العمود الثامن: أوهام المذكرات

Tuesday 27th of July 2021 11:50:04 PM ,
العدد : 4990
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

 علي حسين

كان تشرشل قد حقّق النصر لبريطانيا وهزم هتلر في عقر داره، لكن الشعب رأى أن الرجل الذي قاد الحرب لا يمكنه أن يقودَ السلام، فقرر السياسي "البدين" أن يذهب بعيداً ليسطر مذكراته التي حصد بها جائزة نوبل للآداب، وعندما تسلمها قال إنها سخرية القدر أن أنافس المرحوم برنادشو! .

تمنيت أن يقرأ جميع الساسة العراقيين، من الذين قرروا أن يكتبوا مذكراتهم ، والتي ابتدأت بتجربتي للعلامة إبراهيم الجعفري ولم تنته طبعاً بموسوعة "سليم.. السيرة والمسيرة" التي أتحفنا بها سليم الجبوري.. وما بينهما من عنتريات الزبيدي ومنجزات الشهرستاني وعلوم عادل عبد المهدي.. والمواطن المشاغب من أمثالي بانتظار مذكرات "عالية نصيف" ، تمنيت على أصحاب هذه المذكرات أن يقرأوا مذكرات عدد من الساسة الذين صنعوا تاريخ بلادهم، ونستون تشرشل وشارل ديغول وصانع سنغافورة لي كوان، فسوف يتبين لهم بوضوح معنى الحكم، فقد كان لدى هؤلاء الساسة الفهم الحقيقي لمعنى الشعور الوطني،. ديغول فرنسا يكتب من متأملاً الآفاق الواسعة لفرنسا ، فيما تشرشل يعيد كتابة التاريخ ، ليسطر هذه الكلمات: "المتعصب هو شخص لا يريد أن يغير رأيه ولا يريد أن يغير الموضوع، أما الوفاقي فهو شخص يغذي تمساحاً آملاً أن يكون آخر من يأكله"، وللرجلين منذ ولادتهما موهبة التأليف ولم يشك أي منهما بالمصير الذي آل إليه، لقد تميز تشرشل بأسلوب ماهر في العبور من سجل إلى آخر.

تُكتب المذكرات عادة من أجل البوح بالحقيقة، وقد وضع كبير فلاسفة فرنسا جان جاك روسو مذكراته تحت عنوان "اعترافات" فيما أصر باقر جبر الزبيدي على أن يسير على خطى الجعفري فيضع عنوان "تجربتي" لمذكراته.. تاركاً لنا أن نتذكر ماذا كانت هذه التجربة؟ مات لي كوان بعد أن ترك لنا مذكرات بعنوان "من العالم الثالث إلى العالم الأول" وبها نقرأ عن تحول سنغافورة من جزيرة مهملة إلى بلاد تنافس كبرى الدول على المراكز الأولى في سعادة الإنسان، جاء الرجل النحيف من جزيرة غارقة في الأمراض والتخلف والعوز، طلب من الناس أن تعمل لا أن تهتف له ، وطبّق حكم القانون لا حكم دولة القانون، لم يفضل طائفة على أخرى رغم أن سنغافورة متعددة الطوائف والأعراق.

كان لي كوان يقول إن الصراحة وكشف الحقائق أمام الناس هي التي تبني بلادا قوية.. يحزننا ياسيدي السنغافوري العظيم أن نقول إن الحقيقة لدينا هي مجرد كذكرات كاذبة، ينشرونها بين البسطاء ليل نهار، نحن ياسيدي نعيش في ظل ساسة يفعلون أي شيء من أجل الفوز بقطعة من "كعكة" هذه البلاد.. ورحم الله الملا عبود الذي قال ذات يوم ساخراً:

حطوا علينا نوبجي " فنجان" ما يفهم حجي

أحمق ملعب سختجي أمعفص امقعمر قمعري