لمناسبة مرور أربعين يوما على رحيله.. بيت (المدى).. يؤبّن الصحفي والشخصية الوطنية عدنان حسين

Saturday 23rd of November 2019 09:41:31 PM ,
العدد : 4553
الصفحة : منوعات وأخيرة ,

 بغداد/ محمد جاسم  عدسة/ محمود رؤوف

اكان عليك أن تثقّل علينا أحزانَنا في زمن الفقدان والأسى الجماعي. غيَّب الرحيل المبكر عدنان حسين في لحظة افتراقٍ تحول فيها الموت من فجيعة شخصية، إلى ما يشبه موات الضمير وهو يحصد أرواحاً تتشوف لحياة إنسانية جديرة بالبشر.

 

عدنان، كأني بك قد تقصدت الغياب في لحظة البلوى، لكي لا ترى ما نحن فيه من انحدار، حيث لا معنى للدم عند المفسدين في الأرض، إذ يشق له كل يومٍ نتوءاتٍ وتشققات ومساربَ في كل اتجاه ليذكّرنا بما بلغناه من ذل القنوط وغياب الرؤية. هكذا خاطب الاستاذ فخري كريم الفقيد عدنان حسين حين رحل عن دنيانا، وقد قام بيت المدى في المتنبي بتأبينه بجلسته الاسبوعية، وهو الذي قدم عطاء كبيرا للمدى وللشعب العراقي عبرعموده الاثير شناشيل، الذي كان يستشرف المستقبل ويضع اصبعه على جرح العراقيين، الى الحد الذي يجعله تاريخا يوثق ما حصل في العراق من 2003 لحد اليوم كما قال الكاتب علي حسين ذات مرة..

الجلسة الاسبوعية لبيت المدى ابّنت الكاتب ورئيس تحرير المدى التنفيذي"عدنان حسين" لمناسبة اربعينيته. ادار الجلسة بحضور مكثف من الادباء وكتاب السياسة واصدقاء الفقيد، الكاتب طه رشيد فقال:-صباح الوطن المثقل بغياب الاحبة. صباح الوطن المثخن بجراح المحاصصة والفاسدين والسراق. صباح الوطن الجميل بصورة الشباب المنتفض على نظام القتلة. صباحكم خير ايها الاحبة اصدقاء واساتذة وادعوكم للوقوف دقيقة صمت وقراءة الفاتحة على صديقنا الراحل وعلى شهداء الانتفاضة. الراحل لم يكن صحفيا حسب بل كان مناضلا شجاعا تصدى للنظام السابق وفضح مزاعمه الى ان غادر العراق مطاردا من اجهزة القمع. وواصل النضال من المنفى ولم يكل ولم يمل وظل يتنقل في عواصم الدول من بيروت الى اليمن الى افغانستان حتى استقر في لندن. مواصلا نشاطه الفكري والانساني في الصحافة. كما عمل في جريدة طريق الشعب ومعه رضا الظاهري وزهير الجزائري الذي رافقه في دمشق ولندن ايضا.

أحد ألمع الصحفيين

قال الكاتب مفيد الجزائري:-.ابو فرح واحد من المع الصحفيين المعاصرين (صاحب الشناشيل)، التي كان يؤرخ فيها للواقع العراقي الحي. ويخوض الصراع مع الشعب وقواه الوطنية الديمقراطية المدنية لاقامة العراق الجديد، الذي كان الحلم ايام صدام، وبقي حلما بعد صدام، وما الانتفاضة المستمرة منذ اول شهر تشرين الا آخر مسعى لاقامته بعد 16 عاما من سقوط النظام الدكتاتوري. عدنان حسين الصديق والرفيق والمناضل الشيوعي والشخصية الوطنية. وهو ابن عائلة شيوعية واصل المشوار على خطى والده الشيوعي. والتحق بركب الحزب مبكرا وبقي شيوعيا وفيا له ولفكره ومبادئه حتى رحيله المؤسي والفراتي الجميل والعراقي الاصيل. من مواليد 1949عمل في طريق الشعب عام 1970.غادر العراق عام 1980 وذهب الى لبنان ثم قبرص وسويسرا ثم دمشق والكويت، واستقر في لندن وظل يكتب في جريدة الشرق الاوسط وكمدير تحرير، وعاد الى العراق عاد 2010.

الشناشيل مرآة الواقع

واضاف:- عمل في المدى كرئيس تحرير تنفيذي، وكان احد المؤسسين للنقابة الوطنية للصحفيين ثم ترأسها. وسافرنا سوية وتعبنا وواجهنا المخاطر في كردستان للعبور الى ايران.. وهناك تعرفنا على باقر الحكيم وعلي الاديب، ثم انتقلنا الى دمشق وواجهنا مشكلة الفيزا لاننا دخلنا الى ايران كتهريب. وبمرور الايام تطورت شخصيته الاعلامية والسياسية والوطنية المرموقة عبر خمسة عقود من العمل الصحفي والسياسي والحزبي، التي امتزجت فيها ممارسة مهنة الصحافة مع النشاط السياسي الوطني، وبلغت المسيرة ذروتها في الـ7 سنوات في المدى. وتجسدت بعموده "شناشيل"، و دوره الكبير في تأسيس وقيادة النقابة الوطنية للصحفيين.. واستقطب العديد من الصحفيين الشرفاء محاولا تصحيح دور النقابة الام. وواجه مرضه اللعين بشجاعة فائقة وتصدى له الى ان تمكن منه وانتشر في انحاء جسمه. تمنيت لو كان موجودا ليرى شباب الانتفاضة التي بشر بها في عموده شناشيل.

