نقص الوقود يعطل نصف العمليات العسكرية فـي صـحـراء الأنبــار

Tuesday 10th of November 2020 07:53:42 PM ,
العدد : 4808
الصفحة : سياسية ,

 بغداد/ تميم الحسن

بمرور الذكرى السنوية الأولى لمقتل زعيم داعش أبو بكر البغدادي، دشن التنظيم خطة جديدة تستهدف المتعاونين مع الحكومة من أبناء الطائفة السُنية.

واختطف وقتل التنظيم نحو 17 شخصاً من المتعاونين مع الجهات الحكومية والأمنية مؤخراً.

ويعتمد مسلحو داعش على شبكة من المصادر داخل الأجهزة الأمنية الرسمية، لتحديد المستهدفين، كما تزوده (المصادر) بمعلومات قبل تنفيذ الحملات الأمنية.

بالمقابل، تعجز الجهات الأمنية في حماية مصادرها، كما تسبب شح الوقود في تعطيل نحو نصف العمليات العسكرية المنفذة في المناطق الصحراوية والنائية.

وفي نهاية الشهر الماضي (تشرين الأول) تحدثت مصادر أمنية عن تصاعد هجمات داعش في المدن المحررة، تزامناً مع الذكرى السنوية لمقتل البغدادي.

وفي 27 تشرين الأول 2019، قتل البغدادي بغارة أميركية على شمالي سوريا، بعد سنوات من اختفائه عن الأنظار.

وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في ذكرى مقتل زعيم التنظيم، إن تنظيم داعش "لا يزال يشكل تهديداً"، فيما سيواصل التحالف الدولي عمله لهزيمته.

وظل البغدادي لفترة طويلة هدفاً للقوات الأميركية وقوات أمنية أخرى في المنطقة حتى بعد استعادة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم.

وذاع صيت "الدولة الإسلامية" أو دولة الخلافة التي أعلنها البغدادي في حزيران 2014 بعد سيطرتها على نحو ثلث مساحة العراق، وجزء من الأراضي السورية.

وأدت ضربات جوية أميركية إلى مقتل معظم قيادات البغدادي بما فيهم أبو عمر الشيشاني، وأبو مسلم التركماني، وأبو علي الأنباري، وأبو سياف، وكذلك أبو محمد العدناني المتحدث باسم التنظيم.

إهدار دم "المرتدين"

وتشير المصادر الى أن داعش بدأ تنفيذ خطة جديدة ضد العشائر السُنية التي تتعاون مع القوات الأمنية أو الحكومة بشكل عام.

ويطلق التنظيم اسم "المرتدين" على الأشخاص الذين يتعاملون مع الحكومة في المناطق المحررة، في إشارة الى تراجعهم عن المذهب السُني لصالح الشيعي الذي تمثله الحكومة بحسب وجهة نظر المسلحين.

ويقول مصدر أمني في الأنبار لـ(المدى) إن "داعش اقتحم مساء الاثنين قرية ناظرة (20 كم شمال الرطبة) واختطاف 4 أشخاص من القرية اثنين منهم أشقاء".

ويتهم التنظيم المختطفين، بالتعاون مع القوات الحكومية. وأضاف المصدر : "أمس أُطلق 3 من المختطفين وبقي واحد فقط".

وأخضع التنظيم المختطفين الى التحقيق. وبحسب المصدر أن "داعش ربما أفرج عن الثلاثة بعد التأكد من عدم ارتباطهم بأي عمل مع الحكومة".

وبدأت الجهات الأمنية تستعين ــ عقب عمليات التحرير ــ بعدد من القرويين ورعاة الغنم في الكشف عن حركة المسلحين في المناطق النائية والصحراوية.

وأخفى داعش المختطفين، بحسب ما نقله المصدر، في مخبأ تحت الأرض قبل أن يطلق سراحهم.

ويتوقع المصدر، أن التنظيم يمتلك العشرات من المواقع المخفية تحت الأرض، التي تستخدم كزنازين مؤقتة، وتضم أرزاقاً ووقوداً ودراجات نارية أيضاً.

بعد هجوم الرضوانية

وجرى الحادث الأخير بعد يوم واحد من مهاجمة مجموعة يتوقع أنها تابعة لتنظيم داعش، برجاً للحراسة تديره الصحوات في الرضوانية غربي بغداد، ما تسبب بمقتل 11 شخصاً واختطاف 2 وجرح 3 آخرين.

والصحوات هي وحدات أمنية محلية شُكلت في عام 2007 في المناطق الساخنة في شمال وجنوب بغداد، وحظيت في ذلك الوقت بدعم أميركي.

وورثت هذه الوحدات عداوة الجماعات الدينية المتشددة، حيث قاتلت لعدة سنوات تنظيم القاعدة الذي سلّم الراية بعد ذلك داعش.

وتستعين القوات الأمنية بالجماعات المحلية بسبب اتساع المناطق الصحراوية كما يحدث في الأنبار، حيث لا يمكن السيطرة على تلك المناطق بدون مساعدة الأهالي.

ورغم ذلك، يقول المصدر الأمني إن "الأجهزة الامنية تعمل بطرق تقليدية ولم تستطع حتى الآن حماية تلك المصادر".

وفي بداية العام الماضي، بدأت الأجهزة الاستخباراتية بتوظيف رعاة الغنم في الأنبار للحصول على معلومات.

