خطوات مشاركة البيشمركة بتأمين المناطق المتنازع عليها تجري ببطء

Wednesday 8th of July 2020 09:12:21 PM ,
العدد : 4718 (نسخة الكترونية)
الصفحة : سياسية ,

 بغداد/ المدى

تنوي الحكومة اجراء تغييرات عسكرية في المناطق التي تعرف في الدستور بـ"المتنازع عليها"، بعد تحذيرات من استغلال داعش نقاط الفراغ في تلك المواقع. لكن هذه الخطوات تجري ببطء وحذر شديدين، بسبب الخلافات القومية والحسابات السياسية والمكاسب التي تحققت هناك قبل 3 سنوات.

وسيطرت القوات الاتحادية اواخر 2017، على كل المناطق التي كانت تحت حماية قوات "البيشمركة"، واعادت القوات الكردية الى الخط الازرق او حدود عام 2003، وهو خط عرض 36.

وبعد اندلاع انتفاضة 1991، حدد قرار مجلس الامن الدولي رقم 688 "الخط الارزق" كمنطقة أمنية تشمل محافظات دهوك وأربيل والسليمانية، يمنع دخولها من قبل الجيش السابق.

بالمقابل يبلغ طول الشريط الذي يحدد المناطق المتنازع عليها بنحو 1000 كم، ويمتد من خانقين الى سد الموصل، مما يجعل قضية تأمينه صعبة للغاية بدون مشاركة "البيشمركة"، بحسب معنيين في الشأن الامني. وتقدمت القوات الكردية على الخط أكثر من مرة خلال 14 عاما، بعضها كان بطلب من أطراف عراقية ودولية. وكانت بغداد قد اتفقت، في إحدى المرات على بقاء البيشمركة في مناطق قرب الموصل في 2016، بحسب مسؤولين كرد. وبعد استفتاء استقلال كردستان، في ايلول 2017، طالبت الحكومة الاتحادية قوات البيشمركة بالعودة الى حدود ما قبل 10 حزيران 2014. لكن بعد عملية الانتشار في محافظة كركوك، عادت الحكومة لتتحدث عن ضرورة العودة لحدود 19 آذار 2003. وأبرمت بغداد وأربيل اتفاقا، نهاية عام 2016، لتنسيق عملية تحرير الموصل بين القوات الاتحادية والبيشمركة. وقاتل الطرفان لأول مرة منذ بداية عمليات التحرير جنبًا الى جنب عام 2016، وقال الامين العام لوزارة البيشمركة الفريق جبار ياور لـ(المدى): "لم يكن هناك اتفاق مكتوب أو موقع من جهات رسمية حول ما سيجري بعد استعادة الاراضي المحتلة من داعش". وأضاف ياور "كانت هناك خرائط فقط، وتنسيق عن أماكن انتشار قوات البيشمركة والقوات العراقية". وتابع "كما لا يوجد اتفاق شفوي على أن تعود المناطق التي تُحرر بعد مدينة الموصل الى السلطة الاتحادية".

وانتشرت القوات الاتحادية في نهاية تشرين الاول 2016 في كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى على ضوء اتفاق لاحق، أبرم بين البيشمركة والقيادة العسكرية الاتحادية.

انتشار الفوضى 

وبعد عام من تلك العمليات، تحولت المناطق المتنازع عليها وخاصة كركوك، الى الفوضى التي تمثلت في ارتفاع معدلات الجريمة وعودة السيطرات الوهمية لأول مرة في العراق منذ القضاء على "القاعدة" والمليشيات في 2008.

ويقول شوان الداودي النائب السابق عن كركوك لـ(المدى)، انه في العام الاول من عملية إعادة الانتشار "نزح 30 ألف كردي، وتعرض آخرون الى مضايقات من القوات الامنية". بعد أقل من شهرين من انتشار القوات الاتحادية في كركوك، ظهرت مجموعة مسلحة جديدة في مناطق جنوبي المحافظة عرفت باسم "أصحاب الرايات البيضاء". استخدمت تلك المجموعة أساليب شبيهة بأساليب "داعش" لكنها لم تقم بعمليات تفجير أو إرسال انتحاريين.

وزاد ظهور تلك المجموعة بذلك التوقيت الاوضاع في كركوك سوءًا. وصارت الطرق السريعة أسيرة بيد المسلحين بعد غروب الشمس. كما قتل واختطف عشرات المسافرين على تلك الطرق بسبب حواجز أمنية وهمية. وفشلت القوات الامنية بعدة حملات عسكرية في السيطرة على الوضع، وقالت أطراف شيعية في كركوك إن الحكومة في بغداد ارتكبت خطأ كبيرا حين أبعدت الملف الامني عن الكرد وجاءت بقوات غريبة عن المنطقة.

