قرار مروّع لمحكمة كردستانية

Tuesday 6th of November 2012 08:00:00 PM ,
العدد : 2641
الصفحة : الأعمدة , عدنان حسين

إذا صحّ الخبر فأن محكمة جمجمال (السليمانية) تُقدم أنموذجاً سيئاً بل مروعاً للقضاء، والإدارة عموماً، في إقليم كردستان الذي لا يماثله إلا بعض النماذج في مناطقنا العربية. وهذه طامة كبرى لأننا لم نزل نعوّل على الإقليم ليقدم الأمثولة التي نريد لها أن تُقتدى في قسمنا العربي المبتلى بألف محنة ومحنة وأولها وأكبرها محنته مع طبقته السياسية التي لا تتحلى حتى بأدنى الشعور بالمسؤولية تجاه الشعب والوطن كما يتبين من الأزمة السياسية القائمة منذ تشكيل الحكومة الحالية قبل نحو سنتين حتى الآن.
الخبر الذي جاءنا أمس يقول إن محكمة جمجمال أصدرت أمس الأول (الاثنين) أمراً باعتقال كاتب صحفي بعدما نشر مقالاً انتقد فيه أداء المحاكم. المريع إن المقال نشر قبل يوم واحد فقط من إصدار الأمر بالاعتقال، وهو كان بعنوان "لماذا أداء المحاكم ضعيف؟" ونشر في صحيفة "جرمو" الصادرة بالكردية.
وبحسب ما نُشر أمس على لسان الصحفي فان الأمر بالاعتقال صدر عن مساعد القاضي العام في جمجمال بروين محمد صالح، وان الشرطة تفتش عن الصحفي المطلوب. وهذه المعلومة أكدها مساعد القاضي العام نفسه بقوله إن المحكمة أصدرت أمراً باعتقال كاتب المقال بحسب المادة (431) من القانون الجنائي العراقي بعدما انتقد بأسلوب التشهير أداء المحكمة.
أي محكمة هذه التي لا تصبر على متهمها أكثر من أربع وعشرين ساعة؟ وأي قضاء هذا الذي تأمر محاكمه مباشرة وبهذه السرعة الفلكية باعتقال صحفي انتقد أداء إحدى محاكمه؟ بل أي قضاء هذا الذي لا يتحمل النقد إلى درجة انه يذهب مباشرة إلى الأمر بالاعتقال؟ (طبعاً مع قضاء من نمط قضاء صدام حسين أو معمر القذافي او بشار الأسد لا نستغرب إجراءً كهذا ولكن ما بال قضائنا "الديمقراطي" يمشي في أثر قضاء عتاة الدكتاتوريين؟).
ليس مقبولاً أن يعتقل القضاء أو أي جهة أخرى في الدولة الصحفي بسبب موضوع نشره. حتى لو كان هذا الموضوع ينطوي على تشهير، وهو أمر مخالف لشروط المهنة الصحفية وقواعدها وأخلاقياتها بطبيعة الحال، فان التصرف الصحيح أن يُحال الصحفي إلى محكمة النشر لمساءلته وأن يُمكن هذا الصحفي من توكيل محام للدفاع عنه، ولا يصدر أي قرار تعسفي في حق الصحفي قبل أن تستكمل المحاكمة أركانها وإجراءاتها القانونية بما فيها الطعن في حكم المحكمة.
في النظام الديمقراطي لا يُعتقل الصحفي بسبب جريمة نشر وإنما تُوقع عليه غرامة معنوية تتمثل في الاعتذار إلى الجهة التي أساء إليها أو تجنّى عليها من دون وجه حق، وغرامة مادية تتمثل في مبلغ معين يتناسب مع طبيعة جريمة النشر المرتكبة. دستورنا يقول إننا دولة ديمقراطية، وهذا ما يتعين أن يعرفه قضاة محكمة جمجمال وسائر القضاة في البلاد.