على رصيف ساحة التحرير

Monday 17th of August 2015 09:01:00 PM ,
العدد : 3433
الصفحة : الأعمدة , عواد ناصر

نحن ثوار الفيسبوك.. نعم، نحن ثوار الفيسبوك، لأنكم أغلقتم النوافذ كلها في وجه الفراشات وهن في كامل ماكياجهن، واختزلتم الأنثى إلى كيس أسود، بينما تحدقون مجهرياً بما يختفي تحت الحجاب.
نحن ثوار الفيسبوك الذي حولناه من عالم افتراضي إلى تظاهرات عظيمة عند سواحل السفن اليائسة.
نتبادل القبل مع حبيباتنا ونتحداكم، أيها المخصيون، بعنفوان الشبق الثوري وإصرار العطش على ابتكار الأنهار.
من هنا، من ساحة التحرير، تكتشف الحناجر الناشفة أسرارها النائمة منذ دهور.
كومونة عراقية تستحق أن نرفع لها القبعات لأن الشباب يقتحمون السماء بقبضاتهم.
نحن ثوريو الفيسبوك الذين منعتمونا حتى من حضور جنازات أمهاتنا.. يا من منعتم الأمهات حتى من الحزن.
أين الأمهات؟
أين الحبيبات، الأخوات، العمات، الخالات، الثاكلات، العانسات، الأرملات، العاشقات، الخجولات، المكبوتات، الطليقات، الجميلات؟
اخرجن إلى ساحة التحرير ليكتمل صوت الحرية.. نحن نهتف، من دونكن، بنصف طاقة المحبة وربع قدرة الدموع على الأبناء القتلى.
اخرجن إلى ساحة التحرير ولتكن العباءات السود يافطات النساء الممنوعات من الخروج حتى عند عتبات البيوت.
تمردن على المطبخ والسرير الإجباري والحجاب الخائف والزوج الأبدي والوظيفة الحكومية وبيت الطاعة.
تظاهرة بلا نساء يافطة بلا قلب.
******
التماسيح أولاد التماسيح،
تقول السمكة الصغيرة الملونة.
لم يلق القبض على أحد،
لم يعترف أحد،
لم يعتذر أحد،
لم يهرب أحد،
ما زالت التماسيح تكيد للساحل
تترصد أية سُميكة صغيرة، ملونة، حتى لو ميتة.
*******
نحن ثوار الفيسبوك، سكنة الغابات المعتمة الذين لا نملك غير ضوء الكلمة.
حزبنا الوطن ورايتنا الحرية وحلمنا العدالة وأغنيتنا رغيف حتى لو كان بائتا في بلد النفط والنخيل والمياه.
حكمونا بالصمت والرعب وحاكمونا بالأكذوبة.
نحكمهم، اليوم، بالفيسبوك ونحاكمهم بالحقيقة: من أين لك هذا؟
حولوا الوطن إلى سجن للمعاقين والمرضى والمتسولين وهم ينعمون بجنات الأرض، عبر جهات الأرض، ويهددوننا بجهنم التي أعدها الله للكافرين ويعدوننا بجنات الوهم التي أعدت للمؤمنين الخانعين.
لا أتابع أخبار الوطن، حسب، بل أسهم في صناعة أخباره: قصيدة سوريالية لم يؤكدها مصدر مستقل.
أتظاهر وحدي، في أشهر ساحات المنفى، بلندن، وأرفع أصبعي بعلامة النصر بطلاقة اليد التي أمضت شبابها حبيسة جيوبي جراء عصا المعلم وعيون الرقيب وبرد بيت الطين.
في وطني، وحتى التاسعة والعشرين من عمري، لم أجرؤ حتى على كتابة كلمة "تظاهرة" في دفتري المدرسي.
********
لم تتبق لدي أية أوهام.. نفدت أوهامي، لكنني مدمن حروب خاسرة.
الحروب الظافرة ليست من شيم الشعراء. حربنا، اليوم، أكبر من تظاهرة يخوضها مواطنون عزل ضد ترسانة من المال والسلاح والدين.
هي حرب صغيرة، تمرين جماعي، لأن الحروب الكبيرة تتألف من حروب صغيرة.
لكننا طلاب سلام.
الوهم الجميل الذي تبقى لنا: السلام.