التعددية في مواجهة الأزمات العالمية ضرورة وليس خياراً

Monday 26th of April 2021 09:51:51 PM ,
العدد : 4931
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د. أحمد عبدالرزاق شكارة

مايواجهه العالم من أزمات عالمية حادة في معطياتها ، تطورات مساراتها ، إشكالاتها وفي التداعيات الناجمة عنها يستوجب من القيادة العراقية أن تنخرط سريعاً في منهج القيادة التعددية للمجتمع الدولي لأن المسألة لم تعد خياراً بل ضرورة حتمية ،

إن إجتماعات القمم العالمية للقوى الدولية السبعة G7 والقوى العشرين G20 في مواجهة الأزمات العالمية : أزمات الأرهاب على تنوع أشكالها ، مضامينها ومخاطر تجذرها في المجتمع الدولي ، التقلبات والتداعيات المناخية غير المتيقن منها الناجمة عن أزمة المناخ Climate Change، عدم المساواة والفقر Inequality and Poverty على إتساع الرقعة الجيوبولتيكية – الديموغرافية العالمية نابع عن عوامل متعددة على رأسها سوء إدارة الدول لإنظمتها ومؤسساتها السياسية وأخيراً أزمة Covid- -19 بكل تحورات نسخها فاقمت كثيراً من معاناة شعوب دول العالم وبخاصة الشرائح الاجتماعية الأكثر تعرضاً للمخاطر الوجودية Existential Risksما يستوجب حلولاً إبداعية.

إن التهيؤ المناسب ، الاستجابة السريعة الفاعلة والسعي الحثيث المبدع لإيجاد حلول علمية - عملية تقع ضمن مديات ستراتيجية قصيرة – متوسطة وطويلة أضحت نقاط أرتكاز ومحاور حيوية أساسية دمجت في أنماط التحركات الداينمية Dynamic Movements التي صاغتها وتعتمدها قيادات الدول المسؤولة عن حماية شعوبها ودولها بغية إيجاد حلولاً استثنائية Exceptional Solutions لإزمات أضحت أستثنائية Exceptional Crises تهدد بقاء البشرية.

من هنا، فإن تصاعد حدة الأزمات وتداخل وتقاطع مضامينها وأشكالها يخلق مناخاً مواتياً لإنطلاق عواصف كونية تخترق الكرة الأرضية وتهدد بقاء كل من عليها من الدول والشعوب تعرف بالتهديدات الوجودية Existential Threats ما يدعو لطرح حلول مجدية مستدامة Sustainable Solutions.

إن الاحتفال بيوم الأرض Earth Day العالمي يدعونا أفراداً ، شعوباً ، حكومات ومنظمات غير حكومية ومجتمعات مدنية على أختلاف أنواعها ومستويات تأثيراتها أن ندرك أننا جميعاً في مركب واحد ويالتالي عدم إمكانية إنعزال أية دولة - مهما تنامت قوتها وتأثيراتها في المجتمع الدولي عن منهج التعددية Multilateralism الذي لاغنى عنه لحماية الكون من مخاطر وتهديدات كونية لاتبقي ولا تذر ، ترتيباً على ذلك لابد للعراق وهو ينخرط بمواجهة التحديات الداخلية والخارجية المعقدة التي تتداخل ، تتقاطع وتتكامل مساراتها ومسارب أنتقالاتها أن تسعى قيادته “الوطنية” لحماية وتنمية المصالح المشتركة بين العراق ومختلف دول العالم. لعل كون العراق يقع في مفترق طرق جيوسياسي – إقتصادي حيوي يدعو القيادة السياسية أن تظهر أكبر قدر من الانفتاح على العالم الخارجي بصورة تمكن العراق من تنمية موارده البشرية والمادية الراهنة والكثير غير المستغل منها في ظل برنامج إستثماري طموح هدفه خدمة مصالح العراق أولاً إتساقاً مع تطوير وإبتكار أنواع من القدرات “الإمكانات” التي يزخر بها ولكنها غير مستغلة بعد نتيجة لتراكم سنوات الفساد والفشل الإداري – السياسي – الاقتصادي ، صورة تؤكد لنا ضرورة بل وحتمية التوجه نحو منهج التعددية الذي يسمح بإسهامات غنية متبادلة في نقل التجارب الإنسانية – الحضارية بين العراق والأمم الاخرى خاصة تلك التي لها باع في البناء الحضاري المستدام عبر الزمن .

