لوك فيري يحلل أزمة كورونا :

Saturday 26th of December 2020 08:34:46 PM ,
العدد : 4839
الصفحة : ترجمة ,

 لايمكننا إنكار أننا نعيش اليوم في أزمة سلطة

 لأول مرة ، يتم وضع الحياة فوق الاقتصاد في المجتمعات الليبرالية

 الوحشية والكراهية هما ثمن التقدم الذي ندفعه اليوم

ترجمة : المدى

ربما سيكون الدرس الأهم الذي يمكننا استخلاصه من أزمة فايروس كورونا ، هو إنه ، ولأول مرة في تاريخ المجتمعات الليبرالية ، تم وضع الحياة فوق الاقتصاد ..هذا مايراه الفيلسوف الفرنسي لوك فيري الذي ولد عام 1952 ، وهو يحمل الدكتوراه في العلوم السياسية وشغل منصب وزير التربية والتعليم في فرنسا في عهد رئيس الوزراء جون بيير رافاران مابين 2002 و2004، وهي الفترة التي قاد خلالها نضالاً نشطاً ضد الأمّية ، كما أنه واحد من الفلاسفة الجدد الذين أحدثوا تحولاً عميقاً في الأوساط الفلسفية السائدة ، برموزها المعروفة أمثال جاك دريدا وجاك لاكان وجيل دولوز وميشيل فوكو، وقد تم ترجمة العديد من أعماله الى أربعين لغة ..وفي حوار أجرته معه صحيفة (لاسمين ) الفرنسية تحدث عن العديد من النقاط الهامة منها تلك الاخطاء الجسيمة التي ارتكبها الحكام عندما تساهلوا مع تطبيق الإجراءات الصحية مثل ارتداء القناع والتباعد الاجتماعي ومضاعفة الاختبارات بعد أن دفع الاحتجازالمنزلي البعض الى الجنون فقرروا تحدي تلك الإجراءات – حسب رأيه-..

*ستعود العديد من الدول الى فرض ارتداء القناع ، هل توافق على هذا الإجراء ؟

- القناع في الأماكن المغلقة ضروري إذا أردنا تجنب الموجة الثانية التي ستكون أكثر كارثية من الموجة الأولى. الآن ، من الواضح أن كل شيء يعتمد على مكان فرضه ، ففي الهواء الطلق ، عندما يتعلق الأمر بالمدن ، تصبح الحاجة إليه ماسة في شوارع المشاة الضيقة والمزدحمة كالأسواق ، ، لكن بالتأكيد ليس في أي مكان ، على سبيل المثال ليس في الحدائق الكبيرة أو الطرق الواسعة أو الشواطئ. على أي حال ، أنا أرفض التحديات المجنونة وأؤيد ما يوصي به الغالبية العظمى من العلماء.

*هل ستؤدي هذه الأزمة الصحية الى تفاقم العنف وانعدام الأمن في حالة رفض المواطنين الانصياع للقوانين ؟

-لاترتبط هذه الوحشية التي لا تطاق بالأزمة الصحية على وجه الخصوص ، وعلى الرغم من الغباء وعدم التحضر الذي يرافقها، ففي عام 2017 ، تم ارتكاب 631,283 عملية عنف بمتوسط 777هجوما يوميا ،ولاتزال النسبة تزداد سنويا بسبب أعمال كراهية وعدوانية كامنة ، إذ يمكن أن يصيب هذا العنف " غير المبرر " أي شخص في أي مكان ، ولكنه يمارس في المقام الأول ضد أي شخص يمثل سلطة ما مثل رئيس شركة ، أورجال الاطفاء ، وسائقي الحافلات. ، والمعلمين ، ولكن قبل كل شيء ضباط الشرطة ، كما رأينا في التجاوزات التي رافقت جميع التظاهرات منذ ثلاث سنوات..كيف نفسر ذلك اذن ؟ لا يمكن إنكار أننا نعيش اليوم في أزمة سلطة ، أزمة لم يكن لها مثيل في الماضي. في رأيي ، هذا هو تأثير اتجاه رئيسي وصفته لسنوات في كتبي ، وهو النتيجة النهائية لقرن كامل ، من وجهة نظر نقد القيم والسلطات التقليدية ، فقد قمنا مثلا بتفكيك كل القواعد التقليدية للفن الحديث ثم المعاصر ، أما بعيدًا عن المجال الفني ، فقد اهتزت لدينا القيم والأخلاق سواءً كنا متدينين أو علمانيين أو جمهوريين ..كان تفكيك التقاليد هذا في نهاية المطاف نتيجة لذلك "التدمير الخلاق" الذي أظهر شومبيتر أنه المنطق الأساسي للرأسمالية.. وهذا هو "ثمن التقدم" الذي ندفعه اليوم بانفجار بعض الوحشية والكراهية في أدنى فرصة. 

