إلى أي مدى ساهم التعليم الالكتروني في هدم الجدار الأخلاقي بين الطالب والمعلم؟

Saturday 10th of April 2021 10:26:28 PM ,
العدد : 4919
الصفحة : تحقيقات ,

 تحقيق: نور علي

بعد أن فرضت جائحة كورونا أسلوباً تعليمياً غير مألوف في المؤسسات التعليمية والتربوية، ألا وهو التعليم الإلكتروني، بدأت الصورة النمطية للعلاقة بين الطالب والأستاذ وعلى الصعيد الأخلاقي تتغير بشكل مفاجئ وسريع.

فصورة الأستاذ ومكانته وهيبته لدى الطالب وهو في القاعة الدراسية تغيرت تغيراً جذرياً من خلال جهاز الموبايل أو الحاسوب، وأصبح يتحدث مع أستاذه بطريقة يشوبها الكثير من عدم الاحترام، وبدأت أساليبه في الاعتراض على طريقته في التدريس وطريقته في طرح الأسئلة تأخذ طابعاً فجاً تارةً وهزلياً تارةً أخرى.

أستاذ الرياضيات محمد عبد الحسن يقول لـ(المدى): إن «علاقتي بالطلاب تأثرت كثيراً في إطار التعليم الإلكتروني، فلم أعد أشعر بفوقية الأستاذ المبنية على الاحترام والإصغاء، فهذا النمط من التعليم، قد كسر الكثير من الحواجز بين الطالب والأستاذ، وأصبحت أشعر وكأنني وسط أصدقائي الذين ينتمون معي الى نفس الجيل».

وتشير تقديرات الكوادر التدريسية، إلى تراجع كبير في منسوب الاحترام بين الطالب واستاذه، ولم يعد الأمر يقتصر على الدراسات المتوسطة والثانوية، بل تعداه ليخترق أسوار المؤسسات الجامعية، في ظاهرة غير مسبوقة.

يتحدث لـ(المدى) أستاذ التاريخ في كلية التربية، محمد الخفاجي، قائلاً: في إحدى امتحانات الكورس الثاني وبعد أن قدمت الأسئلة من خلال منصات التعليم الإلكترونية، اعترضت إحدى الطالبات على طريقة صياغة الأسئلة بالقول: «ما تكلي وين لاكي هاي الأسئلة»، صدمت من رد الطالبة، ولكني اكتفيت بتقديم الإيضاحات عن تلك الأسئلة، ولم استنكر سؤالها، تجنبا للسجال، وما قد يجلبه من اختزال المسافة بيني وبين الطالبة بطريقة لا تليق بمكانتي العلمية.

أما علي الفتلاوي، أستاذ اللغة الإنكليزية، فقد روى موقفاً مشابهاً ولربما هو الأكثر غرابةً، حيث قال لـ(المدى): في الوقت الذي بذلت به جهداً كبيراً لإيصال المعلومة الى الطالب من خلال إحدى المحاضرات، بدأت اسمع جملة من التعليقات الهزلية لعدد من الطلاب والطالبات، من بينها، (مشيها يا معود هي خربانة) و(أستاذ عفت شغلي وأجيت للدرس ولو ما أقدرك ما أسويهة)، ويواصل قائلاً: إن المشكلة الأكبر لهذه التصرفات، لا تكمن في طريقة كلام هؤلاء الطلاب، بل في عدم استنكارها من قبل زملائهم الأخرين، بل العكس من ذلك بدأت علامات الابتسامة واضحة على وجوههم وطريقة كلامهم وهم يستلطفون هذه المواقف.

من جهته، يقول عضو لجنة التعليم النيابية، رياض المسعودي، في حديث لـ(المدى) إن: هناك خروقات وتجاوزات قد حدثت من خلال منصات التعليم الالكتروني، وهذا نتاج عدم تطبيق قانون العقوبات، رقم ١١١، لسنة ١٩٦٩الخاص في مثل هكذا تجاوزات من جهة، وعدم تشريع قانون الجرائم الإلكترونية من جهة أخرى، مضيفاً: نحن نعلم إن التعليم الإلكتروني في العراق هو وليد جائحة كورونا، وبالتالي فان العراق غير مهيئ لاستخدام هذه الوسائل بشكل سليم، كونه انتقل من مرحلة الدكتاتورية وافتقاده لحرية التعبير، الى الفضاء المفتوح أو الفضاء المنفلت لو صح التعبير، أضافة الى ضعف الرقابة، وساعدت هذه العوامل مجتمعةً أن يكون التعليم الإلكتروني غير مجدٍ في البلد.