ترتيباً على ذلك ، لابد من غرس مفاهيم وقيم إيجابية مبدعة في مناهج التعليم كي ترفدنا بقيادات سياسية نريدها حكيمة محنكة ذات ولاء للعراق ولتربته أولاً متسلحة بفكر تنويري إيقاظي مرن منفتح على تجربة العراق وتجارب الدول الأخرى بحلوها ومرها لإختيار الافضل منها. الشيء المهم في تقديري وهنا أؤيد ما ذهب إليه الدكتور إبراهيم بدران من توصيف وتحليل للواقع السياسي الراهن في كتابه القيم “عقول يحاصرها الضباب – أزمة التعليم في المجتمع العربي” حيث تنتشر أفكار بعضها منفتح وآخر منغلق بعيداً عن حالة التنوير وعن الولاء لدولة المواطنة التي يفترض أن تتيح فرصاً متكافئة للجميع ضمن معايير علمية وواقعية تعطي لكل ذي حق حقه وبعيداً عن توجهات فكرية متخلفة ومتعصبة لأفكار وتقاليد وقيم من الصعب القبول بها في عصرنا الراهن وبالتالي لاتؤسس لمستقبل نريده أن يكون حراً ، آمناً مزدهراً ومنتعشاً اقتصادياً ومجتمعياً – إنسانياً.

الرؤية الستراتيجية المطلوبة للفكر العراقي الحديث تفترض أن تحقق بعضاً مما أشار إليه الدكتور بدران من مفردات هدفها إنهاء للخلط الفكري والمسلكي في عالمنا العربي بين ما يلي :

أولاً : الخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم الوطن ومفهوم الأمة.

ثانياً: غياب الرؤية الحضارية للتاريخ والتعلق بالرؤية الثقافية النظرية.

ثالثاً: رفض التنوع داخل الجسد الواحد.

رابعاً: عدم القدرة على إدراك أمكانية خلق القوة من تكامل الأجزاء المختلفة.

خامساً: رفض حق المكونات المجتمعية المختلفة من التمتع بحقوقها التي هي ليست بالضرورة عامة في الجسم الكلي.

سادساً: عدم الاهتمام بالمسألة الديمقراطية إلى درجة الألغاء وإقصاء الاخر بالقوة.

الأمر الجوهري المؤثر على تشكل وبناء المنظومة الفكرية لقيادة النخبة السياسية تتمثل في مدى أهمية وإمكانية دمج البعد الحضاري – الانساني في المؤسسة التعليمية التي حتى وإن تم تناولها جزئيا فإنها لازالت غائبة جوهريا سواءً بمحاور المناهج الدراسية المعتمدة او في التطبيقات العملية لورش المحاكاة – Simulation التي يمكن أن حسنت النوايا أن تنتج قادة من نخب الساسة الذين يعرفون السياسة بقيمها الايجابية المنفتحة والمتعايشة مع الآخر ، بإنها قيام على الجماعة بما يصلح أودها وقوامها « سيد القوم خادمهم” ، قيادات تعتمد الحكمة والخبرة والرؤية الستراتيجية في بناء الدولة بما يقصي كل من لايعد مقبولا ضمن منطق اللادولة التي لاتعترف بالعلاقات الدولية القائمة على قواعد القانون الدولي العام او التي تستوحي نصوصها من روح القانون الإنساني الدولي الذي وبالضرورة يهتم بالظاهرة التعددية مفهوماً وسلوكاً ، أي آلية للتغيير المجتمعي – الاقتصادي – الانساني . ضمن هذا المنظور ، اتفق مع ما ورد من نقاط جوهرية في مقال للباحث عدنان أبو زيد عنوانه “ الفردانية في العلم والسياسة” حيث تناول مسار الواقع السياسي العربي - العراقي - ضمن إطار مقارن بين منظومة دول العالم النامي والاخر المتقدم ، حلوها اقل من مرارتها او مرها «في تقديري المتواضع». شواهدها الانسانية تدمي قلوبنا وآخرها ما حصل من حريق كان يمكن تلافيه في مستشفى أبن الخطيب ذهب ضحيته ضحايا بريئة من مصابي كورونا عرفوا ب”شهداء العراق” تصل اعدادهم للمئات بين شهيد وجريح .

