صناعة الكتاب السينمائي.. بين التكاليف الباهظة وسوء التوزيع

Wednesday 31st of March 2021 10:21:52 PM ,
العدد : 4912
الصفحة : سينما ,

المحرر

إن صناعة الكتاب في العراق صناعة معقدة ومتشابكة، تتداخل فيها الكثير من الأطراف وتؤثر فيها الكثير من العوامل.

والكتاب السينمائي يعاني من نفس المشكلة، بل يزيد عليها بنوعية الموضوعات التي يتناولها، خاصة من القارئ العراقي الذي اجبرت الظروف التي يمر بها العراق على بعض القراء، الى الانصراف الى الكتب السياسية والاقتصادية. فما زال الكتاب كصناعة يعاني من قصور نظر من صناعه، ولا يُنظر إليه كما في العالم المتقدّم بوصفه صناعة قومية، ومن الواجب وضعه ضمن أولى الاهتمامات السّياسية و الستراتيجية، مثلها مثل التسليح أو الأمن الغذائي و غيرهما من الملفات الحسّاسة.

ورغم الانتعاش الواضح في السنوات الأخيرة شهدت حركة الكتاب بشكل عام والكتاب السينمائي في العراق انتعاشاً كبيراً وخصوصاً في مجال الكتب المترجمة.

المدى استطلعت أراء المهتمين بصناعة الكتاب السينمائي في العراق.

يقول مدير دار المدى للنشر إيهاب القيسي وهي أكبر دار نشر عراقية: ليس هناك فرق بالنسبة لأنواع من الكتب، التي تنتجها (المدى)، فالسياق هو الكتاب الذي يستحق النشر سواء كان سينمائياً أو أي نوع آخر من أنواع الكتب، ولكن بشكل عام الشروط هي نفسها بالنسبة لأي كتاب ننشره .. ولكن المشكلة في نوعية الكتاب السينمائي، فنحن بالمدى نختار العناوين التي تستهوي القارئ ومن ثم المتخصصين في مجال السينما؛ ويضيف أن أغلب الكتب السينمائية تعرض من قبل مؤلفيها للطبع في الدار ويتم البت بها، أما إذا كانت الكتب مترجمة ونحن بسبب السياقات المعتمدة في المدى يتم التأكد من حقوق الكتاب، وثانياً الاتفاق على أجر الترجمة وأشير أن (المدى) هي الدار الوحيدة التي تعتمد شراء حقوق التأليف والترجمة من المؤلف أو المترجم.

ولأن التسويق يشير القيسي واحد من الأسباب المهمة في نجاح الخطة الإنتاجية للدار، فنحن إضافة الى مكاتبنا التي تتوزع في عدد من العواصم العربية، فأننا أيضاً من المشاركين في كل المعارض العربية، وهذا سبب نجاح خططنا التسويقية .. فكتاب المدى ومنها الكتاب السينمائي المنشور في المدى، يحظى بالتسويق للبلدان العربية ومتوفر دائماً في المكتبات العربية.

فيما يرى ياسر عدنان مدير (دار عدنان للنشر): إن الطلب على الكتب بشكل عام وعلى الكتاب السينمائي والمسرحي أيضاً بشكل خاص متدنٍ بشكل كبير، ويرى أن السبب في ذلك يعود الى عدم وجود شريحة كبيرة من السينمائيين والمختصين بهذا الجانب، فأنا كصاحب دار نشر إذا خيروني بين الكتاب العلمي أو الفلسفي والتاريخي والسينمائي سأكون ميالاً إلى العلمي بالتأكيد بسبب الطلب في السوق بالإضافة إلى أن الجامعات المتخصصة بالجانب الفني مكتباتها فقيرة جداً ولا تطلب إصدارات فنية حديثة ابداً والدليل أن أغلب مكتبات الجامعات لم تُحدّث من عدة سنوات، ويشير الى أن دار عدنان الدار طبعت أكثر من كتاب سينمائي وفني لكن للأسف أصبحت حبيسة المخازن .

بينما يقول علي الطوكي مدير النشر في مكتبة (درابين الكتب) البغدادية : إن المشكلة التي نعاني منها هي عدم إمكانية الطبع في العراق لارتفاع أسعار الطبع والسبب معروف أن اصحاب المطابع يعانون من انقطاع الكهرباء والذين يحملهم مصاريف المولدات وأيضاً الضريبة التي تفرضها الدولة على الورق وأخيراً منع تصدير وتسويق الكتاب العراقي وخاصة الفني والسينمائي المطبوع في داخل العراق، ولهذا نضطر الى الطباعة في بيروت أو مصر وخزن الكتب هناك وتحميل مصاريف الشحن.

ويضيف الطوكي أن ما تحتاجه صناعة الكتاب هو وجود الناشر المثقف والذي يجيد اختيار الكتب ، فالكثير من دور النشر العراقية هي مجرد دكاكين تجارية باستثناء دور نشر مهمة مثل المدى والجمل وسطور والرافدين ونابو .. وأيضاً لأن بعض دور النشر تحاول استغلال المؤلفين وخاصة مؤلفي الكتب الفنية الى دفع أجور طبع الكتاب وشحنه ولهذا نجدها لا تدقق في نوعية الكتاب ما دامت هي تقبض أجور الطبع مقدماً ..