أكبر محرض لرفض الظلم

الاستاذ علي الرفيعي قال:- عدنان حسين يعتبر رائدا من رواد الصحافة العراقية، وصاحب قلم جريء وموقف سياسي ووطني. يمتلك روحية وطنية عالية. وكان صوتا قويا في تحريض الناس على رفض الظلم والفساد. وعموده شناشيل يشرح ويوثق لما جرى في العراق منذ عام 2003. كان يؤشر الازمة العراقية بكل مراحلها ويعطي ايضاحات لما سيحدث ايضا.

أسلوبه تحريضي

الكاتب زهير الجزائري قال:- اول تعاملي معه في طريق الشعب في الصفحة الاخيرة التي كان يرأسها اضافة الى صفحة الطفولة. كنا قسمين الاول مع الجبهة الوطنية والثاني من المشككين بهذا الاتجاه وكنت وعدنان بضمنه. واتذكر اغلقت الجريدة لمدة شهر كامل بعد تدهور العلاقة مع البعث ونحن ننتظر لايام. ثم اختفينا عن الانظار خوفا من الاعتقال وكان معنا مؤيد نعمة.. ثم التقينا في بيت آخر قبيل مغادرتنا العراق. في المدى التقينا مجددا. كان يعتمد في كتابة عموده الصحفي على المفارقة ثم يربطها بالواقع معتمدا على اسلوب تحريضي اكثر مما هو تحليلي. كان يؤشر للقارئ الكثير من تفاصيل سلبيات النظام، يؤشرها بشجاعة وبصدق. وكان صعبا ان تحول كلمتك اليومية محدودة الكلمات، الى تحليل لواقع مرير، لكنه افلح فيها لحد بعيد. كما عشت معه فترة مرضه في لندن وكنت ازوره يوميا، والغريب ان وضعه الصحي تدهور خلال ايام على نحو غريب. ففقد نشاطه وحيويته وبدأت ايام النزع الاخير تقترب وظل لسبعة شهور الى ان توفي.

تخطيطه استباقي

وقال الدكتور عقيل مهدي:- عدنان مثقف تتوفر فيه الخبرة والمهارة والتخصص. وتعامل مع فريق العمل الصحفي في المدى وجله من (صناع المعرفة) الجماهيرية، بروح الجماعة رغم الاختلاف بالمؤهلات والثقافة ومعرفة التقنيات والمعتقدات، ومنافسة الاصدارات الاخرى بطريقة تعاملها مع الحداثة. كما كان تخطيطه استباقيا لما سيحصل في العراق. ووضع وعمق البرامج النقدية المتطورة في المدى بفهم ستراتيجي عصري، وثقافة تنويرية تدرك اتجاهات القراء واذواقهم. ويؤكد على المفاهيم المعرفية، لاهميتها الفكرية المحفزة للوقائع المادية التي تجري في الشارع اليومي. وتوفر على خصائص الصحفي الملتزم، فجاب العالم العربي والغربي وتنقل (ابو فرح) من بغداد الى دمشق والكويت وقبرص وارتيريا ولندن. وكنت التقيه في المتنبي لابارك وعيه الوطني ونبله الاخلاقي، وحرصه على ترسيخ التنوع الفكري الخلاق. واستطاع ان يستقطب اقلاما عراقية وعربية واجنبية في دراسات ومقالات تنشر في المدى، وهي تمتلك الموضوعية والدقة في التحليل ما جعل المدى علما ليحفز على التغيير الاجتماعي المنشود، بفاعلية المعرفة الجديدة، المتكاملة العناصر والاهداف، لمعالجة مشكلاتنا الوطنية.

عراب النقابة الوطنية للصحفيين 

الدكتور ياسر صالح رئيس النقابة الوطنية للصحفيين قال:- كان معلمنا في كل شيء. كان يتردد على طريق الشعب ويحضر اجتماعات هيئة التحرير ويعطي ملاحظاته. وكنت اقرأ مقالاته قبل التعرف به، كنت اعرفه باسمه اما في الجريدة فيسمونه ابو فرح، فدهشت حين عرفت ان ابا فرح هو نفسه عدنان حسين!. عموده اللاذع كان مؤثر جدا في الاوساط الشعبية.. وكان يحفزنا على الكتابة بشجاعة وصدق. كما جمعتنا اجتماعات كثيرة لتأسيس النقابة الوطنية عام 2013. وكان عراب هذه النقابة ثم صار رئيسها. وظل متواصلا معها الى حد مغادرته العراق، وحتى وهو مريض كان يسأل ويتصل. لم يكن صحفيا او كاتبا بل هو احد فرسان المواجهة بين مشروعين احدهما لدولة مدنية ديمقراطية كان يدافع عنها ابا فرح، والثاني لدولة الفساد التي تقودها الاحزاب الفاشلة. 

وقال شقيق الفقيد الشاعر طارق حسين:- كلنا نعرف عدنان حسين ككاتب وصحفي وانسان. له مواقف نبيلة ابرزها انسانيا، انه لم يقطع الصلة باهله طوال وجوده في المعارضة وكان يرسل مساعدات لامنا وابينا. وحتى في مرضه يرسل المساعدات، وكنت اقول له لسنا محتاجين لانك بحاجة له للعلاج. اما مهنيا كان مسؤولا لجريدة الطفولة بطريق الشعب، وكان لا ينشر فيها قصائدي للاطفال، كذلك في المدى لم يقبل ان انشر باسمي بل باسم مستعارحتى لا تفسر الامور بعيدا عن الحقيقة. واذكر مرتين نشرت فيها بالمدى حين كان مسافرا! كذلك منعني من الترشيح لمجلس النقابة الوطنية. واعترض على فوزي بافضل حوار ولم يقبل تسليمي الجائزة بنفسه كي لا يقولوا ان اخيه انحاز له وفاز. ثم قرأ طارق قصيدة مؤثرة عن الفقيد.