على فكرة: دواوين أدونيس المتحولة

Monday 12th of April 2021 10:17:58 PM ,
العدد : 4921
الصفحة : الأعمدة , د. أحمد الزبيدي

 د. أحمد الزبيدي

لا أعني دواوينه الشعرية، أو ما كتَبَه شعراً، إنما أعني مختارته التي حملت اسم ( الديوان) وهي : ديوان الشعر العربي، وديوان النثر العربي ، وديوان الأساطير ، وعلى الرغم من أن الديوان الأخير تقدّم فيه اسم قاسم الشوّاف على أدونيس ، فهو مَنْ ترجمها إلى العربية ولكن اختيار العنوان والتقديم كان من قبل أدونيس، وهو المشروع الذي لم يكتمل بعد .. وابدأت رحلة أدونيس مع الدواوين منذ عام 1964 حتى عام 1996م.

من أهم ما يتفرّد به أدونيس عن الشعراء العرب أنه صاحب مشروع يسعى إلى الدفاع عنه : شعراً ونثراً ونقداً وثقافة وفكراً ومعرفةً.. ذلك المشروع الذي ابتدأ بعمله الكبير ( الثابت والمتحول ) حتى أصبحت ثنائية العنوان التضادية هي ثنائيّة وإشكاليّة فكرية اعتملت رحلتها على مساحة زمنية تجاوزت نصف القرن ، وابتدأت بالشـعر ( ديوان الشعر العربي ) لأنه، كما يرى أدونيس : (هو في الثقافة الأفق الأكثر رحابة والهواء الأكثر نقاوة، وعلى أنه التعبير الأجمل والأكمل عن الهوية) ومن ثم فقد أهمل الشعر الذي كان مقدماً في الصدارة والشعر الذي كان قائماً جوهرياً على البلاغة اللغوية .. الشعر الذي لا نقرأ فيه السلطة، بل الإنسان !

وحين أقبل على مفارقة جديدة ( ديوان النثر العربي ) فإنه توقف عند مقولة راسخة في مؤسساتنا العربية الثقافية، تتحكم بعقولنا وآرائنا وأحكامنا قليلاً أو كثيراً وهي مقولة : ( لا معنى لما يأتي من بعد، إلّا إذا كان مطابقاً لما قبل ) فكان ديوانه النثري تأكيداً على ضرورة الخروج عن إسار هذه المقولة إلى نقيضها الذي صاغه أدونيس : ( لا معنى لما يأتي من بعد، إذا كان مطابقاً لما كان من قبل ) ومن هنا فالنثر الصوفي، بشق الديوان الثاني، هو النثر المتحوّل ، غير المطابق لما كان من قبل.. المتحول عن الشق الأول من الديوان.. وأما إقباله على جمع الأساطير : السومرية والأكدية والآشورية تحت مظلة الديوان فلأنه أدرك الاهتمام الخاص والمفاجئ لدى العرب منذ سبعينيات القرن العشرين : كتّاباً وباحثين وقرّاء، بالأسطورة وهذا الاهتمام يسميه أدونيس بالانقلاب المعرفي والنظري ودليل نضج وتفتح.. إذن مصطلح الديوان قد رافق أدونيس : شعراً ونثراً وفكراً، وأقول : فكراً تجوّزاً معتبراً أن الأسطورة انعكاس فكري وثقافي بالنسبة إلينا كمتلقين مختلفين عن منابعها الأولى ولغتها الأصليةً .. ولنا أن نتساءل عن منهجية أدونيس في هذه الاختيارات والمغزى من الإصرار على ( الجمع ) بوصفه الثيمة الرئيسة لمصطلح ( الديوان )

إن المتتبّع لمشروع أدونيس يجد ثمة نسقاً فكريّاً وهاجساً أدونيسيّاً لا يفارقه، وبدأ حركته أكاديمياً ثم رافقه ثقافيا وإبداعياً ومعرفياً وهو أن في الثقافة العربية بمختلف اتجاهاتها وحقولها ثنائية متصارعة محتدمة، إنها ثنائية ( الثابت _ المتحول) ومنها تتولّد ثنائيات أخرى : السلطة_ المعارضة، القيد _ الحرية، الإتباع _ الإبداع .. ومن هذا المنطلق كان ديوان الشعر العربي جمعًا للشعر المتحوّل، الذي تمرّد على الثابت وهذا ما نستشفه من مقدمة الديوان الذي جاء على غير ما اعتاد عليه العقل الرتيب .. شعر الإنسان لا السلطة . الشعر المجسّد للقيم الانسانية الفردية وما صنعته الذات وليست التقاليد التي صنعتها القبيلة الجمعية .. وفي ديوان النثر العربي الذي جاء بأربعة أجزاء، نجده خصص الأول والثاني للنثر العربي العام : الملوك والقادة والخلفاء والولاة والأمراء.. والثالث والرابع للنثر الصوفي فقط! وكأنه يريد أن يقول أن النصف الأول من الديوان يمثل الثابت من الثقافة العربية والآخر المتحول عنها الذي ظُلِم كثيراً من قبل الثقافة المؤسساتية والسلطوية على مختلف الأصعدة والمستويات ومنها المؤسسة النقدية العربية إذ يرى أدونيس ( إن الشعر العربي ليس هو وحده الذي يجسد معنى الشعرية العربية، على نحو كامل ومغلق وإنما يشكل كثير من المنثور الأدبي جزءاً جوهريّاً من هذه الشعرية وإن في المنثور الصوفي شعراً لا يضاهيه إلا القليل مما نعرفه من الموزون ) إذن النثر الصوفي هو النثر المتحول والمتحرك فالتصوف ( حركة فنية إلى جانب إلى جانب كونه حركة معرفية ) ولعل دعوته التي يصرح بها دائماً ( إعادة قراءة التاريخ العربي وموروثه ) قد بدأت خطوتها الأدونيسية الأولى بمشروعه الأكاديمي الثابت والمتحول وتمثلت إجرائياً بمختاراته وما جمعه من شعر ونثر وفكر وثقافة ولعل سائلاً يسأل ما علاقة الأساطير السومرية ومشتقاتها بالثقافة العربية ؟ الأساطير التي جمعت بين دفّتي ديوانها تمثل مراحل تشكل الوعي الإنساني الممنهج وكيفية القراءة الإنسانية لظواهر الأشياء بمغامرة عقلية تتجرأ على الفهم ..إن ما يبحث عنه أدونيس هو ( الإنسان ) المتحوّل بغض النظر عن ( القومية الثابتة )