إن افتقاد أساسيات إجراءات السلامة التي يفترض أن تخضع للمراجعة الدورية في المؤسسات العامة والخاصة والصحية منها بشكل خاص تعني وبشكل واضح إفتقاد روح ومضمون العمل الجماعي المهني الإداري – المتخصص . ما حتم على القيادة السياسية للسيد الكاظمي أنتهاج قرارات للتحقيق الجدي وللمحاسبة المشددة عن المتسببين لهذه الكارثة إلانسانية التي نؤمل أن لاتتكرر ، علماً بإن ما حصل هو مجرد مثال أو قطرة في بحر متلاطم من الأمواج السلبية العاتية التي سمتها الغالبة تراكم الفساد الاداري والفردانية في إدارة الشؤون العامة لسنوات طويلة ليس فقط في العراق بل في دول أخرى تعاني من ذات المستوى الضعيف أو المتدني من توفر الإمكانات أو «آليات” المناسبة لإنقاذ النفس البشرية رغم توفر أنظمة ديمقراطية عريقة لها مثل البرازيل والهند ، ما يدفعنا للقول بإن تنامي ظاهرة “الفردانية” بعيداً عن منهج التعددية يتوافق مع ضرورة الاهتمام المبدع وبمنظور أوسع معرفياً وعملياً وجيوسياسياً سمته ضرورة تنمية الثقة المتبادلة بين المواطنين وصناع القرار السياسي منعا لحالة التراجع للثقة القائمة بين الحكام والمواطنين ما يتطلب أدواراً فاعلة للمجتمع المدني وللمنظمات الدولية والاقليمية المتخصصة إضافة لدور إعلامي فاعل مؤثر يسلط الضوء على كل مناح وزوايا الفساد والجريمة وأفتقاد الامن . المعادلة التي ننتظر ترجمتها عملياً تعتمد على كمية ونوعية الجهد الجماعي في إنهاء أوضاع سلبية غرست جذورها في الخارطة الذهنية للدول النامية - العربية ومنها العراق قبل أن تغرس مؤسسياً، وهنا يصدق الباحث عدنان أبو زيد في ما نقتبسه من عبارة له في المقال المشار اليه آنفاً : « السياسي العربي بشكل عام منغلق ، ولايجيد الانفتاح على الجمهور، وهو غامض ومتنافر في نظر المواطنين ، على عكس السياسيين الغربيين الذين يمتازون بالبساطة في حياتهم اليومية ، ويجيدون العمل الجماعي”. من الأسباب الأخرى للظاهرة الفردانية “الأوضاع الأمنية والسياسية المتوترة والإرث الاجتماعي المتجذر”. بصورة جعلت العديد من دول المينا MENA - الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بضمنها تلك الدول التي شهدت ربيعاً عربياً تعاني من مآسي إنسانية وبعدا عن تطبيق المسار الديمقراطي الحقيقي لدول المواطنة التي يجب أن توفر الحقوق الاساسية المتكافئة في مقابل ما تطلبه من واجبات والتزامات مهنية – عملية وضميرية في خدمة المواطني لبلادهم دون شروط أو قيود ، ضمن هذا التصور أشار الكاتب جوشوا كورلانتزيك في مؤلفه “ الديمقراطية في تراجع” إلى مايلي من أسباب تؤدي لتراجع الاداء السياسي : “القراءة السطحية للكيفية التي تتطور من خلالها الديمقراطية ، فضلاً عن الغرور الذي لازم الحركات الاحتجاجية ، والانفرادية “. بمعنى من المعاني أن روح المقاومة والتصدي لما يرتكب من إجراءات سياسية غير مدروسة علمياً وعملياً أو لما يشرع من قوانين ( الكثير منها بحاجة للمراجعة الحقيقية بغية إعمال تغييرات دستورية – قانونية) مازالت بعيدة عن روح العدالة الاجتماعية - الإنسانية في ظل مناخ غير ديمقراطي «حقيقي» ، إن التخلص من حالة الدول القابلة للفشل تعرف ب”الهشة” Fragile States أو الفاشلة Failed States في أدائها لن يصل إلى نتائج إيجابية دون إعتماد نهج التعددية والعمل الجماعي ب»روح الفريق» الذي تتكامل حلقاته وتتجانس أهدافه . الامر الذي يحتاج منا جميعا افراداً ، شعوباً وحكومات التمتع بذهنية مبدعة - مرنة منفتحة على التغيير الايجابي والعمل الجماعي ليس خياراً بل وضرورة حتمية للبقاء وللتنمية الإنسانية معاً.