بعد 10 سنوات على انتفاضات الربيع العربي.. هل انتصر الواقع على الأحلام

Monday 22nd of February 2021 09:11:02 PM ,
العدد : 4880
الصفحة : ترجمة ,

ترجمة أحمد الزبيدي

في السابع عشر من كانون الأول قبل عشر سنوات ، قام بائع فواكه وخضار شاب يدعى محمد البوعزيزي بإضرام النار في نفسه خارج مقر المجلس البلدي لمدينة سيدي بوزيد التونسية ، احتجاجاً على قيام مسؤولي الشرطة المحليين بالاستيلاء على عربته ومصادرة بضاعته.

انتشرت قصة التصرف الصادم الذي قام به هذا الشاب البالغ من العمر 26 عاماً في أنحاء البلاد ، حيث وجد مئات الآلاف من الأشخاص الذين تعرضوا للإذلال أيضاً من قبل سلطات تلك الدولة المتداعية ومسؤوليها الشجاعة لرفع أصواتهم.

خلال الأيام الـثمانية عشر التي فصلت بين قيام البوعزيزي باشعال النيران في جسده في 17 كانون الأول 2010 ووفاته في 4 كانون الثاني 2011 ، اندلعت في تونس اضطرابات اجتماعية كانت الأكثر حدة منذ عقود ، مما أدى إلى ركوع حكومة الدكتاتور زين العابدين بن علي وإجباره في نهاية المطاف على التنازل عن السلطة بعد 10 أيام من وفاة بائع الفاكهة. ومع ذلك ، فقد تلت تلك الاضطرابات تغييرات واسعة النطاق حيث أثارت الأحداث في هذا البلد الساحلي الصغير احتجاجات في جميع أنحاء بلدان شمالي إفريقيا والشرق الأوسط ، و أصبحت قصة الموت الحزينة لذلك البائع المسكينن رمزاً للغضب الجماعي الذي شكل حقبة تاريخية فاصلة في حياة شعوب تلك المنطقة.

سرعان ما تحولت تلك الاحتجاجات إلى ثورات ، انتشرت في جميع الدول القمعية المنتشرة في المنطقة.وتبين فجأة أن الأنظمة الدكتاتورية التي تحكم مصر والبحرين واليمن وليبيا وسوريا ، و التي كان يعتقد أنها حقيقة ثابتة من حقائق الحياة اليومية لمواطنيها الذين عانوا طويلاً من تسلطها لم تكن سوى قشور خاوية. تردد صدى قصة البوعزيزي في كل ركن من أركان المنطقة فقد كان لا يكسب من عمله الشاق سوى ما يقرب من أربعة دولارات في اليوم لإطعام أسرة مكونة من ثمانية أفراد ، ورغم ذلك تعرض للإهانة والإذلال على يد موظفين غير محترمين. وسط المشاهد الرائعة للاحتجاجات الجماهيرية ذات الزخم الحقيقي ، بدا أن تقرير المصير لأبناء تلك الشعوب لم يعد بعيد المنال. و أن المشاركة في العملية الاحتجاجية ، مهما كانت صعبة أو دموية ، ممكنة رغم كل شيء.

كانت الحركة التي سرعان ما عُرفت باسم الربيع العربي بمثابة صدمة غير عادية ، حيث أزالت عقوداً من السبات وسلطت الضوء على قوة الشارع القابل للانفجار..

كانت الانتفاضات مدعومة بقدرة الناس على التنظيم بسرعة ، اعتماداً على أجهزة الهواتف الذكية وتطبيقات شبكة الانترنت التي يسهل الوصول إليها والتي هزمت بسهولة هياكل أمن الدولة. كانت التحديات قوية بشكل خاص لأنظمة حقبة ما بعد الاستعمار ، مثل مصر وليبيا ، وبعد ذلك سوريا.

بحلول عام 2010 ، أدى تضافر مجموعة من الظروف إلى زيادة صعوبة استمرار الوضع الراهن. فقد أدت الفجوات المتزايدة في مستويات المعيشة بين طبقات المجتمع ، وظهور نخبة حاكمة غير خاضعة للمساءلة ، وتنامي أعداد الشباب الغاضبين بشكل سريع في ظل تضاؤل فرص الحصول على العمل ، وغياب الحد الأدنى من العدالة ، إلى الاعتقاد بأنه ليس لديهم ما يخسرونه إذا ما قاموا بتنظيم الاحتجاجات.

