لوبيات حكومية مسيطرة تحاول إبقاء الاقتصاد الهش وتقاوم محاولات تطويره

Saturday 7th of March 2020 09:28:50 PM ,
العدد : 4626
الصفحة : سياسية ,

 متابعة/ المدى

مطلع تشرين الاول الماضي، برزت عربات الـ"توك توك" جزءاً أساسياً من المشهد، بحيث تمكّنت من التملص بمهارة من القيود التي تفرضها قوى الأمن، وأمّنت الدعم اللوجستي للمحتجّين.

تحوّلت إلى سيارة إسعاف منقذة للأرواح، تمرّ عبر الحشود لنقل المتظاهرين المصابين إلى المستشفيات. الامر الذي دفع عددا كبيرا من المحتجين لتسمية هذه العربة برمز الـ"الثورة".

وبحسب مصادر محلية تحدثت لمركز كارنيغي للشرق الاوسط، فان سائقي الـ"توك توك" نالوا في الأشهر الأربعة الماضية حرية التنقّل في المناطق الواقعة وسط بغداد، بعدما كانوا ممنوعين.

ويقول المركز: "من الأسباب التي ساهمت في تنامي الدور الذي تؤدّيه التوك توك، أن هذه العربة هي من نتاج الصراع الذي تخوضه فئة مهمّشة في المجتمع العراقي من خلال تحدّي الحدود والقيود التي يفرضها الوضع القائم السياسي والاجتماعي. وبهذا المعنى، إنها بمثابة صورة مستعارة عن الحركة الاحتجاجية التي أشعل الشباب شرارتها وأبقوها متّقدة، ومعظمهم من العاطلين عن العمل أو ممن يعانون من البطالة المقنّعة، أو من الطلاب الذين هم مشاريع عاطلين عن العمل. ولم يكن لدى سائقي عربات الـتوك توك ما يخسرونه عندما قرروا الانضمام إلى المتظاهرين، وقد ساهم قرارهم هذا في توسيع مجال نشاطهم وتحسين مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية".

ويضيف المركز الدولي ان "الحركة الاحتجاجية تمثّل أيضاً النضال الذي يخوضه تحالفٌ من الأفراد والمجموعات الذين يريدون الحصول على الاعتراف وعلى حصة أكبر من الموارد المادّية والرمزية في العراق، ومن المساحات التي تسيطر عليها الفصائل الحاكمة والمجموعات الإسلامية". 

ويتابع المركز الدولي: "للحركة الاحتجاجية طبقات وأصوات متعددة تعكس أولويات مختلفة. فهي تتعلق، في نظر البعض، بالإصلاح الجوهري للمنظومة السياسية؛ ويرى فيها آخرون تحركاً داعِماً للعدالة الاجتماعية والاقتصادية أو رافِضاً للتشدد الإسلامي والقيم المحافظة المرتبطة به. حتى أن بعض الأشخاص يرون في الاحتجاجات فرصةً للتخلص من روتينهم اليومي والتسكّع مع الأصدقاء. ويعكس النزول إلى الشوارع وتنظيم التظاهرات التسييس المتزايد للشباب بقدر مايعكس فشل قنوات السلطة القائمة في تمثيلهم أو استيعابهم".

ويتابع "تقع في صلب هذا التحرك الاحتجاجي المطالبة الضمنية بتوزيع أفضل للسلطات والثروات. يمكن تحقيق ذلك من خلال تشكيل حكومة أفضل تمثيلاً ووضع حد لمنظومة المحاصصة حيث أصبحت الدولة بمثابة قالب جبنة تتقاسمه المجموعات السياسية وشبه العسكرية. ولذلك يطالب المحتجّون بانتخابات حرّة ونزيهة بموجب قانون يقطع الطريق أمام تجديد سيطرة الفصائل الحاكمة".

ويعتبر العراق دولة ريعية حيث تُشكّل العائدات النفطية نسبة 95 في المئة من الموازنة الحكومية. وقد فضح هبوط أسعار النفط في العام 2013 هشاشة البلاد على المستوى الاقتصادي، في حين تسبّبت كلفة الحرب على داعش إلى جانب النمو الديموغرافي بزيادة الضغوط على قاعدة الموارد الآخذة في التقلّص. 

