أحفاد سقراط.. غرام الفلسفة مع نفسها ومع الفلاسفة

Tuesday 11th of May 2021 09:55:14 PM ,
العدد : 4942 (نسخة الكترونية)
الصفحة : عام ,

د. رسول محمد رسول

كتب المؤلف العراقي "علي حسين" بعد صدور كتابه (أحفاد سقراط) ليقول: إن كتابي هذا هو "حصيلة شغف بالفلسفة،

وأُدين بالفضل فيه إلى مئات الكتب التي قرأتها وإلى عشرات كبار الكُتّاب الذين أخذوا بيدي في هذا الطريق والتي تجعل من قراءة الفلسفة متعة، وتحوّلها إلى حكايات ونظريات وأحاديث ومعارك كان الهدف منها نشر المعرفة وإرساء قيم العدالة وإشاعة المحبّة، وإعلاء شأن العقل".

كلام جميل هذا الذي ننقله عن المؤلِّف يجعلنا نسارع إلى الدخول نحو عوالم الكتاب بما يتكوّن من فصول؛ فهو يبدأ مع أرسطوطاليس ( 384 ق.م - 322 ق.م) ويتوقّف عند موريس ميرلوبونتي (1908 - 1961) وهؤلاء هم أحفاد سقراط (470 ق.م - 399 ق.م) وغيرهم الذين يعنيهم في عنوان كتابه.

الدهشة

الكتاب بكل فصلوله رحلة مع الأحفاد في غرامهم بالفلسفة التي يتمناها المؤلّف أن تكون ثقافة لدينا في عالمنا العربي، القاصة والمترجمة العراقية لطفية الدليمي تكتب تحت عنوان "الخال النبيل" لتأكيد بأن الخال هو المؤلف علي حسين، ثم مقدمة الكتاب التي جاءت إلى عنوان "أنا أندهش إذن أنا أتفلسف" وحكاية تأملات طاليس في العلو وسقوطه في الحفرة عندما كان يمشي متأملاً وهذا هو الاندهاش للفيلسوف الذي يتساءل عن فيما وراء الأشياء المنظورة وبذلك انتقل التفكير الفلسفي من الأسطورة إلى المنطق، ولا ينسى المؤلف تأصيل فلسفة طاليس في بلاد الرافدين في أحد مقولاتهم عن أن الماء أصل كل الأشياء أو "أن كل شيء كان بحراً"، ثم يعوّل المؤلف على فكرة الدهشة لدى آخرين، ويواصل متابعة آراء الفلاسفة في هذا المجال حتى يصل إلى القول: "إن الفلسفة مغامرة مدهشة" على حد تعبير كارل ياسبرز.

عن الرجل الذي أدخل الفلسفة إلى غرفة النوم، أي: سقراط، يتحدّث المؤلف في الفصل التالي، ويدخل إلى عوالم سقراط الذي أدخل الفلسفة إلى العوالم الإنسانية فكان أبو الفلسفة لأنه أصرّ أن تهبط الفلسفة من السماء إلى الأرض، ودعا الناس إلى التفكير في أنفسهم وأن يوقظوا أنفسهم، وأن يمارسوا السؤال ضمن الشك، وهكذا ارتبطت فلسفة سقراط بالناس والمجتمع.

أرسطوطاليس

يعود المؤلّف إلى أرسطوطاليس المهتم بكل شيء ويفضّل الحقيقة على أي صديق له، وما كان أرسطو بالفيلسوف التأملي على غرار أستاذه أفلاطون، ومن ثم يكتب عمّا كان يفعله سقراط في مجلس المعتصم؟ ويشير المؤلف إلى إعجاب الفيلسوف الكندي بسقراط الذي قال يوماً إن الحياة التي لا تُختبر لا تستحق أن تعاش! ويولي تفاصيل عن هذا الفيلسوف الريادي في الثقافة العربية حيث تعود صياغة الفلسفة العربية إليه على نحو باكر.

ومن الكندي العربي بالعراق إلى إيمانويل كانط الفيلسوف الألماني وحديث عن فكره وحياته وتحولاتهما بأسلوب رائق وصريح وهو الفيلسوف النظامي الدقيق وعلى نحو صارم حيث أشار إلى روحه النقدي الذي اتسمت به فلسفته حتى أنتجت الجوانب النقديّة التي تميز بها.