وبحسب قول الدكتور إتش إيه هيليير ، كبير الباحثين في المعهد الملكي للخدمات البحثية فقد تم تصميم هذه الأنظمة للتحكم في مجموعة محددة من التركيبة السكانية. "بحلول عام 2010 ، كانت قد مضت سنوات عديدة على حكم هذه الأنظمة وسط انفجار سكاني كبير، وكانت تحاول بذل كل جهودها لمواكبة هذه التغييرات الديموغرافية من ناحية ، والتأكد من أن توزيع الثروة لا يزال مقصوراً على النخبة من ناحية أخرى. وقامت بدمج ذلك مع فكرة المقايضة الاستبدادية المستمرة التي كانت تقنع بها شعوبها- "لا تضغطوا من أجل الحريات السياسية ، لأننا نحميكم من الإرهاب" – والا فستواجهون الكارثة بكل معنى الكلمة ".

بحلول منتصف كانون الثاني ، كان حاكم تونس زين العابدين بن علي قد فر إلى المنفى في المملكة العربية السعودية ، وكانت شوارع مصر على وشك أن تنفجر في ثورة أطاحت بحكم حسني مبارك المستبد الذي استمرلأربعة عقود.وفي ليبيا بدأ حكم معمر القذافي الذي امتد لمدة 40 عاماً يتأرجح هو الآخر ، و كان الحال في سوريا مشابهاً ، حيث ترك حافظ الأسد لابنه بشار أقوى دولة بوليسية تدار بإحكام في المنطقة ،لكنه بدأ يواجه تهديداً حقيقياً مستداماً لحكم عائلته.

في جميع تلك الأنظمة الأربعة ، حجب المظهر الخارجي لوجود مؤسسات الدولة والدستور صاحب السلطة الحقيقي:سواء كان أسرة أو حزب أو جيش. وبينما كانت تتأرجح تلك الأنظمة ، كانت أجراس الخطر تدق في المملكة العربية السعودية وإيران ، اللتين كانتا تخافان من إطلاق العنان لقوة شعبيهما .

كانت نانسي عقيل ،وهي باحثة مصرية ، تنهي دراستها للدكتوراه في جامعة أكسفورد عندما بدأت مشاهد مئات الآلاف من المتظاهرين في شوارع ميدان التحرير بالقاهرة تظهر عبر شاشات العالم في 24 كانون الثاني2011.وهي تصف تلك اللحظات قائلة "كانت أختي تزورني . وقالت غدا ستكون هناك ثورة في مصر. كنت متشككة بالأمر ، لكنها كانت على حق ".

في غضون أسابيع ، سحب باراك أوباما دعمه لمبارك ، وقطع شريان الحياة عنه حيث كانت أميركا الداعم الرئيس للرئيس المصري واتخذ موقفاً حازماً الى جانب أولئك الذين شنوا حملة للإطاحة به. سقط مبارك وابتهج الشارع المصري. تكررت تلك المشاهد في مكان آخر. في سوريا وليبيا ، كان يُنظر إلى دعم الولايات المتحدة للمتظاهرين المناهضين للنظام المصري على أنه علامة على دعم ثوراتهم أيضاً. في غضون أسابيع ، تحولت الثورة الليبية إلى حرب أوسع ، حيث قدمت الدول العربية دعماً دبلوماسياً لتدخل عسكري لدعم المتمردين المناهضين للقذافي ، قادته فرنسا والمملكة المتحدة والدنمارك وبتأييد من واشنطن.

بحلول نهاية ذلك العام ، انزلقت سوريا أيضاً في الحرب ، حيث هاجم جيش الأسد المتظاهرين وبدأت قوات المعارضة في الاصطفاف ضده. وفي مقابلة للرئيس بشار الاسد مع شبكة تلفزيونية روسية في عام 2012 ، حذّر من أن "تكلفة الغزو الأجنبي لسوريا ، إذا حدث ، ستكون أكبر مما يمكن أن يتحمله العالم بأسره" ، مضيفاً أن عواقب إسقاط نظامه ستطال الجميع "من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ".

بعد ثماني سنوات ، لا يزال الأسد في السلطة وإن كان اسمياً ، حيث حازت كل من روسيا وإيران وتركيا على حصص مهمة في الصراع الذي دمّر منذ ذلك الحين جزءاً كبيراً من البلاد وأجبر نصف سكانها قبل الحرب على عبور الحدود أو النزوح داخلياً. كما عانت مصر من اضطرابات شهدت نهاية حكم مبارك ، واستبداله بالحكم الكارثي الذي لم يستمر طويلاً للرئيس الإسلامي محمد مرسي ، تلاه تظاهرات ضد حكم الإخوان مكنت الجيش من العودة للسلطة من جديد .