ويقول مركز كارنيغي ان "هذه المشكلات تفاقمت بفعل إدارة الفصائل الحاكمة للإيرادات الوطنية بطريقة تطفّلية وغير منصفة، فضلاً عن إخفاقها في استنباط مصادر بديلة لتوليد رأس المال".

ويحصل نحو 6 ملايين عراقي، أي أكثر من 15 في المئة من السكان، على رواتب وتقاعد وتعويضات مالية من الدولة. وفي العام 2019 وصل مجموع هذه المستحقات إلى حوالى 52 مليار دولار من الموازنة البالغة قيمتها 111 مليار دولار حينها، والتي سجّلت عجزاً مرتفعاً يفوق 23 مليار دولار. أي ان 60 في المئة من الإيرادات الفعلية ذهبت على الرواتب والمعاشات التقاعدية وإذا أُضيف هذا المبلغ إلى نفقات "تشغيلية" أخرى، يبقى جزءٌ يسير فقط للإنفاق على الاستثمار والبنى التحتية. ويقول المركز الدولي انه تم "تخصيص قسم كبير من الاستثمار لتمويل المصالح التجارية المشبوهة للفصائل السياسية أو امتصّته أجهزة الدولة التي تعاني من فساد شديد".

بالمقابل يُشير خبراء اقتصاديون، وفقاً لتقديراتهم، إلى أن "نحو نصف العراقيين يحصلون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على رواتب وتقاعد او مكافآت من الدولة. ولكن مع زيادة أعداد السكان بواقع مليون نسمة تقريباً في السنة وتوافُد أكثر من نصف مليون طالب وظيفة جديد إلى سوق العمل سنوياً، فإن الآلية المشوبة بالخلل المعتمدة في توزيع الثروات من خلال الرواتب والمعاشات التقاعدية والمحسوبيات والفساد تعجز عن الحفاظ على درجة معقولة من التوازن الاجتماعي والسياسي".

وكشف تقرير صدر مؤخراً عن وزارة التخطيط أن نسبة الفقر مرتفعة جداً في المدن الجنوبية حيث تكررت الاحتجاجات – وتصل هذه النسبة إلى 44 في المئة في ذي قار، و52 في المئة في المثنى.

ويوضح المركز الدولي: "تزداد أعداد العراقيين الذين تخلّت عنهم المنظومة الحالية؛ وعدد كبير من الخرّيجين الشباب الذين كانوا يتوقعون الحصول على وظيفة آمنة في القطاع العام وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل أو مرغمين على العمل في القطاع غير النظامي حيث الأمان معدوم والرواتب متدنّية، وربما يعملون سائقي توك توك".

واضاف مركز كارنيغي "تعاملت الحكومة مع هذه المشكلة من خلال إطلاق وعود بتعيين مزيد من طالبي الوظائف في القطاع العام، إلى جانب القمع الأمني للمحتجين. ولم تشرح ما الآلية التي تتيح تسديد رواتبهم من دون زيادة العجز واستنزاف موارد الدولة الآخذة أصلاً في التناقص. ولم تحدد ماذا يمكن أن يحدث عند انضمام مزيد من الشباب إلى سوق العمل في السنوات القليلة المقبلة".

ويقول خبير اقتصادي عراقي رفض الكشف عن اسمه، ان "الفصائل الحاكمة هي اللوبي الأكبر في البلاد تقاوم أي إصلاح جوهري من شأنه إلحاق الضرر بمصالحها".

لذلك يقول مركز كارنيغي، انه "يمكن النظر إلى الحركة الاحتجاجية على أنها شكل من أشكال المساومة بين تحالف المحتجين والقوى التي تفيد من بقاء المنظومة الحالية على حالها. ومن غير المرجّح أن ينتهي ذلك بإلحاق أحد الفريقَين هزيمة كاملة بالفريق الآخر. بل أغلب الظن أنه سيؤدّي إلى فترة طويلة من غياب الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فالوضع الراهن غير مستدام ولم يتبلور أي بديل واضح".