إصرار المحتجين على سلمية الاحتجاجات

Monday 2nd of December 2019 07:30:21 PM ,
العدد : 4560
الصفحة : آراء وأفكار ,

عبد الحليم الرهيمي

بتمسك وإصرار كبيرين تؤكد حركة الأحتجاجات ، منذ اندلاع شرارتها الأولى في الأول من شهر اكتوبر – نوفمبر ، على سلمية ..

وسلمية هذا الحراك والتأكيد على ذلك بمواقف معلنة وصريحة ودون لبس أو تأويل . ورغم ما واجهت هذه الاحتجاجات من عنف مفرط منذ الأيام الأولى لأنطلاقها على يد (القناصين) وبيد جماعات أخرى وصفت بـ (الطرف الثالث) وغيره من أطراف ما زالت (مجهولة) الهوية والأنتماء والتي وصفها المتحدث السابق لوزارة الداخلية آنذاك اللواء سعد معن بأنها عناصر (خبيثة) فقد رد المحتجون على ذلك بتكرار شعار : سلمية .. سلمية بكل قوة مبددين الفرصة على من يريد خلط الأوراق وحرف الحركة الاحتجاجية عن أهدافها الوطنية المحقة والمشروعة .

وباستئناف هذه الحركة لفعالياتها وتواجدها في ساحة التحرير ببغداد وامتدادها بسرعة الى معظم مدن ومحافظات الوسط والجنوب والاشتراك الواسع لطلبة ومدرسي الجامعات والمعاهد والمدارس الثانوية ، فضلاً عن المشاركة الواسعة واللافتة للنساء ، أظهر المحتجون بشعارهم الأثير الذي يرددوه بكل قوة وبصوت عال : سلمية .. سلمية ، وإظهار أنهم عاقدون العزم على التمسك بهذا الشعار بإصرار وعناد رغم تصاعد حالات العنف الموجهة ضدهم من تلك الأطراف إضافة الى تدخل الأجهزة الأمنية باستخدام وسائل تفريق المظاهرات كالقنابل المسيلة للدموع والتي ظهر أن بعضها يؤدي الى الموت لأن المواد التي تحتويها اضعاف المتعارف عليه عالمياً كما اوضح ذلك وزير الدفاع العراقي . وعلى الرغم من ذلك ، مرة أخرى ، أبدى الناشطون الذين يعبرون عن أداء ومواقف المحتجين عبر مختلف وسائل الإعلام والفضائيات حرصهم الشديد للتأكيد على سلمية الاحتجاجات وإنهم مصرون وبقوة على الالتزام بهذا الشعار ومنع أي عنصر (مندس) أو من المحتجين من الفتيان الغاضبين والمنفعلين من الخروج على هذا الشعار واعتداء بعض منهم على أفراد من قوات الأمن والاشتباك معها أو القيام بأعمال تخريب مرفوضة ومدانة من الناشطين الذين يعبرون عن رغبة الأكثرية الساحقة من المحتجين في جميع ساحات الاحتجاج في بغداد وبقية المحافظات ، في التمسك بسلمية هذه الاحتجاجات بكل إصرار وصدقية . ولعل ما يؤكد هذه الصدقية وكذلك الإصرار على التمسك بشعار السلمية ، هو تحمل وصبر حركة الاحتجاجات على العنف المفرط الموجه ضدها ، من أي جهة كانت فزعم تقديمها ، بعد مرور نحو شهرين على اندلاعها ، أكثر من 400 شهيد ونحو 18 ألف جريح ومصاب ومعوق فقد تقبلت ذلك بموقف (غاندوي – نسبة الى المهاتما غاندي) كي لا تخلط الأوراق وتبدد الأهداف المحقة التي انطلقت من أجلها .

وبعد تطورات الأوضاع في الفترة الأخيرة واتساع حالات المواجهة بقيام عدد من الفتيان المراهقين الخارجين على مواقف الأكثرية العظمى للمحتجين وعناصر (الطرف الثالث) المواجهة مع القوة الأمنية وتهديد البعض بمن فيهم عناصر من السلطة وشيوخ عشائر من محافظات الوسط والجنوب بأحتمال اندلاع حرب أهلية ، عبر المحتجون والناشطون المعبرون عنهم عن رفضهم لهذا الخيار والتأكيد بكل قوة وعزم على السلمية ، ورفض انزلاق الأوضاع الى حرب أهلية لا يستفيد منها سوى مشعلوها من بعض أطراف الطبقة السياسية و (الطرف الثالث) وقوى أقليمية لا تريد الخير للعراق ، ولا لحركة الاحتجاجات الانتصار بسلميتها لتحقيق الاهداف التي انطلقت من أجلها . وصفوة القول ، إن ما يمكن وصفه بـ (فلسفة الأحتجاجات) السلمية ، هو تعبير عن رؤية ووعي وطني وحضاري للتغيير والإصلاح الحقيقي لأوضاع العراق واستبعاد استخدام السلام والحرب الأهلية التي إذا وقعت فستهدم الهيكل على الجميع وعلى رأس العراق وشعبه . إن خروج ملايين العراقيات والعراقيين ومن كل الفئات العمرية ومن مختلف الانتماءات السياسية والفكرية والدينية والمذهبية أنما هو ، رغم كل ما يحصل لهم ، تعبير عن الأصرار الشديد على سلمية .. وسلمية الاحتجاجات !