لماذا تتعمّد الحكومة إعلان فشلها؟ (الحظر الوبائي إنموذجاً)

Tuesday 11th of May 2021 10:00:22 PM ,
العدد : 4942 (نسخة الكترونية)
الصفحة : آراء وأفكار ,

سالم روضان

منذ أن ظهرت جائحة كورونا والحكومة تجتهد لإيجاد الوسائل في تقليل الإصابات قدر الإمكان في ضوء إمكانياتها الصحية والأمنية والإعلامية، ومن بين الوسائل التي اعتمدتها أسلوب الحظر الوبائي المتمثل بمنع التجوال العام في بعض الأيام والمنع الجزئي في أغلب الأيام وعلى وفق الصلاحية الممنوحة للحكومة بموجب قانون الصحة العامة رقم (89) لسنة 1981،

لكن رغم مرور عام على هذه الإجراءات من الضروري أن نراجعها ونقيّم أثارها ونتائجها، ونثير عدة أسئلة منها، هل حدّت من انتشار الوباء أو تقليل معدل الوفيات، وهل تمكنت أجهزة الدولة من تطبيق الحظر بالشكل الكامل مثلما حصل في سائر البلدان؟ الإجابة تكاد تكون بالنفي المطلق لأن في آخر الإحصائيات التي أعلنتها وزارة الصحة نجد أن العدد الكلي للإصابات المسجلة لدى دوائر الصحة بارتفاع مستمر، وكذلك معدل الإصابات اليومي في زيادة ملحوظة وعلى وفق النشرة الوبائية التي تعلنها وزارة الصحة بشكل يومي، لذلك لابد من عرض أثار تلك الإجراءات على الحياة العامة ونقارن بينها وبين النتائج المتحققة؟ وسيكون على وفق الآتي :

هل تمكنت الدولة من تطبيق الحظر بشكل كامل؟ لأن كل البيانات التي تصدر عن الجهات المخولة بإعلان الحظر تؤكد على أن الحظر يشمل حركة الأفراد والمركبات ومنع التجول في جميع المناطق، لكن ما لوحظ أن هذا الإجراء لم يطبق سواء على منع تجوال الإفراد أو حركة المركبات، وتعج وسائل الإعلام المرئية بصور التجمعات البشرية الكبيرة وبعضها مليونية، كما لوحظ حركة المركبات تسير بشكل كبير، ومراكز التجمعات البشرية تمارس أعمالها بشكل تام ودون أدنى التزام صحي سواء بالتباعد الاجتماعي أو توفير وسائل الوقاية، وأحياناً تكون مؤسسات الدولة هي المكان الذي يعج بتلك التجمعات وعلى مسمع ومرأى الأجهزة المكلفة بتطبيق الحظر، فضلاً، عن حرية التنقل بين المحافظات.

الدولة ليس لها وجود في بعض مناطق العراق ولم يتم الالتزام بتوجيهاتها مثال ذلك إقليم كردستان فانه لا يلتزم بقرارات وإجراءات الحكومة الاتحادية ومنها المتعلقة بمكافحة الوباء، بل تقوم سلطة الإقليم بالتعامل العكسي ومنها القرار الأخير المتعلق بحظر التجوال في فترة العيد فان الإقليم انفرد بقراره دون الالتزام بقرار الحكومة الاتحادية.

إن غلق المراكز التجارية في بعض المناطق أدى الى حرمان شريحة كبيرة من أصحاب الأرزاق من سعيهم لأرزاقهم وهم على الأغلب من شريحة الفقراء ويتأثر رزقهم بغلق محلاتهم أو بسطاتهم، مما فاقم الآثار الاقتصادية على هؤلاء وهم شريحة واسعة من الشعب، دون أي تعويض،

إن حظر التجوال أصبح بمثابة عطلة رسمية لدوائر الدولة دون أن يتم تطبيقه بالشكل الكامل، وإنما فقط في تعطيل مصالح الناس لآجال غير معلومة، ومنها المتعلق بالمحاكم حيث إن التعطيل يؤدي إلى تراكم الأعمال على الكادر القضائي والوظيفي وكذلك يؤدي إلى تكدس المراجعين في الأيام التي تكون أيام عمل.