البرنامج الجديد للاستفادة من رعاة الغنم، تضمن إعطاء الأخيرين مبالغ مالية وأجهزة اتصالات (ثريا) لضمان الحصول على اتصالات في الصحراء، حيث لا توجد تغطية لشبكات الموبايل الاعتيادية.

وحقق البرنامج نجاحاً في عدد من العمليات، لكنه بالمقابل يواجه مشكلة اخرى تتعلق باختراق داعش لبعض الأجهزة الأمنية وإنكشاف بعض المصادر المُجندة.

وأعلن تنظيم داعش الخميس الماضي، إعدام مهندس كان قد اختطفه قبل أسبوع في الطريق السريع بقضاء الرطبة.

ونشرت مواقع الكترونية مقربة من التنظيم، خبراً مفاده أن التنظيم أعدم المهندس عامر جدعان الفهداوي الذي تم اختطافه قبل أسبوع شرق الرطبة.

لكن بحسب المصادر أن المهندس، كان يعمل ضمن أحد الألوية التابعة للحشد العشائري في الأنبار، وهو السبب الرئيس في استهدافه من قبل التنظيم.

وفي 25 أيلول 2020، اختطف الفهداوي، وهو يعمل لدى منظمة الأمم المتحدة البرنامج الإنمائي (UNDP) في إحدى الجسور المتضررة 50 كم شرق قضاء الرطبة غربي مدينة الرمادي.

وكان المهندس، قد عاد للعمل في الجسر بعد أن توقف العمل به لعدة سنوات. ولم يخبر القطعات الأمنية عن مكان تواجده ساعة الحادث ما عرضه للاختطاف، بحسب ما قالته المصادر هناك.

فرق السرعة !

بالتزامن مع ذلك أعلنت العمليات المشتركة، أمس، إطلاق حملة عسكرية في الرطبة، لكن المصدر الأمني يقول إن "أغلب تلك الحملات تكون مكشوفة".

وتتحرك الآليات العسكرية في تلك الحملات ببطء، فيما المعلومة تصل الى التنظيم الذي يمكن أن يتحرك في الصحراء بسرعة تفوق الـ100 كم في الساعة، حيث يمتلك سيارات دفع رباعي حديثة والطريق أمامها مفتوحة.

كما يقول المصدر الأمني، إن أغلب الحملات العسكرية "تؤجل بسبب قلة الوقود المجهزة للآليات"، حيث تجهز وزارة الدفاع القطعات المتوقفة في بغداد أو مدن أخرى بنفس الكمية في الأنبار، التي صحراؤها تمثل ثُلث مساحة العراق.

وتقطع تلك الآليات، بحسب المصدر، في كل حملة عسكرية مسافة 100 كم كحد أدنى و450 كم كحد أعلى، وتستهلك شهرياً 60 ألف لتر بين كاز وبنزين، وتكلف 30 مليون دينار شهرياً .

وتابع المصدر أن "قلة الوقود تعطل على الأقل نصف العمليات العسكرية، حيث تتحرك القطعات بشكل محدود للحفاظ على الكميات الموجودة.

وبدلاً من الحملات التقليدية، تقوم أجهزة أخرى بعمليات نوعية، حيث نفَّذ جهاز مكافحة الإرهاب في أيلول الماضي، عملية إنزال في الرطبة أسفرت عن قتلِ عنصرٍ من التنظيم، هو الممولُ الرئيسُ لمعسكرات داعش هناك.

ويقول أبو حردان، وهو اسم مستعار لأحد المسؤولين في الحشد العشائري في الأنبار لـ(المدى) إن "الدواعش لم يعودوا يرتدون الأزياء القندهارية أو الأفغانية التقليدية، بل صاروا يلبسون الغترة والدشاديش التي يرتديها أغلب سكان الأنبار حتى لا يثيرون الانتباه".

ولا يعرف بالتحديد عدد مسلحي التنظيم في الأنبار. ويضيف أبو حردان: "يتجولون بسيارات (بيك آب وتركتر وتناكر ماء). يصعب كشفهم"، مؤكداً حاجة مناطق المحافظة الى عمليات نوعية لاختراق تلك التنظيمات.

ويؤكد القيادي في الحشد الذي اخفي اسمه الصريح خوفاً من الاستهداف، أن "داعش يستهدف المتعاونين مع القوات الحكومية، وأحياناً يختطف تجاراً سعياً وراء الفدية"، حيث يعاني التنظيم من شُح التمويل بعد خسارة عمليات تهريب النفط.

ويهدد داعش نحو 50 قرية بين الرطبة والقائم، وهي مناطق حدودية، حيث تقع هذه القرى في نقاط بعيدة عن القوات الأمنية، فيما لا يسمح باعطاء السكان المحليين السلاح.

وعوضاً عن ذلك يؤكد عماد الدليمي قائممقام الرطبة، بأنه أرسل الى الحكومة عدة طلبات لتطويع أبناء المنطقة، خصوصاً مع وجود درجات شاغرة في بعض الوزارات الأمنية.

وتابع الدليمي في اتصال مع (المدى) أمس: "طلبنا تجنيد 500 عنصر من أهالي الرطبة على الحشد العشائري و2000 ضمن وزارة الدفاع، لكن استجابة الحكومة ضعيفة جداً".