الفنان غالب ناجي..كرنفالية اللون وحساسية المدرك الوجداني

الفنان غالب ناجي..كرنفالية اللون وحساسية المدرك الوجداني

تقيم دائرة الفنون التشكيلية معرضاً شخصياً للفنان غالب الجنابي في الثاني والعشرين من هذا الشهر، وقد كتب الناقد ماضي حسن في دليل المعرض انطباعا عن تجربة الفنان ناجي قال فيه:
ترتكز تجربة الفنان غائب الجنابي في مجال الرسم والنحت على نمطية أسلوبية خاصة ففي مجال الرسم تتجسد في أعماله أقصى مديات النقاوة اللونية وشفافيتها المترعة بالإشباع اللوني ولا تتعارض امتدادات هذه الشفافية مع توزيعات القيم اللونية للإشباع اللوني، وكأنها وصلت عبر منافذ ضوئية محددة وبذلك وبهذه الطريقة خلقت أجواء كرنفالية دافئة تضيف للعمل الفني عبقاً من الجمال والاحتفالية المبهجة، إن أسلوبية الفنان غائب هنا بلا شك هي امتداد إلى الاتجاهات الانطباعية التحليلية إلى الاختلاطات الضوئية ممتزجة بجوانبها الرمزية والتعبيرية، كما أن نقاوة اللون التي استخدمها في أعماله قد أبعدت الألوان الحيادية من رمادي وترابي ومشتقاته. إن هذا الاختيار هو تعبير عن صفاء الذوات المنكفئة على نفسها كتعبير عن اختيار النمط الآخر من الرسالة الفنية وهي استخدام أدوات الصفاء الروحي للتعبير عن الحالة المبتغاة تجسديها وان الدعوة إلى المعالجات الاجتماعية تتم بطريقة التعبير الاستنطيقيا الجمالية كأداة سيكولوجية إصلاحية للذوات لمنكوية تحت وطأة الظروف المختلفة. إن رسالة الفنان مفادها الحب والسلام لا إثارة المواجع بطريقة ما يسمى بالتغذية الراجعة لغرض الاستذكار الانعكائي للأحداث القاسية، فالمتلقي لم يعد يحتمل استعراض المضامين التراجيدية بسرد دراماتيكي مثير وان بدائل أطروحات التعبير الجمالي بعد هنيئة من الاسترخاء الذي يعقب حالة الانشداد والتوتر هو الكفيل بالمعالجات الذاتية للفرد تلك هي أدوات الفنان غائب مذ امتهن الفن التشكيلي لكي يذكر الآخرين بالعودة إلى الصفاء والاستقرار وان الحياة ها هي من دون منغصات طارئة على الطبيعة نصنعها نحن البشر بأيدينا وأدواتنا فإما أدوات تعبير أو أدوات تخريب والفنان بلا شك يدعو برسالته الأولى وهي إصلاح النفوس في القيم الجمالية الطبيعية والفنية.
الموضوعات تتنوع، ولكن جل مرجعياتها من الميثلوجيا الاجتماعية والفلكلورية والتي تتلاءم تماماً مع نقاوة الأجواء اللونية التي اشرنا لها آنفاً، فهنالك أشخاص يمثلون الدفء العائلي وهنالك أشخاص يجسدون حالات ذروة الحب ومعانيه الإنسانية إذا هي تجسيدات مستمدة أو متعلقة بسيسلوجيا أي اجتماعية تدعوه إلى تسجيل وتثبيت الذاكرة الحكائية والفلكلورية المختلفة ماضي وحاضر ومستقبل، إن الفنان في الموضوعات أو في العودة الى الألوان يقوم بالتحليق فوق أدران الواقع الأليم إلى واقع يسمو بالمحبة والصفاء والعاطفة الاجتماعية ولم تتخلل الأعمال أحداث ملحمية او تعقيدات مختلفة أو مرموزات لغزية..
في النحت الفنان غائب الجنابي درس الفن التشكيلي النحت في أكاديمية الفنون ايطاليا فلورنس عام 1983 بعد أن تخرج من معهد الفنون الجميلة بغداد بدرجة امتياز عام 1976، لذلك فهو مختص في النحت ولديه انجازات عديدة في هذا المجال ولكن اللافت للنظر ان هذا الفنان لا يكترث الى اقتناص الفرص لغرض الكسب المادي وهو كما عرفت شخصيته عن قرب كان عصامياً ويرفض المشاريع النحتية التي لا تروق له، والأعمال التي اطلعت عليها تنهل أفكارها من ذات المرجعيات التي استند عليها في مجال الرسم وهي الفلكلورية والشعبية والاجتماعية بشكل عام وموضوعات المرأة تكاد تكون محاوره الرئيسية، وقد نفذها بحالات مختلفة في حالات التسوق أو الاستحمام او حالات احتضان الاطفال أي الامومة وغيرها وهي منفذة بمادة البرونز وتتجسد تقنيات التنفيذ عند الفنان غائب بطريقة أكاديمية تخص تجربته دون الانسياق الى تيارات التقليد الا بحدود التأثر او الامتداد الى بعض من اطلع على تجاربهم في مراحل الدراسة او ما بعدها لكن بقي محافظاً على منهجيته الأسلوبية الخاصة وتتسم تلك الأسلوبية بشاعرية غنائية مفعمة بتولداتها الوجدانية والحسية وتكاد تقترب أو تتواءم مع نمطية الأسلوب الفني في مجال الرسم ففي الرسم تفصح الألوان وانسيابية الخطوط وطريقة تقنيات التنفيذ عن أسلوبيتها أما في مجال النحت فلقد تتبين معالم أسلوبيتها بطريقة التقنيات المهارية في البناء النحتي كتنفيذ أكاديمي، فضلاً عن مفردات أسسها التشكيلية من حركة وإيقاع وتوازن ضمن التكوينات المنفذة ففي بعض أعماله تبدو التكوينات مكورة ومنحنية تتواءم مع مدلولاتها الضمنية كالأم مع ولدها وبعض الأعمال نفذت ملابس النسوة بطريقة متموجة وشفافة لغرض تحقيق تعبيراتها الفنية وتدور اغلب تلك المظاهر ضمن عائدات وتقاليد وملابس وأدوات اجتماعية شعبية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top