الشرطة في خدمة تعليق الشعب

Wednesday 7th of November 2012 08:00:00 PM ,
العدد : 2642
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

لو أن حفلة تعذيب مواطن وتعليقه على احد أعمدة الشوارع في محافظة ديالى،تمر دون عقاب صارم لمنفذيها، فقد لا نستبعد ان تتحول مراكز الشرطة الى دوائر تنفيذ الأحكام العشائرية بحجة ان شرطتنا المغوارة تخاف على التقاليد وتحترم السلم الاجتماعي، وتريد تنفيذ شريعة أولي الأمر.

الخبر الذي نشره موقع ساحات التحرير يقول: ان مواطنا من اهالي قضاء المقدادية اسمه  محمد المقدادي، تم اعتقاله بتهمة قتل عائلة،  ولكي  يعترف بجريمته مورست معه شتى صنوف التعذيب، ولم يكتف مغاوير الشرطة بذلك، فقرروا تنفيذ حكم الاعدام به، حيث تم تعليقه على احد اعمدة الشوارع الرئيسية، لم تنته  القصة عند هذا المشهد المأساوي،  فقد قررت الشرطة ان تتباهى بفعلتها فاستدعت اقارب العائلة المغدورة لمشاهدة المجرم الذي تم تنفيذ القصاص به،  فكانت المفاجأة حين اعترف احد اقارب العائلة ان الشخص المعلق لاعلاقة له بالجريمة، ولا صلة له بالامر نهائيا.

ما بين الجريمة التي نفذت ضد العائلة البريئة، وبين بشاعة  القصاص من مجرم مفترض، تعيش الناس اليوم في ظل افراد واجهزة يعتقد كل منهم  ان له الحق في تنفيذ قانونه الخاص، قد تكون هناك جرائم تستحق العقاب، لكن المؤكد ان العقوبة يجب ان تأتي بأمر من القضاء، لا بأمر من ضباط يعتقدون أنهم فوق القانون وفوق الشرائع، عندما يصر البعض على تنفيذ قانونه الخاص، فاغلب الظن اننا ننجرف الى هاوية  لانهاية لها.

لعل الأخطر في واقعة  تعليق المواطن المسكين وقتله في قضاء المقدادية، ليس أن أفرادا من الشرطة قرروا أن يكونوا هم الدولة وهم القانون، بل هو رد فعل وزارة الداخلية التي صمتت، حيث لم نسمع حتى هذه اللحظة، تصريحا لمسؤول يقول لنا ما الذي حصل، وما  هي الاجراءات التي اتخذت بحق منفذي هذا الفعل الاجرامي الشنيع.

اليوم الناس تعيش في ظل اجهزة امنية خلطة منتقاة من تصرفات استفزازية وشتائم جاهزة وجهل تام بقواعد السلوك الاجتماعي، تلك هي مؤهلات البعض من قوانا الامنية بعد أن صرفت لهم وزارة الداخلية  مجموعة من العبارات المحفوظة في علب قديمة من عينة "وين رايح"، "الاخ من يا عمام"، فتشعر أنهم جميعا، يرددون هتافا واحدا، ويرتدون ثوبا واحدا، وفي يد كل منهم عصا غليظة يخرجها في اللحظة التي يشم فيها رائحة اختلاف مع ممارساته اللاشرعية.

ويبدو أن البعض نسي بسرعة ان سياسيينا الاشاوس كانوا يقولون انهم وافقوا الامريكان على الاطاحة بنظام صدام بعد ان ضجت الناس بانتهاك كرامتها وآدميتها على يد الاجهزة الامنية، بحيث يمكن القول ان التغيير الذي حصل عام 2003 كان بمثابة انقلاب على  الدولة القمعية  البوليسية، فهل يعقل بعد عشر سنوات تعود  الاجهزة الامنية الى ممارسة القمع وقتل الناس وانتهاك ادميتهم، وان تتعرض الناس كل يوم الى سيل من الممارسات السادية التي يقوم بها افراد من الاجهزة الامنية اعتقدوا انهم ملكوا الارض وما عليها.  

سيقول البعض انها  ممارسات متناثرة هنا وهناك لم تشكل سياقا عاما بعد، وينسون ان السكوت على مثل هذه الافعال سيحولها من جديد إلى منهج وسياق تبدو معه الاجهزة الامنية وكأنها لا تريد ان تغادر عصر " القائد الضرورة ".

ومرة أخرى  قد اتفق مع القائلين ان هذه وقائع فردية، لكنها في النهاية  تبقى رسائل رعب تبثها اجهزتنا الامنية  التي نراها وديعة وخانعة امام سلاطين الفساد وامراء المليشيات وسراق البلد، وصنديدة  ومغوارة مع المتظاهرين والناشطين المدنيين  والرافضين لحكم امراء الطوائف.

اليوم تدرك الناس انها تعيش في ظل أفراد  وجماعات  يعتبرون أنفسهم فوق القانون، أو هم القانون ذاته، أنهم يطبقون القانون من منظورهم الخاص وفقا لمفهومهم عن الحياة، مثلما فعل السيد حازم الاعرجي في صولته على بائعي اقراص الاغاني والافلام والمسلسلات في الكاظمية، فالرجل اختصر القانون واجهزة الشرطة والدستور بشخصه  فقرر ان يقوم بغزوته على الناس.

لقد عملت البشرية منذ عقود على  اختراع اسمه الدستور الذي هو عقد اجتماعي بين المواطنين جميعا، ينتقل من خلاله المجتمع  من حالة الفوضى واللاقانون، إلى حالة النظام والتحضر والعدالة التي تطبق على الجميع، وهذه هي الضمانة الوحيدة لاستمرار الحياة، ودون ذلك سيتحول المجتمع إلى غابة يفرض فيها القوي قانونه الخاص على الضعفاء.

لعل أفظع ما في الأمر أن مشهد تعليق المواطن تحت سمع وبصر الدولة يكشف لنا أن كل ما قيل عن الدولة والقانون هو كلام من قبيل الاستهلاك اليومي.