ويوضح: إن العراق كان ينبغي أن يدخل في نظام التعليم الإلكتروني مبكرا، وتهيئة الطالب لهذا النظام العالمي رويداً رويداً، ولكنه دخل بشكل مفاجئ مما ساعد في خلق مشاكل كثيرة تخصه، مبيناً: نحن غير مؤهلين لمثل هذا النظام، ولكن أن تصل متأخراً، خيراً من أن لا تصل.

وكشف المسعودي: سجلنا عشرات الآلاف من الخروقات خلال هذه المنصات الإلكترونية منها ما هو لفظي، ومنها ما هو صوري، والنتيجة هي عدم قدرة هذا التعليم للوصول إلى نتائج إيجابية، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك دور فاعل لوزارة الداخلية، وهيئة الأعلام والاتصالات، ومنظمات المجتمع المدني في التعامل في مثل هكذا خروقات والحد من سوء استخدام التعليم الالكتروني

وواصل المسعودي حديثه قائلاً، لدينا الآن ١٤ مليون طالب في العراق، وهم يمثلون ما لا يقل عن ٦٠% من مجموع المجتمع، وهي فئة كبيرة جداً، كان لابد من وضع خطط وستراتيجيات وبرامج حقيقية، لتحسين وإصلاح واقع التعليم الإلكتروني، ليكون داعما للتعليم الحضوري، وزاد بالقول، إن الطالب العراقي لا يمتلك ثقافة استخدام أجهزة الموبايل، بالإضافة الى عدم وجود رقابة على استخدامها، مما جعل منها أدوات إساءة للكادر التدريسي.

واسترسل بالقول: يجب استخدام برامج حصرية، بدلاً من استخدام هذه المنصات الالكترونية المعروفة، كأقراص الـ (سي دي) وبإمكان الطالب اقتنائها، لتلافي إساءة استخدام أجهزة الهاتف، وكذلك تلافياً لجميع المشاكل الأخرى، من ضعف شبكة الانترنت، وعدم توفر الطاقة الكهربائية، وغيرها الكثير.

إن رفض مثل هذه الظواهر لم يقتصر على التدريسيين والجهات الحكومية، بل إن دائرة الاستنكار قد امتدت لتشمل الكثير من الطلبة أنفسهم.

ويكمل المسعودي قائلاً: «هناك حالة غريبة من التمرد وعدم الاحترام تشوب العلاقة بين الطالب والأستاذ، ونحن نطالب الجهات المعنية وذات الشأن بسن قوانين صارمة تحدد أطر العلاقة بين الطرفين أي بين الطالب والأستاذ، بحيث لا تسمح انطلاقاً للطالب بتجاوز حدوده».

ويقول أبو علي ، ولي أمر احد الطلاب لـ(المدى): نطالب الحكومة المركزية والحكومات المحلية أن تأخذ هذا الموضوع على محمل الجد، والتعاون معه باهتمام كبير، لأن انهيار سلطة الأستاذ إنْ حدثت في المستقبل القريب أو البعيد، فإنها ستؤدي تلقائياً الى انهيار مستوى الطالب العلمي ومستقبله بشكل عام.

من جهته، يقول التدريسي أبو بكر حسين إن «بعض القوانين التي سنتها الوزارة، تعطي للأسف قدسية للطالب من خلال منع الأساليب التأديبية المعتادة ضد الطالب المشاكس، وكذلك التربية السيئة من قبل أولياء الأمور وإعطائهم الحق في التجاوز على معلميهم.. وهذه الأمور حطّت من تقدير الطلاب للتدريسيين.

ويضيف: تعرضت لمضايقات كثيرة، من قبل إدارة المدرسة، لنشري في القناة الالكترونية للمادة المختصة فيها، أسماء وصور الطلاب المهملين، مبيناً أن تلك المسائل قللت كثيراً من احترام الكوادر التدريسية.

وتقول التدريسية في إحدى المدارس الثانوية، ريم فائق، لـ(المدى)، إن «التعليم عن بعد لا يحتاج الى ضوابط تقنية فقط، بل يحتاج الى ضوابط أخلاقية، بسبب عشعشة قيم السقوط الأخلاقي في المجتمع، فالطالب عندما يقوم بسب وشتم المعلم عبر المنصات الإلكترونية، ومن ثم يقوم بنشر ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، لغرض السخرية، ويتقبلها بعض جهلة المجتمع، فبهذا أردنا أن نستر عورة كورونا بالتعليم فعرتنا التكنولوجيا أخلاقياً».