ومن ثم يبحث المؤلف في معطف هيجل الذي أنقذ الفلسفة من الضياع وهو عنوان ماتع يتحدّث فيه المؤلف عن ارتداء الفلاسفة للملابس ويقدم مقارنة لطيفة في هذا المجال جديدة في نوعها وهي التفاتة رائعة في مجالها، مع التركيز على معطف هيغل الذي ظل يرتديه في حياته العامة والفلسفية.

سبينوزا

ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن "صديقي المعجزة سبينوزا" وفيه يتناول مرور عدد من الفلاسفة على مؤلفاته قراءة وتأملاً حتى يتحدّث عن تجربته مع قراءة فلسفة سبينوزا والمكنة التي تحصلها منه، ثم ينتقل إلى الحديث عن معركة قبر كبير الوجوديين ليقارن بين الفلاسفة الوجوديين في تعريفاتهم للوجودية بحس كل منهم وفق مقارنات فيما بينهم.

يكتب المؤلف عن إنجلز يثأر لنفسه في مانشستر، ويبدأ المؤلّف حديثه مع كارل ماركس لكنه سرعان ما ينتقل إلى إنجلز وحديثه عن حياة هذا الفيلسوف الصعبة، ولقاء ماركس مع إنجلز بصداقة طيبة، وبناء رؤية مادية متطورة عبر "البيان الشيوعي" الذي أصبح وثيقة مهمة منهجية للشيوعية العلمية.

ويتناول المؤلف وتحت عنوان ديكارت يطارد أمير ميكيافلي حيث يبحث فيها المؤلف البعد السياسي عند ديكارت، خصوصاً أن ديكارت أرسى أسس حكومة أكثر عدلاً على تعبير دينس ديدرو، ويتحدّث المؤلف عن حيثيات فلسفة ديكارت بشيء من التفصيل معولاً على أفكار ميكيافيلي وتفصيلات ذلك ضمن علاقة ديكارت بفكره.

مونتاني

ينتقل إلى الفرنسي ميشيل دي مونتاني والبحث عن قيمة الحياة وعلاقة مونتاني بالحوار المتخيّل مع سقراط، وحديث مسهب عن مونتاني، وبالتالي ينتقل المؤلف للحديث عن مَن يريد أن يقرأ توماس هوبز؟ ويعترف المؤلف بأن هوبز صعب الأسلوب لكنه يعترف بأنه الأب الروحي لفكر العقد الاجتماعي، ثم يتحدث المؤلف عن حياة توماس هوبز تفصيلياً على نحو رائق، ويتوقف عند الفيلسوف جون لوك قدر تعلق الأمر بالدولة المدنية وتفصيل ماتع ومهم عنه ذلك ذاكرا ما كتبه فولتير لا يوجد عقل أكثر حكمة من جون لوك على مر التاريخ.

وحديث آخر عن هنري ديفيد ثورو تحت عنوان الحياة فيظل العصيان المدني، ومن ثم مقالة جميلة عن مونتسكيو ودليل المواطن إلى الإصلاح وحديث الفصل بين السلطات، ومقالة أخرى عن جون ملتون ورحلة البحث عن فردوسه المفقود، ومقالة أخرى ماتعة عن فتغنشتاين وحيرة الفلسفة، ومقالة تالية عن نيتشه بوصفه الفيلسوف أو عبوة الديناميت التي انفجرت في وجه الفلسفة، ومقالة عن فرنسا.. من برميل سارتر إلى ذاكرة برودل، وأخرى عن موريس ميرلوبونتي البحث عن وجودية كلها أمل، ومقالة عن رولان بارت، وأخرى عن كارل بوبر، وعن غاستون باشلار، وعن توماس كون، ومقالة عن جون رولز حول العدالة المنصفة، ويتساءل: هل أنت براغماتي يا عزيزي؟ ومن ثم يكتب الطريق إلى قراءة الفلسفة...

وبعد، لا أحد من الكتّاب الفلسفيين خارج المؤسسة الأكاديمية العراقية يكتب في الفلسفة مثل علي حسين فهنيئاً له هذا التوجه والمنجز فهو يقلب الفكرة الفلسفية برواق جميل، ويستخدم المصادر والمراجع والمداخل القرائية المتنوعة في صياغة أسلوبه وهي براعة فائقة لديه، وهو بذلك يتفوق على خريجي الأكاديمية الفلسفية العراقية فهاذا الكتاب بمنحاه الفلسفي إضمامة فلسفية راقية.