6 كانون.. !

Tuesday 6th of January 2004 07:10:58 PM ,
العدد : 31
الصفحة : مقالات رئيس التحرير , فخري كريم

اقترن تأسيس الجيش العراقي بالاستقلال الوطني، والطموح الى بناء دولة تستجيب بمكوناتها وهيكليتها ومؤسساتها لمتطلبات عصر تميز بالانعتاق والتحرر والتقدم الاجتماعي والاقتصادي

 وسيادة القانون والحريات، دولة يصبح فيها الجيش والقوات المسلحة، حارسا للوطن، وحاميا للمواطن.

وطوال السنوات التي اعقبت تأسيسه، في العهد الملكي، ظل الجيش املا للعراقيين، وسندا لهم، للدفاع عن حياض وطنهم، وتخليصه من النفوذ الاستعماري، والاحلاف العسكرية والسياسية التي كبلته، وسلخته عن محيطه العربي، وحاولت تطويع هذا الجيش كأداة لمواجهة الشعب وحركته الوطنية، والصدام معه، وفتح النار عليه في الانتفاضات والوثبات التي استهدفت اسقاط المواثيق والمعاهدات الاستعبادية، والحكومات التي كانت وراء ابرامها، ووضع العراق على طريق التحرر والاستقلال والديمقراطية..

لكن نوري السعيد والحكومات الملكية المتعاقبة، اخفقت في حرف الجيش عن مهامه واهدافه الوطنية، وظل من حيث الجوهر قوة وطنية، بل رافدا فعالا استطاع صبيحة 14 تموز ان يحقق للشعب العراقي ما ناضل وضحى من اجله، فأسقط الملكية، وأخرج البلاد من حلف بغداد الاستعبادي، وأعاد العراق الى محيطه العربي مدافعا عن قضايا التحرر والتقدم.

ومنذ اجهاض ثورة تموز، ونجاح اعدائها بمختلف مشاربهم السياسية .. ممن تضرروا بالثورة واجراءاتها ومنجزاتها الوطنية، وعلى خلفية الاخطاء والممارسات والصراعات السياسية التي انهت جبهة الاتحاد الوطني، ووضعت قواها واحزابها في مواجهات دامية، بدأت عمليات افراغ الجيش والقوات المسلحة من مضامينها التي رافقت مسيرتها، ودفعتها بعيدا عن اهدافها ومهامها الوطنية.

وكان انقلاب 8 شباط الدموي نقطة انعطاف نوعية في هذا التطور السلبي والانحراف، وشكل انقلاب 1968 الذي اعاد رموز وقيادة 8 شباط الى الحكم، النقطة الحاسمة في انسلاخه من الحركة الوطنية، وتحوله الى اداة طيعة لخدمة الدكتاتورية واطماع صدام حسين التوسعية.

وانتهت احلام الطاغية، لكن احلام العراقيين التي كانت كوابيس مرعبة طيلة سنوات حكمه، انتهت هي الاخرى، الى مواجهة بعد سقوطه المخزي، مع استحقاقات يكفي انها تجري في ظل خراب، خلفه انهيار الدولة وهزيمة الجيش وتبديد الثروة والاحتلال الجاثم!

لقد خططت الدكتاتورية لمثل هذه النهاية التراجيدية ..

أفليس صدام حسين هو القائل بكل ثقة: لن نترك العراق، الا ارضا بلا بشر، وبلدا يخنقه دخان الحرائق!

اولم يضع القوات المسلحة امام خيار الهزيمة الحتمية، فحلت نفسها قبل صدور قرار حلها من المحتل؟

لكن ذلك كله، يظل بنظر العراقيين، جزءا من محنتهم، فالجيش العراقي، كان جيشهم، يضم صفوة من ابنائهم الذين بقي اكثريتهم من الجنود وضباط الصف والضباط مغلوبين على امرهم، معرضين الى مخاطر الاعدام والموت، في حروب صدام حسين او في حفلات تصفياته الدموية.

ولئن جاء قرار حل الجيش تحصيل حاصل، من النتائج السلبية للحرب التي قرر صدام حسين خوضها دون تفويض، فأن صيغة القرار، وحيثيات تنفيذه وتبعاته على افراده وعوائلهم كانت من بين الاخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الادارة المدنية للاحتلال وكان من نتائجها العرضية، الاوضاع الراهنة التي تنطوي على الكثير من التعقيدات والمخاطر على البلاد ومستقبلها.

ان 6 كانون، بالنسبة للعرا5قيين، يظل تاريخا ورمزا لتلك الاندفاعة الجنينية الاولى التي ارست الاسس المتينة لوحدة الشعب والجيش والتي انتصرت بفضلها وبمشاركة كل التيارات والقوى الوطنية ثورة 14 تموز المجيدة بقيادة زعيمها الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم .

وبامكان الابناء الغيارى من الجيش والقوات المسلحة..، جنودا وضباط صف وضباطا ممن لم يكن خيارهم وارادتهم ،خدمة صدام حسين وسلطته الاستبدادية، ان يضعوا اليوم ايديهم بايادي ابناء شعبهم، لتصفية جذور الاستبداد وكل مخلفات الدكتاتورية ويؤكدوا بوضوح سياسي انحيازهم الى جانب القوى الوطنية التي تناضل دون هوادة، بالوسائل والاساليب السياسية الفعالة من اجل انهاء الاحتلال واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية كاملة غير منقوصة، ووضع العراق شامخا على طريق المعافاة والديموقراطية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

وبذلك وحده يحفظون ذكرى عزيزة، يبقى فيها لـ6 كانون ذلك الاثر والألق الذي ارتبط به تأسيس الجيش العراقي!