ماهي ملامح النظام العالمي الجديد؟

Wednesday 24th of May 2023 11:29:50 PM ,
العدد : 5436
الصفحة : آراء وأفكار ,

نيكول غينيسوتو

ترجمة :المدى

ليس هناك شك في أن الحرب الروسية –الاوكرانية تمثل نقطة تحول في تاريخ واستقرار النظام الأوروبي، عبر أكثر من 250000 قتيل من كلا الجانبين، والتدمير الهمجي لمدن بأكملها، وجرائم الحرب، كما ان الأوروبيين مشوشون لكنهم موحدون في دعمهم أوكرانيا،

فضلا عن إعادة التسلح المذهلة لألمانيا والاتحاد الأوروبي، وإقصاء روسيا، وتوسيع حلف شمال الأطلسي والمشاركة الهائلة للولايات المتحدة إلى جانب كييف، فكل هذا يمثل ثورة استراتيجية حقيقية للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء. ولكن هل هو الأمر ذاته بالنسبة للنظام العالمي؟ وهل تمثل الحرب في أوكرانيا أيضًا انفصالًا جذريًا عن بقية العالم؟ انه حدث مذهل بالتأكيد ولكن هل ستقتصر آثاره على القارة الأوروبية؟

ففي معسكر النسبيين، الذين يخففون من التداعيات الاستراتيجية لهذه الحرب ويرونها قبل كل شيء حدثًا أوروبيًا، هنالك العديد من الحجج الجديرة بالاهتمام. بادئ ذي بدء، لم تكن الحرب في أوكرانيا هي التي أوجدت التنافس بين الولايات المتحدة والصين فقد نمت منذ أكثر من عقد، وأصبحت عنصرًا هيكليًا للنظام العالمي. وإذا كانت الحرب في أوكرانيا تعزز هذه القطبية الثنائية، فهي ليست البادئ بها بأي حال من الأحوال. وبالمثل، فإن تقسيم بلدان الجنوب بين أنصار هذا المعسكر أو المعسكر الآخر - الغرب أو روسيا - قديم قدم الحرب الباردة: وكل من القوى العظمى في ذلك الوقت كانت في حالة حرب في العالم الثالث، في أفريقيا، في آسيا، كما هو الحال في أمريكا اللاتينية، عن طريق الأقمار الصناعية المتداخلة، بينما حاولت العديد من البلدان الأخرى البقاء في الطريق الأكثر هدوءًا لعدم الانحياز. أما بالنسبة للأمم المتحدة والتعددية، لا سيما فيما يتعلق بالأمن، فقد أصيبوا بالشلل لسنوات، حيث استخدم الأمريكيون والروس والصينيون حق النقض بانتظام في كل مرة يزعجهم فيها القرار.أخيرًا،عندما يتعلق الأمر بالعولمة الاقتصادية، تستمر الأرض في التحول، مع تكامل مستدام للأسواق المالية، وانفجار في الاتصالات واندلاع ثورات تكنولوجية هائلة. ولا تشير العقوبات الغربية ضد روسيا إلى نهاية العولمة، فهي على الأكثر لها تأثير في إعادة توزيع تدفقات التجارة العالمية، مع وجود محور روسي صيني أكبر من ذي قبل ونقاط ضعف أكبر في بعض البلدان من الغذاء والطاقة.

أما في مايخص جانب الثوار، بمعنى أولئك الذين جعلوا الحرب في أوكرانيا شهادة ميلاد لنظام استراتيجي عالمي جديد، فإن الحجج الأخرى مقبولة أيضًا. أما أهم مخاوف الصين فمن نواح كثيرة، تعمل الحرب في أوكرانيا بالفعل على تحويل هذا البلد إلى قوة أوروبية، وتنتشر الشائعات حول الوساطة الصينية المحتملة، حتى أن بكين اقترحت خطة سلام مؤخرا، وينظر الغربيون إلى تدخلاتها لتهدئة الموقف النووي لفلاديمير بوتين بارتياح، وحتى لو لم تترك "الصداقة الأبدية" بين بكين وموسكو أي غموض حول موقف الصين، فقد فازت بمكانتها كقوة أساسية لتسوية الصراع في أوروبا، وهذه سابقة عظيمة.

وهنالك تطور ملحوظ آخر،فقد عادت الأيديولوجيا إلى الواجهة كتنظيم استراتيجي للعالم. لقد قامت الولايات المتحدة في الواقع بتبني خطاب حرب عالمية ثالثة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، وهو خطاب يحب الروس والصينيين التأثر به على حد سواء. ونادرًا ما نشهد منذ نهاية الحرب الباردة - حيث كان الصراع بين الديمقراطية والشمولية أساسًا للازدواجية النووية في العالم - مثل هذا التطرف الأيديولوجي على كلا الجانبين، وهو تطرف يمكن أن يؤثر حتى على العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين..

وخلال زيارة الى تركيا، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن مفاوضات السلام بشأن أوكرانيا لن تكون ممكنة إلا إذا كانت تهدف إلى إقامة "نظام عالمي جديد" لايقوم على الهيمنة الأمريكية. كما هدد سيرجي لافروف بإنهاء الاتفاقية التي تسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية، وهو أمر ضروري لضمان الأمن الغذائي العالمي ولتمكين إرسال الإنتاج الزراعي المهم لأوكرانيا خارج حدودها. وقال الوزير خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو إن "مفاوضات (السلام بشأن أوكرانيا) لا يمكن أن تتم إلا على أساس مراعاة المصالح الروسية"مضيفا بأن "هذه هي المبادئ التي سيؤسس عليها النظام العالمي الجديد"، بعيدا عن الهيمنة الامريكية!

أخيرًا، يوجد المعسكر الثالث في الجنوب. وبلدان الجنوب هذه، التي تمثل أكثر من نصف سكان العالم، تحرر نفسها من أي نظام عالمي وتفعل ما تريد: فهي ليست خاضعة، ولا حليفة، ولا محايدة، ولا عدوة، بل يمكن أن تكون كل ذلك في جميع الأوقات أو بشكل مؤقت، ومع الغرب أو ضده. إن براغماتيتهم، أو سخريتهم، تعزز بشكل أكبر الانجراف الراديكالي لمنظري المعسكرين. وفي هذا السياق، ألا ترغب دول الجنوب في كسب معركة النفوذ في جنوب الكرة الأرضية، كما يحاول الغربيون، أن يفعلوا؟

· باحثة ومحللة سياسية