*هل تفهم هذا المجتمع الذي احترم الاحتجاز في البداية ثم تمرد عليه؟

-يقع قدر كبير من المسؤولية على الحكومة في عدم احترام القواعد ، ولكنها أيضًا مسؤولية بعض المثقفين أو الأشخاص الذين أدلوا بتصريحات تآمرية بالمعنى الدقيق للكلمة والتي عززت للأسف الحركات المناهضة للأقنعة...فعلى مدى اسابيع ، أخبرتنا الحكومة بقيادة جيروم سالومون وأوليفييه فيران أن الأقنعة غير مجدية تماماً ، بل وخطيرة..وفي الشهر التالي ، أوضحوا لنا أن هذه الأقنعة ضرورية ، ولا بد من ارتدائها. إنني أنقل هنا التصريحات السخيفة للمتحدث باسم الحكومة فكيف تتوقع أن لا يقتنع عدد من الأشخاص الضعفاء أو المختلين بأن القناع عديم الفائدة ، بل وخطير ، وأنه وسيلة لانتهاك حرياتنا؟ لقد عمل المفكر والفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين مثلاً على تصدير خطابه الذي يقول إن الدول استنفدت وسيلة الإرهاب كمبرر لاتخاذ تدابير استثنائية فعمدت الى اختراع وباء يمكن أن يقدم ذريعة مثالية لتنفيذ إجراءات قتل الحرية! أنا اعتبرهذا الخطاب في منتهى الغباء ، وقد نقله بعض المثقفين الفرنسيين على نطاق واسع بتغطية إعلامية قوية ،بل ذهبوا إلى حد الإشادة بشجاعته ووضوحه. انه أمر مروع!

*كوزير سابق للتربية ، كيف ترون بداية العام الدراسي؟ ، ماذا ستقول للأطفال وآبائهم ومعلميهم؟

-لفهم ما يجب القيام به في حالة حدوث موجة ثانية ، علينا أن ننظر إلى الخطأ الذي حدث في الموجة الأولى. وغني عن القول أنه كان علينا أن نكون قادرين على تطبيق القواعد الصحية الأساسية. صحة أطفالنا وأولياء أمورهم ومعلمينا غير قابلة للتفاوض. ولكن كان من الضروري أيضاً أن تكون الدولة قادرة على تلبية المبدأ الأساسي للمساواة الاجتماعية ، وبعبارة أخرى أن تضع نفسها في وضع يتيح لجميع الآباء الذين يرغبون في ذلك إمكانية وضع أطفالهم في المدرسة في ظروف مقبولة.

*هل علينا أن نتعلم كيف نعيش طويلاً مع الفايروس؟

- في حالة حدوث موجة ثانية ، سيكون ذلك ضرورياً بأي ثمن ، علينا تجنب الحجر المنزلي ، وهو أمر ممكن تماماً إذا وافق الناس على احترام التعليمات الصحية وارتداء الأقنعة.. إذا دخلنا في الحجر مرة أخرى ، فلن يتعافى الاقتصاد. سوف يرحب بذلك المناهضون للرأسمالية ، لكنه سينتج آلاف حالات الإفلاس ، وبالتالي مئات الآلاف من العاطلين عن العمل. وهذا هو السبب في أنه من الضروري أن نتعلم الآن احترام التدابير الصحية ، وهي التدابير التي تدعو جميع حكومات العالم تقريباً الى الالتزام بها ..