موسيقى الاحد: رباعية الحمد

Saturday 9th of January 2021 07:29:43 PM ,
العدد : 4847
الصفحة : عام ,

ثائر صالح

تكالبت الأمراض على بيتهوفن في سنواته الأخيرة، فعلاوة على مشاكل السمع التي أصابته مبكراً وتعاظمت حتى فقدانه الإحساس بالصوت، أصيب بأمراض كثيرة أفضت الى موته بالكبد في 1827.

ويبدو أن فقدان السمع مرتبط بمرض باجيت (التهاب العظم التشوهي osteitis deformans) الذي ضغط على العصب المسؤول عن السمع مما أدى الى ضعف سمعه منذ عمر الثامنة والعشرين حتى وصوله حالة الطرش الكامل وهو في الرابعة والأربعين من العمر. وكان صراعه مع الصمم سبب اصابته بالكآبة ومن ثم لجوئه الى الكحول مما أتلف كبده. فقدان حاسة السمع هو أكبر مصاب يصيب موسيقي عظيم مثل بيتهوفن، وكان حبه العميق للموسيقى سبباً في مقاومته العنيدة لهذه الحالة البائسة، إذ كانت أجمل الأعمال تتكون في دماغه فيخطها على الورق ليبدع رباعياته الوترية الأخيرة وسيمفونيته دون أن يسمعها. بذلك يتشابه بيتهوفن وموتسارت في طريقة تأليف الموسيقى ذهنياً، الأول مضطراً والثاني بسبب عبقريته النادرة.

اشتدت كآبته في 1825، فكان عصبياً متقلب المزاج فنفر منه أقرب أصدقائه وسببت الحالة له مشاكل كثيرة مع محيطه ومع الشرطة التي جلبت تصرفاته المرتبكة انتباهها. ثم أصيب بالتهاب الأمعاء فأمره الطبيب بالامتناع عن تناول القهوة والكحول وأرسله الى مصح المياه المعدنية الشهير في بادن. وهناك تحسنت صحته وتخلص من الآلام المعوية وخلال ذلك كتب الحركة الثالثة البطيئة الرائعة من الرباعية الوترية رقم 15 في لا الصغير (عمل رقم 132). وقد وصفها بأنها "صلاة يحمد فيها المريض الذي تعافى ربه، في المقام الليدي"، واشتهرت بالتعبير الألماني (Heiliger Dankgesang) وتعني حرفيا اغنية الشكر المقدس، بتعبير أدق الحمد للرب. 

استعمل بيتهوفن في الجزء الأول من الحركة السلم (المقام) الليدي وسلّمه يبدأ من درجة فا وهو يشبه سلم فا الكبير مع فارق استعمال نغمة سي بدل سي بيمول. يتألف الجزء الأول من سلسلة بطيئة من التتابع الهارموني شبهها البعض بذوبان الجليد، لكني اشبهها بأمواج هادئة منتظمة لبحيرة صافية المياه يوحيها التراكب المتتالي للأدوات، يليها جزء مرح أسرع قليلاً بسلم ره الكبير فيه الكثير من الزخارف بإيقاع ثلاثي مضاعف يقول لسان حاله "ها قد استعدت عافيتي" وهو الجزء الغنائي، ثم يعود المقام الليدي من جديد فيليه الجزء الغنائي المرح مرة ثانية حتى يختتم بأمواج المقام الليدي مرة ثالثة لتختتم هذه الحركة التي قد يصل طولها 20 دقيقة.

تعود هذه الرباعية إلى آخر مجموعة من رباعيات بيتهوفن، وهي مجموعة أهداها للكونت الروسي نيكولاي غاليتسين، وقدمت للمرة الأولى في فيينا في السادس من تشرين الثاني 1825، وألهمت بيلا بارتوك في صراعه مع مرض اللوكيميا عندما يشير اليها في الحركة البطيئة من كونشرتو البيانو رقم 3، وأشار اليها آرنولد شونبرغ في ثلاثيته الوترية (1946). لنستمع إلى هذا العمل الجميل في مطلع العام الجديد عله يعطينا القوة والأمل لتجاوز مرض الكورونا.