ويُجمع أغلب أصحاب دور النشر الى أن التوزيع هو الحلقة الأضعف في سلسلة النشر وربما يعد مسؤولاً عن مشاكل باقي الحلقات، إذ لا وجود لشبكات توزيع محترفة على المستوى المحلى (وطني) فما بالك على المستوى العربي، ولهذا الأمر أسبابه فقد انسحبت الدولة (القطاع العام) التي كانت تسيطر على شبكات التوزيع ولم تتمكن الشركات الخاصة الصغيرة من تغطية العجز يضاف إلى ذلك كله عدم وجود قوانين تحكم عملية التوزيع وتحفظ حقوق الناشر والموزع.

وكان لابد من المرور على المشتغلين في السينما لبيان رأيهم في ندرة الكتاب السينمائي في العراق، فالباحث مهدي عباس يرى أن صناعة الكتاب في الوقت الحاضر وخصوصاً الكتاب السينمائي تعاني من صعوبات عديدة وخاصة في مسألة النشر فالدوائر الفنية وخصوصاً السينمائية تعاني من إفلاس منذ سنوات، ولا تقوم بطبع أي كتاب سينمائي، ويشير أن له تجربة شخصية في هذا الموضوع مع إدارة هذه المؤسسة التي اعتذرت عن طبع سلسلة الكتب السنوية التي اعدها عن السينما، لعدم وجود تخصيص مادي أما إذا أرسلت كتابك الى (دار الشؤون الثقافية) وهي الدار الرسمية فاقرأ عليه السلام !، فعليك أن تنساه وتنتظر سنوات وإذا كان كتاباً من هذه السلسلة السينما العراقية فهذا يعني موت قيمة الكتاب الذي يجب أن يصدر في الوقت المحدد له، لذا لم يصدر في العراق سوى ستة كتب سينمائية طبعها مؤلفوها على حسابهم الخاص.

بينما يرى الناقد السينمائي عدنان حسين أحمد أن صناعة الكتاب السينمائي تتطلب الإلمام النظري بهذه الفنون القولية وغير القولية فلا غرابة أن ترى المُنجز في هذا المضمار ضئيلاً ويقتصر على مجموعة محدودة من النقّاد والباحثين السينمائيين، ويضيف أن المشاكل التي تواجه صناعة الكتاب السينمائي عديدة وأولها ضآلة عدد قرّاء الكتب السينمائية قياسًا بقرّاء الرواية والشعر والحقول المعرفية الأخرى التي تروّج لها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وتستضيفها معارض الكتب، وتقيم لها الدولة مسابقات كثيرة ومتنوعة بينما لم نسمع عن مسابقة للنقد السينمائي أو جائزة مخصصة للأبحاث السينمائية وعلى المعنيين في وزارة الثقافة أن يروّجوا بعض الجوائز لهذا النمط من الكتب والأبحاث السينمائية وأن يصبح الناقد أو الباحث السينمائي نجماً معروفاً لا يقلّ أهمية عن مُخرج الفيلم أو ممثله أو كاتب قصته السينمائية.

ويطرح الناقد عدنان حسين سبباً للإحجام عن طبع الكتاب السينمائي المتخصص حيث يقول: النقّاد يمكن أن يتذكّرهم القارئ جميعاً من دون أن ينسى أحدهم وذلك لقلّتهم وكثرة ظهورهم في الصفحات السينمائية للصحف والمجلات العراقية والعربية، أما الباحثون السينمائيون فهم أكثر عدداً، وأقلّ ظهوراً، فمجموعة النقّاد تُنتج كتباً سينمائية مقروءة لأنها خفيفة الظل، وهي في الأعم الأغلب، مراجعات وتحليلات لأفلام وظواهر سينمائية سهلة الهضم، فيما تلجأ المجموعة الثانية إلى إنتاج كتب سينمائية تنظيرية تستجيب لمتطلبات البحث العلمي ولكنها تستعصي على القارئ العادي الذي يبحث عن أشياء يسيرة وقابلة للفهم والاستيعاب.

الناقد والاكاديمي أحمد جبار يقول: إن المتتبع للثقافة السينمائية يتلمس شُح الإصدارات المتعلقة بنظريات فن الفيلم ، مقارنة بما تصدره دور النشر الحكومية ، و الأهلية من مصادر تعنى بآخر تحولات الفكر في العلوم الإنسانية ، و الفنون و الآداب المجاورة ، خاصة ونحن في عصر ازداد المنشغلين فيه بممكنات هذا الفن التعبيرية ، المسوغ الذي يطرحه الناشر محدود قراء الكتاب السينمائي مقارنة بجمهور الرواية ، أو جمهور النظرية الأدبية ، وما زال هذا المسوغ فاعلاً حتى بعد ازدياد عدد المعاهد و الجامعات التي تعنى بتعليم الفن السينمائي !. ويرى الناقد جبار: أن دور النشر التابعة للمؤسسة الرسمية للحكومة العراقية اقتصر نشرها على مدونات على مستوى عالٍ من الهشاشة ، باستثناء بعض المصادر القليلة التي كانت في الأساس رسائل ماجستير ، أو أطاريح دكتوراه ، وهذا ما لايمكن مقارنته بالجهد الترجمي الذي قامت به المؤسسة العامة للسينما التابعة لوزارة الثقافة السورية ، حيث قامت بطبع أمهات المصادر السينمائية التي أثرت المكتبة ، ورصنت الدرس الأكاديمي ، و غيرت من مسارات التفكير البحثي ، و لا يمكننا أن ننسى الدور الكبير لجهود المركز القومي للترجمة في مصر الذي قدم لنا أهم الموسوعات السينمائية التي جعلت الباحث العربي ينفتح على إعادة قراءة تأريخ السينما ، ونظرياتها ، و اتجاهاتها ، و أساليبها الفنية بوعي معاصر .