طفولة حسن الضائعة بين بقايا القمامة

Wednesday 3rd of December 2014 09:01:00 PM ,
العدد : 3232
الصفحة : المرأة ,

لم يكن"حسن إبراهيم"يمضي نهاره كبقية الأطفال في اللعب بالكرة، والجري خلف السيارات المارة، او حتى مشاكسة أعوامه التسعة بتصرفات تليق بمن كان في مثل سنه، فـ"حسن" تعلّم معنى الحاجة لارتداء ثوب الرجولة مبكراً ليتمكن من الاستمرار على قيد الحياة برفقة عائلته

لم يكن"حسن إبراهيم"يمضي نهاره كبقية الأطفال في اللعب بالكرة، والجري خلف السيارات المارة، او حتى مشاكسة أعوامه التسعة بتصرفات تليق بمن كان في مثل سنه، فـ"حسن" تعلّم معنى الحاجة لارتداء ثوب الرجولة مبكراً ليتمكن من الاستمرار على قيد الحياة برفقة عائلته.

يبدأ نهار"حسن"في الساعة السادسة، حيث يهم بتنظيف عربته من بقايا"قمامة"الأمس وإطعام حصانه، لغرض البدء بنهار عمل جديد، عمل ينتهي بهبوط الليل اي قبل ان يزحف القلق الى قلب والدته، حيث إن حسن يعمل بصفة"عامل نظافة قطاع خاص"إن جاز التعبير.
يصف"حسن"حاله وعائلته قائلاً"لا اعرف مهنة اخرى غير ان أكون ابو الزبالة"كما يلقبونني، ولا اخجل من طبيعة المهنة، فالحاجة تفرض عليَّ أن أكون ما انا عليه".
ويتابع"كان والدي يعمل سابقاً"دوّار"، وهو الشخص الذي يقوم بجمع الحاجات المنزلية المستعملة وشراءها من اصحابها بأسعار مناسبة، ثم بيعها للمهتمين من شركات وافراد، لكن حالته الصحية منعته من الاستمرار خصوصاً بعد اصابته بجلطة الزمته فراشه وقيدت حركته".
ويضيف حسن بمرارة"لم التحق بأي مدرسة، ولا اعرف من القراءة والكتابة سوى عد النقود".
حرمان
بدأ حسن بمزاولة مهنته هذه في سن الخمسة أعوام، وقد كان حينها يرافق أخاه الاكبر"أمير"، لكن وفاة المذكور تركت حسن وحيداً في تجواله اليومي، وعن ذلك يقول"شقيقي كان اكبر مني بأربعة اعوام، استشهد في انفجار عبوة ناسفة في طريق عودته من الزيارة الأربعينية، وقد كان ذاهباً برفقة خالي الذي استشهد هو الآخر".
ويضيف"كان امير شقيقي المفضل، كنت احبه كثيراً، كان يشتري لي الحلوى، ولم يكن يسمح لوالدتي بضربي".
وفاة أخيه، تركت مقعد المعيل الأول بعد الاب شاغراً، حيث اضطر حسن بعدها للتكفل بالامر مصطحباً اخاه الاصغر"علي"في رحلته اليومية الطويلة.
كأي طفل في سنه، يشعر حسن بالفرح اذا ما شاهد العاباً تزين واجهة محل ما، او كرةً او دراجة هوائية، لكن الفرق في هذه الحالة يكمن في إن"حسن"يصادف هذه الالعاب اثناء بحثه في المخلفات البيتية لبعض المنازل.
"أحياناً أضطر للبحث في القمامة قبل قيامي بإفراغ محتواها، حيث اصادف احياناً اشياء مفيدة، احتفظ بها لوالدتي، كذلك اجد الكثير من الالعاب التي رمى بها اصحابها لانها مكسورة او تعاني من خلل ما، لذا اقوم بالاحتفاظ بها لحين العودة المنزل وغسلها".
وأردف ضاحكاً"في إحدى المرات، وجدنا انا وعلي كيساً متوسط الحجم بين النفايات، هممنا بفتح الكيس بسرعة، واذا بها مجموعة من السيارات الصغيرة الملونة والجديدة، يا لفرحتنا حينها".
وأضاف"بعض العوائل من التي اعتدت زيارتها، تهبني وشقيقي الملابس والالعاب خصوصاً في مواسم الاعياد، والبعض يقوم بإطعامنا كذلك".
ويكمل"نسكن في منزل مستأجر، يقع في اطراف بغداد، صغير نسبياً لكنه يكفيني وعائلتي، مشكلتي الأساسية تكمن في المسافة التي اقطعها يومياً برفقة أخي ذهاباً واياباً، خصوصاً ان (الحصان) الذي يجر عربتنا بات كبيراً في السن ولا يقوى على السير لمسافات طويلة".
وأضاف"أبدأ مشواري اليومي منذ الساعة السادسة، اتنقل من منزل لآخر، بعدها افرغ جزءاً من حمولتي في محل مخصص لرمي النفايات لاعود واستأنف من جديد".
وعن مدخوله المادي اليومي يقول حسن"أحياناً يكون الوارد اليومي مرتفعاً بسبب الإكراميات، وأحيانا يحصل العكس، تتراوح الهبات النقدية لكل عائلة بين ٢٥٠ دينار الى ٢٠٠٠ دينار، لكن يعمد البعض أحياناً لإعطائي مبالغ اكبر خصوصاً اولئك الذين اعتدت زيارتهم".
ويصف حسن قلقه من الوضع الامني ومدى تأثيره عليه بقوله"اشعر بالقلق كلما القيت بحمولة عربتي في مكان مخصص لالقاء النفايات، خشية انفجار عبوة ما موضوعة فيه، فقد سمعت الكثير من القصص عن حوادث مشابهة".
وتابع بألم"لا يقتصر قلقي على ما ذكرته فحسب، بل أشعر احياناً بالخوف اذا ما تأخرت في العودة لمنزلي، خشية ان اواجه"نفس المصير الذي واجهه"محمد"، والذي اختطف وعربته لمدة من الزمن، وعاد بعدها لأهله.. بكليةٍ واحدة".