ومن خلال ما تقدم ذكره فإن الحكومة لم تتمكن من تنفيذ وتطبيق قراراتها لمعالجة آثار جائحة كورونا، حيث لم يلتزم المواطنون بمنع التجوال سواء بتنقل الأفراد وتجمعهم أو بحركة المركبات، بل إنها أدت أحياناً إلى حصول احتكاك بين تجمعات من الأفراد وبين الأجهزة المكلفة بتطبيق قرار حظر التجوال مما أدى إلى التقليل من هيبة هذه الأجهزة حيث إنها عجزت عن منع الأفراد من التنقل راجلين أو بمركباتهم، وهذه من صور الفشل في تنفيذ القرارات، لذلك يظهر السؤال لماذا تتعمد الحكومة إلى تكرار تلك الإجراءات وتعلم إنها غير ذات أثر وغير قابلة للتنفيذ، لامتناع المواطن عن الالتزام بها، لأسباب تتعلق بمصادر رزقه الذي يحرم منه أثناء هذه الفترة مع سوء الأوضاع الاقتصادية، وعدم وجود تعويض لهم من الدولة التي ينخرها الفساد المالي والإداري، وهذا هو إعلان صريح من الحكومة عن فشلها في إدارة أزمة كورونا، لكن الغريب إنها لم تفكر بإيجاد بدائل تكون أكثر واقعية يتمكن المواطن من تطبيقها مع حفظ هيبة الأجهزة المكلفة بتطبيقه، وإنما لاحظنا إنها تعلن عن فشلها على لسان موظفيها أو من خلال الواقع الذي نتعايش معه يومياً، لأنه طالما ظهر لنا المتحدثون باسم الأجهزة الصحية بأن الغاية من الحظر هو قطع سلسلة انتقال الوباء، من خلال منع التجمعات، فهل راجعت تلك الأجهزة أثار تلك الإجراءات ؟ وهل فعلا ًنجحت في تطبيقها أو تحقيق أهدافها بقطع سلسلة العدوى والانتقال من خلال منع التجمعات؟ اعتقد أن تلك الإجراءات سوف لن تنجح إطلاقاً ليس بسبب عدم قدرة الأجهزة المكلفة على تطبيقها وحسب، وإنما لأن واقع الحال يمنع تطبيقها فالعراق يعاني من أزمة سكن حادة أدت إلى تكدس البشر في مناطق صغيرة لا يمكن فيها إجراء التباعد الاجتماعي أو منع التجمع، ومنها المناطق الشعبية مثل مدينة الثورة (مدينة الصدر حالياً) التي تضم ثلثي سكان العاصمة بغداد في رقعة جغرافية محدودة جداً، وغيرها من المناطق الأخرى، التي أصبحت عنواناً لفشل الحكومة في تنفيذ وتطبيق قراراتها المتعلقة بمكافحة كورونا وحتى في مجال مكافحة الجريمة والإرهاب والفساد المالي والإداري وغيرها، والإحصائيات التي تعلنها الحكومة عبر أجهزتها تؤكد وجهة النظر تلك، فضلاً عن حجم العمل القضائي وكم الدعاوى التي تنظرها وتعد من أعلى نسب الدعاوى في كل مناطق العراق، بل في تعليق لأحد المختصين بأن دعاوى الأحوال الشخصية في مدينة الثورة (مدينة الصدر حالياً) لوحدها سنوياً تكاد تعادل ما يكون في ثلاث مناطق استئنافية في العراق، ويبقى السؤال قائماً لماذا إذن تتعمّد الحكومة في إعلان فشلها؟ عسى أن نحصل على إجابة عملية تنعكس على الواقع الراهن وليس عبر الخطابات والشعارات والاستعراضات الإعلامية.

قاضٍ متقاعد