منه كيف يمكن تحصين السلاطين من القضاء او البرلمان. مرسي حذف صلاحيات القضاء، والمالكي يريد حذف صلاحيات البرلمان. لكن شعب مصر خرج الى الشوارع معترضا، وشعبنا يتعارك على العلم الذي يجب ان نرفعه خلال التظاهرات. وفي النهاية لن نسكت عن هذا.

تعليقات الزوار

  • علي

    هل ما تكتبه عن ( السلطان) ينبع من شجاعتك ام من تسامح ( السلطان) معك ؟

  • سليمان ديميريل

    اذا يعرف المالكي ينطق هذه الاسماء ثلاث مرات ارشحه لرئاسة العراق الف سنة ...

  • حسين

    والله انت في حالة يرثى لها.. تكتب اي شيئ وبركاكة لا مثيل لها بين الكتاب، والآن تكتب بمسائل قانونية.. ان كنت لا تفهم في تفسير مواد الدستور لا تدس انفك سوف تشم رائحة لا تعجبك.. يا عزيزي اكتب لنا عن مسألة تختارها انت لا ان يستكتبونك فيها، سوف تموت سريريا تبق

  • ابو سجاد

    الى متى نبقى بالكلام الصحفي متى ننزل الى الساحة ونثبت وجودنا

  • محمد المالكي

    سأكلف نفسي وأرد على السيد علي حول شجاعة الكاتب سرمد الطائي.أقول نعم أن سرمد شجاع جدا لأنه مهدد في كل لحظه وكل خطوة .ألم يقتل السلطان المتضاهرين العزل في ساحة التحرير .ألم يغتال هادي المهدي وغيره كثيرين.أما عن تسامح السلطان فاشكره أنت نيابة عتا لأنه صبر عل

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top