العمود الثامن: جريمة المرأة وجريمة الوطن

Monday 19th of October 2020 08:57:54 PM ,
العدد : 4793
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

 علي حسين

لم أستطع مشاهدة صور جثة أحد الطفلين اللذين ألقتهما أمهما في نهر دجلة إلى النهاية ، كنت حزينًا، وأنا أرى كيف تحولنا إلى وحوش، وكيف نجيد فنون القتل والحرق والذبح.

طرق ووسائل نادرة ومبتكرة من الهمجية وغياب الإنسانية، سيقول البعض إن ما فعلته هذه المرأة جريمة بحق الإنسانية، وهذا أمر لا خلاف عليه، لكن سنقول، ياسادة، هل أن هذا المشهد يبدو اليوم غريبا ؟.. منذ عقود وهذا الشعب المغلوب على أمره تحول إلى آلة حاسبة تعد كل يوم عدد القتلى والمغيبين والمهاجرين إلى المجهول.. طبعًا لا يمكن حساب عدد الذين يسيرون حفاة ومعدمين. 

بالأمس امتلأت صفحات الفيسبوك وتويتر بحكايات عن هذ المرأة وجريمتها البشعة، والبعض نصب نفسه قاضيًا، لكن هذا البعض لم يسأل نفسه: كيف يعيش ملايين الفقراء في زمن يبلغ فيه راتب النائب "المجاهد" أكثر من ثلاثين مليون دينار؟ ليعرف جيدًا أن القسوة لم تنبت من فراغ، إنها مثل ظواهر كثيرة أفرزها مجتمعنا المليء، بحكايات الفقر والموت والتنكيل بالنساء .

كل ما حدث ويحدث من جرائم غريبة في هذه البلاد ، ومن انهيار لقيم الحياة، هو صناعة سياسية خالصة، فبأيدي ساستنا الأشاوس كتبت أسوأ صفحات في تاريخ هذه البلاد ، الكل يصرخ "افقروهم " ، الكل مشغول بابتكار وسائل جديدة للسرقة، لكن لغة الساسة واحدة: الحرق لكل من نختلف معهم.

من أوصلنا إلى مشهد " الام التي ترمي اطفالها في النهر " وقبله مشاهد حرق النساء ، وانتحار الشباب ، مشاهد تجري وسط صمت المسؤولين الذي رأوا فينا أقوامًا خارجة على الملّة.. موهمين البسطاء أن طريق الجنة مفروش للذين يكرهون الحياة ، وأن الفقر مفتاح الإيمان.

نُقتل باسم الاصلاح، وتسرق اموال الارامل واليتامى وسط تهليل وتكبير لقادة هذه البلاد ، ثم يخرج نوابنا الافاضل على الفضائيات يتحدثون عن المؤامرة الصهيونية، ويشتمون أميركا ، وينسون انهم حولوا هذه البلاد الى وطن للمعوزين والفقراء ، فيما يدور الجدل هل نعلن الافلاس ، ام ننتظر ان تتعطف علينا دول العالم ؟ ، والمعركة التي يخوضها ساستنا الاشاوس ، ليست حول احوال الناس وسعادتهم وعيشتهم ، بل حول المنافذ والمقاولات والمشاريع ، ومن اجل هذه المناصب، لا بسبب انهيار القيم ، وغياب الرحمة شاهدنا هذه المراة تفرط باعز ما عندها في الحياة ، في الوقت الذي لا يكف فيه محمد الكربولي من تذكيرنا ان الذي الموظف الذي يطالب براتبه عليه ان يجلس في البيت ، فلا اموال بعد ان حصدت عائلة الكربولي مئات الملايين بخطابات انتهازية ، فيما لا احد يجرؤ أن يسال السيد المالكي اين ذهبت ميزانيات ثمانية سنوات عجاف ؟ .