ما بين التشرينات الثلاثة: تشرين الاحتجاج وتشرين السياسة وتشرين الحكومة

Tuesday 19th of January 2021 10:25:17 PM ,
العدد : 4855
الصفحة : آراء وأفكار ,

 سليم سوزه

ثمة جدل يتصاعد في أوساط الشباب العراقي التشريني حول ضرورة التنظيم السياسي والدخول في الانتخابات المبكرة القادمة. ورغم أن الحكومة لم تحقق شيئاً من مطالبهم على الأرض، تلك التي تتعلق بسحب السلاح المنفلت وتأمين الأجواء الانتخابية وضمان تكافؤ الفرص لكل المرشحين، إلّا أن قرار المشاركة في الانتخابات، بالنهاية، هو قرار أولئك الشباب وحدهم، طالما هم الأقرب الى وقائع الأمور والأكثر دراية بطبيعة الظروف المحيطة بهم.

حراك تشرين ليس حدثاً، بل سياق لا يمكن اقتطاعه من سياق احتجاجي طويل بدأ في صيف عام ٢٠٠٩ أولاً، في التظاهرة التي سميت بتظاهرة الكهرباء حينها. ومنذ ذلك الوقت، تصاعدت ثقافة الاحتجاج في العراق وصارت التظاهرات تجتاح شوارع ومدن البلد كل عام تقريباً، وبمطالب سياسية جريئة، لا فقط خدمية. إذا كانت قد فشلت الاحتجاجات السابقة في تنظيم نفسها سياسياً وتحويل فعل الاحتجاج الى سياسة، تميزت "تشرين"، وبعد عام على اندلاعها، أنها في صدد تنظيم الغضب وتأطيره سياسياً عبر تأسيس حركات وأحزاب سياسية تنافس أحزاب القوى المهيمنة في الانتخابات القادمة.

الخشية من مشاركة شباب تشرين في الانتخابات أن يسبغوا شرعية أخلاقية على السلطة والنظام السياسي الذي عارضوه بقوة وثبات طوال الثلاثة عشر شهراً الماضية. حينها ستكون تشرين قد أصدرت شهادة شرعية جديدة للنظام السياسي قد تكون بمثابة شهادة وفاة لحراك الشارع برمته. بكلام آخر، تنهي تشرين أسباب وجودها وتفكك شروط حضورها الاحتجاجي عندما تضفي شرعيتها على السلطة الحالية وماكنتها الانتخابية القائمة. 

أَمَا لو عزم الشباب على الدخول الى الانتخابات، وهذا حقهم السياسي بالتأكيد، فثمة خشية أخرى من أن ينشطر حراك تشرين الانتخابي على نفسه وينتج عدة قوائم وحركات وأحزاب، وهو أمر صرنا نراه اليوم بصورة واضحة. هناك ما يقارب خمسة أو ستة تجمعات انتخابية تشرينية قد ظهرت الآن، وهذه تضعف تماسك الحركة انتخابياً وتشتتها أمام "المعسكر الآخر"، المعسكر الأكثر تنظيماً وخبرة في العملية السياسية والانتخابية، والأكثر نفوذاً وسيطرة على المال والإعلام والسلطة والسلاح.

ليس "المعسكر الآخر" فقط، بل الشباب الآن في منافسة شديدة مع "الجزء الحكومي" من تشرين أيضاً، أي قائمة "المرحلة"، القائمة التي تحاول مسك تفاحتين بيد واحدة، تفاحة السيد مقتدى الصدر وتفاحة تشرين نفسها. فهذه "القائمة الحكومية" غير قادرة على قطع خيط التواصل مع الصدر وتياره لأنها لا تريد خسارة دعم التيار لها في حال أراد "صاحبها" الترشح الى منصب رئاسة مجلس الوزراء مرة أخرى. وفي ذات الوقت، لا تغامر هذا القائمة بالابتعاد عن تشرين وخطابها لأنها بحاجة الى رمزيتها ودعمها مستقبلاً. الصدر وتشرين قد يشكّلان طوق النجاة لولاية "الصاحب" الثانية، إن فشل التيار الصدري في إيصال مرشحه الى منصب رئاسة مجلس الوزراء بعد الانتخابات.

ما بين هذه التشرينات الثلاثة، تشرين الاحتجاج (الطرف الذي مازال يراهن على الشارع ولا يقبل الدخول في الانتخابات) وتشرين السياسة (الطرف الذي يحاول تنظيم نفسه سياسياً) وتشرين الحكومة (الطرف الماسك بجزء من السلطة الآن)، مسافة قلق وثقة مفقودة قد تطيح بفكرة تشرين كلها، إذ لا تنتهي الاحتجاجات، أو الثورات والانتفاضات، إلّا عندما تبدأ لحظة الصراع على شرعية مَن يمثلها. الاحتجاج فعل جماعي غاضب وعاطفي، يوحّد المشاعر والاتجاهات في الشارع نحو هدفٍ أسمى وأكبر، لكنه عندما ينتقل الى السياسة والتنظيم، يتشظّى ويبدأ الصراع والتنافس على شرعية مَن يمثل ذلك الاحتجاج حقاً.

هذا حال كل الثورات والاحتجاجات في التاريخ، وثورة تشرين ليست بدعاً من ذلك. "تشرين" وإن كانت موحّدة على مشروعية فعل الاحتجاج، إلّا أنها اليوم مختلفة ومنقسمة على شرعية تمثيل ذلك الفعل سياسياً.