وتشير نانسي عقيل قائلة: "منذ أواخر عام 2011 ، رأينا إشارات الى حكم العسكر". "كان المهم بالنسبة لي هو أن الجيش كان دائماً يدير الأمور. عرفت ذلك منذ البداية عندما تحركت الدبابات إلى ميدان التحرير لدعم المظاهرات ، قال لي بعضهم "لا ، لا ، إنهم إلى جانبنا". لكني أعرف هؤلاء الناس ، أعرف كيف يديرون الأشياء.

"وطوال الوقت الذي كانت الأمور تتدهور فيها ، كان الغرب ، ولا سيما الولايات المتحدة ، يدعو الى التمسك بالوسائل الديمقراطية وأن كلا الجانبين يجب أن يمارسا ضبط النفس - كما لو كانت قواهم متساوية. كان فحوى الرسائل التي أرادوا ايصالها "لا تقلقوا ، عندما يكون هناك رئيس منتخب سينتهي كل شيء".

في سوريا ، التي لا تزال محطمة بعد ما يقرب من عقد من الاضطرابات ، يبدو الآن من الصعب التعرف على الإمكانات التي أطلقتها الأيام الأولى للثورة. أدخلت الحرب والثورات تلك المنطقة التي لم تتعافَ من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003.في دوامة الاضطرابات . بالنسبة للكثيرين ، يبدو سراب تقرير شعوب المنطقة لمصيرها بعيداً أكثر من أي وقت مضى.

تقول الكاتبة إيما سكاي التي خدمت في العراق كمستشارة سياسية للجنرال الأميركي ريموند توماس أوديرنو: "أدت حرب العراق وانتفاضات الربيع العربي إلى ظهور داعش ونشوب الحرب الأهلية السورية ، مما خلق أزمة اللاجئين في أوروبا ، التي ساهمت في صعود الحركات الشعبوية في الغرب وتصويت المملكة المتحدة على مغادرة الاتحاد الأوروبي". وتضيف. "إن استعادة السيطرة على حدودنا للحد من الهجرة كان الدافع الرئيس لبريكست. كما ساهمت حرب العراق في فقدان ثقة الجمهور في الخبراء والمؤسسة الحاكمة. لقد تحطمت انتصارات أمريكا بعد الحرب الباردة واحترقت في الشرق الأوسط. كانت حرب العراق هي المحفز. وكان عدم وقف إراقة الدماء في سوريا هو الدليل ".

يقول الباحث هيليير إن تلك الأنظمة لم تتعلم سوى بعض" الدروس وإن كان قسم منها خاطئاً" ، وقد رأت أن ليس أمامها سوى خيارين. "الأول هو الشروع بعملية الانفتاح ، بتمهل أو بسرعة ، والبدء في المهمة الطويلة والشاقة لبناء دول مستدامة في القرن الحادي والعشرين ، والتي تشمل توفير الأمن الشامل - والحقوق جزء من ذلك - لشعوبها.

والثاني هو أن الانفتاح قليلاً يعني أن الناس سوف يطردون النخب التي حكمت في فترة ما بعد الاستعمار. لذا ، لمنع حدوث ذلك ، ما عليها سوى زيادة السيطرة على شعوبها قدر الإمكان والقضاء على المعارضة ".

وتقول نانسي عقيل ، التي أمضت معظم السنوات الثماني الماضية في المنفى بعد اتهامها بارتكاب جرائم إرهابية بصفتها مديرة منظمة فريدوم هاوس لحقوق الإنسان ، إنه على الرغم من النكسات التي حصلت ، فإن كل ما كافحت من أجله كان "يستحق العناء تماماً".

وتضيف: "لقد حققنا بعض الانتصارات الصغيرة وما زلنا نخوض المعارك".. من أجل نيل حقوق الإنسان والديمقراطية ، يجب ألا نعتمد فقط على القادة السياسيين لتغيير الأمور. نحن بحاجة إلى القدرة على التحمل ونحتاج إلى وسائل مختلفة. هذا هو المكان الذي يحدث فيه التغيير الحقيقي.

عن الغارديان