مدينة البصرة تحت المجهر.. حقيقة وحضارة

مدينة البصرة تحت المجهر.. حقيقة وحضارة

عرض/ علاء المفرجي

عن دار (العالي) للنشر كتاب (مدينة البصرة.. تحت المجهر حقيقة وحضارة) لمؤلفه طاهر جاسم أمين،

ويتعقب المؤلف التميمي في هذا الكتاب، روح مدينة البصرة اطلالتها الاولى على التاريخ وسيرها الحثيث في صدارة المدن العربية الاسلامية التي نشأت وتطورت بعد الفتح الاسلامي، ويختط المؤلف طريقاً منهجياً يستمد من نظرة ابن خلدون لمقومات نشوء المدن، وحاجة الامم الى الاستقرار والتمدن وهو يتحرى بعمق طوال صفحات هذا الكتاب، تلك العلائق التي ربطت الانسان بالمدينة، فجعلتها معبرة عنه تماماً كما كانت ثقافة الانسان وتمدنه معبرة عن المدينة نفسها.

في القسم الاول من الكتاب يناقش المؤلف التميمي طروحات من سبقه من المؤرخين حول التركيب الموروفولوجي والبيئي والجيولوجي لمدينة البصرة، منطلقا من علاقة هذه المدينة بالخليج، وكيفية تكونها جيولوجياً وارتباطها الوثيق بدلتا الانهار الثلاثة(دجلة والفرات والكارون) وبمدن جنوب العراق.

ويقودنا المؤلف في سلسلة من الاحداث التاريخية التي قادت الى تأسيس اول مدينة اسلامية عربية في الاسلام وهي مدينة البصرة ذاتها. ويستعرض العوامل المتعددة التي ساهمت في نشوء مدينة البصرة ولاحقاً نشوء باقي المدن الاسلامية العربية المعروفة.

ويتعقب الباحث دور العراق كمنطقة تخومية في تأسيس ونشوء البصرة فمنذ دخول المسلمين الى البصرة سنة ١٢ هجرية / ٦٣٣ ميلادية، كانت المدينة مرشحة لان تكون واحدة من اهم المدن الاسلامية التي تصلح ان تكون منطلقا لتحرير باقي مدن العراق.ولهذا ينتقل المؤلف التميمي في سلسلة احداث تاريخية، تكشف اهمية تأسيس البصرة في التاريخ العربي الاسلامي والاسراع بتطويرها.

في القسم الثاني وهو القسم الاوسع في الكتاب يتحدث المؤلف التميمي بشكل واسع ومعمق عن مدينة البصرة الحديثة كميناء عراقي ومركز صناعي ويقودنا خلال صفحات هذا القسم للبحث معه عن سر ذلك التناقض الصارخ الذي مرت به هذه المدينة عبر زمنها الحديث ففي الوقت الذي تمتلك فيه البصرة كل مقومات الثراء وعوامل النماء والتطوير المستدام، فهي تعيش في الوقت ذاته واقعاً غريبا يتلخص في حالة الفقر والتردي الاقتصادي الذي لازمها لقرون، هذا التناقض الذي جعل من البصرة بقرة حلوب تعطي ولا تاخذ فباستثناء النفط الذي تتجاوز نسبته الـ٩٠٪ من قيمة الواردات المالية التي تدرها البصرة للعراق، هناك مايقارب من ٩٧٪ من واردات العراق تدخل عبر موانئ البصرة واكثر من ٩٠٪ من صادراته تخرج من تلك الموانئ التي تمثل المنفذ البحري الاوحد للبلاد حسب احصائيات العامين ١٩٦٩-١٩٧٠

ويتعلق المؤلف في دراسته التفصيلية للصناعات التي نشأت وتوسعت في مدينة البصرة، مستشهدا بالارقام والاحصائيات التي غطت مشاريع مجلس الاعمار متخذا من العام ١٩٥٤ كسنة اساس، ثم مرحلة قيام النظام الجمهوري في العام ١٩٥٨ وصولا الى ما تضمنته الخطط الاستراتيجية في العراق خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. مستنتجا ان البصرة التي كانت في صدارة المدن الصناعية في العراق الى جوار العاصمة بغداد، والتي وصلت الى مانسبته ٥٢٪ من مجمل المؤسسات الصناعية العراقية عام ١٩٦٢ للمدينتين معا و ٦٢٪ من اجمالي العمالة الصناعية في العراق للعام نفسه، ان هذه المدينة كان يمكن لها ان تظل في موقعها المتصدر لولا ماتركته الحرب العراقية الايرانية (١٩٨٠-١٩٨٨) من اثار واضحة في انماط التخطيط التي اثرت على موقع البصرة في المجال الصناعي.

ينتهي المؤالف في هذا القسم الى أن إعادة الروح لمدينة البصرة بعد أن تتنتهي الحرب (انتهت الحرب بعد عامين من انجاز الكتاب)، لن يكون صعبا إذا ما أحسن المخطط العراقي صناعة منهج تطويري متكامل، يستند أساسا على ماتمكه البصرة نفسها من مقومات للتطور.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top