وكان هناك اتفاق قد أبرم بين هادي العامري رئيس تحالف البناء الآن، والجنرال الايراني قاسم سليماني (قتل مطلع العام الحالي في غارة اميركية قرب مطار بغداد)، بحسب مسؤولين شيعة، على ان يعود الكرد للمشاركة في حكم كركوك بعد عملية الانتشار، وهو ما لم يحدث حتى الآن. وظلت عمليات الخطف والقتل مستمرة في محيط كركوك، حتى إطلاق حملة "ثأر الشهداء" في تموز 2018، التي كانت رد فعل على إعدام "داعش" 6 عراقيين كان قد اختطفهم في الطريق السريع الرابط بين بغداد وكركوك. وقُسمت أطراف كركوك الى قطعات وتراجعت الى حد كبير عمليات القتل، لكن التفجيرات في داخل المدينة كانت مستمرة، وفي كل مرة تُشنُّ حملات مداهمة ضد الكرد بحسب المسؤولين هناك. بالمقابل تمدد العرب في كركوك على السلطات الإدارية والوظائف كما يقول نجاة حسين العضو التركماني في المدينة لـ(المدى)، مستغلين وجود المحافظ بالوكالة والنائب الحالي راكان سعيد الجبوري، وهو عربي من الحويجة. وتكررت السرقات في كركوك في وضح النهار، فيما يُتهم المحافظ الذي يقوم بتخصيص المبالغ المالية بشكل فردي بسبب غياب مجلس المحافظة (حلت المجالس بقرار من البرلمان)، بالاهتمام بالمناطق العربية على حساب المناطق التي يعيش فيها الكرد والتركمان.

داعش يتسلل إلى الثغرات 

في الشهرين الماضيين، شن تنظيم داعش نحو 250 هجوما -اغلبها في المناطق المتنازع عليها- في اعنف هجمات منذ اعلان بغداد تحرير البلاد من التنظيم قبل اكثر من عامين. مؤخرا، حذر التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن الأوضاع الأمنية بالعراق، ومن المخاطر التي يمثلها تنظيم داعش في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.

وأكد التقرير ان "تنظيم داعش يواصل استغلال غياب التنسيق الأمني بين القوات الأمنية الاتحادية، وقوات البيشمركة"، في تنفيذ هجمات في مناطق شمالي محافظة ديالى و"جبال قرجوغ".

وحاولت بريطانيا والولايات المتحدة خلال العامين الماضيين، اعادة احياء الغرفة الامنية المشتركة بين القوات الاتحادية و"البيشمركة" للسيطرة على الاوضاع في تلك المناطق.

ويقول شوان الداودي النائب السابق عن كركوك "هناك اتفاق سابق بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية قبل 2014 يقضي بإنشاء إدارة أمنية مشتركة بين الجيش وقوات التحالف والبيشمركة، تدعم واشنطن فكرة إحيائه مجددا".

وفي بداية الاسبوع الحالي، ثار غضب التركمان والعرب في كركوك وفي المدن الاخرى ضمن "المتنازع عليها"، بعد انباء عن اعادة انتشار "البيشمركة"، رغم نفي الحكومة الاتحادية ذلك.

وقال مصدر امني قريب من العمليات المشتركة لـ(المدى) انه "بسبب الهجمات المتكررة على تلك المناطق، بدأ الطرفان يحاولان اجراء تغييرات في اساليب العمل العسكري". واكد المصدر ان "الطرفان (الاتحادية والبيشمركة) سيقومان بعمليات عسكرية مشتركة في المناطق المتنازع عليها". من جهته، قال مسؤول مركز تنظيمات كركوك للاتحاد الوطني الكردستاني محمد عثمان، ان هناك اجتماعات قريبة بين بغداد واربيل لانشاء "مركزين رئيسين للعمليات واربعة مراكز عمليات تنسيق في كل من كركوك والموصل ومخمور وخانقين". واضاف عثمان في تصريحات صحفية، "سيعمل في تلك المراكز 15 ضابطا كرديا، حيث يكون واحدا من تلك المراكز في قاعدة (كي وان) العسكرية في كركوك للعمل على ملء الفراغ الامني الموجود بين الطرفين".

وأعلنت قيادة العمليات المشتركة، عن ان المفاوضات بينها وبين وزارة البيشمركة ناقشت "القضايا الميدانية التي تخص مناطق الحدود الفاصل، بين حرس الاقليم والقوات الاتحادية على طول الخط الفاصل، وكذلك الثغرات والفراغات الامنية التي استغلت من قبل المجاميع الارهابية". واضافت القيادة في بيان يوم الاثنين الماضي، أنه "لم تجر مناقشة أي موضوع يخص عودة البيشمركة إلى كركوك أو مناطق أخرى كما روجت لها إحدى الجهات السياسية".