محمد توفيق: شركات القطاع الخاص الفنية هي التي تنهض بالسينما

Monday 13th of September 2021 10:44:47 PM ,
العدد : 5023
الصفحة : عام ,

يرى أن عمله مع المؤسسات السينمائية الفلسطينية أضاف الكثير لمسيرته السينمائية

حاوره: علاء المفرجي

ولد المخرج محمد توفيق في تلعفر شمال غرب العراق، وأنهى دراسته في اكاديمية الفنون الجميلة قسم (الاخراج والتمثيل) العام 1973

التحق بعدها بدورة سينمائية في مؤسسة السينما العراقية، كان من المفترض أن تستمر عاماً كاملاً، الا انها اختصرت الى ستة اشهر، حيث تم توزيع المتخرجين حسب اختصاصهم، وكان نصيبه في قسم الاخراج. حيث بدأت حياته العملية، فقد عمل كمخرج مساعد في عدد من الافلام الوثائقية، مع المخرج المبدع عبد الهادي الراوي، في الافلام، النهران، الرقص الشعبي في العراق، فيلم عن فيروز. مع المخرجين حسين أمين، وعلي العبيدي، انجز فيلمين باخراج مشترك، هما (حرب اوكتوبر، وصانعة الاجيال)، كان الفيلمان عبارة عن تمرين لهم، ليكمل بعد ذلك كل بانفراد مسيرته الاخراجية، وفي تلك الفترة ايضا، عمل مساعد مخرج لفيلمين روائيين، الاول (بيوت في ذلك الزقاق)، من اخراج قاسم حول، والثاني (الاسوار) للمخرج محمد شكري جميل. وقدم في ذات الوقت عدة مشاريع سيناريوهات لافلام وثائقية، موضوعاتها عن اغاني العمل، والتعليم الالزامي، وجدارية جواد سليم، الا ان هذه المشاريع لم تر النور لأسباب يعرفها الجميع حيث تعرض مع زوجته المونتيرة السينمائية جنين جواد الى الملاحقة من قبل النظام السابق بسبب توجهها اليساري، مما اضطرره لمغادرة البلد في تموز من العام 1978لتكون محطته الاولى بيروت، حيث بدأ عمله في اقسام ومؤسسات السينما الفلسطينية، ويعد محمد توفيق ثالث ثلاثة عراقيين أسهموا في تأسيس السينما الفلسطينية.

 

التقته المدى للحديث عن ابرز محطاته في السينما.

 حدثني عن طفولتك والاشارات التي قادت خطاك الى الصورة، ماهي مرجعياتك في النِشأة والطفولة؟

- كان عمري ما يقرب من اربعة اعوام حين تسلل الى عيني نور الشاشة، كان ذلك في ساحة عامة لاحدى المدارس الابتدائية الواقعة الى جوار قلعة تلعفر، شاهدنا جمع من الناس فيلما بالأسود والأبيض، أصبت في حينه بدهشة، تسمرت في مكاني، وعيني شاخصة على الشاشة، رغم مشاكسات بعض الاطفال، في تلك الليلة أصبت ب ( فيروس) عشق السينما، ورغم مرور عقود من الزمان، لا زال عشقي للسينما يؤرقني، اتبع خطاه بعين طازجة، وبقلب ملهوف يجري وراء عشيقته، والعشيقة اسير في منعرجات وطرق وعرة.

حين دشنت قاعة للسينما في مدينتي، كانت فرحتنا كبيرة بعض اصدقائي وانا، زدنا شغفا لمشاهدة ومتابعة ما ستعرضه هذه القاعة من الافلام، التي بهرتنا أنوارها، حين شاهدنا أول عرض سينمائي في قاعة مغلقة، بشروط عرض مريحة، ونحن جالسون على مصاطب خشبية، لاتسع القاعة فرحنا. وفي الوقت الذي بدأت تتوالى عروض افلام عربية وهندية وامريكية، خاصة افلام الكابوي وهرقل وطرزان، واحيانا بعض الافلام الايطالية والتركية، بقيت كل ليلة مرابطا امام باب قاعة السينما، وبدأنا صديقي وانا نجري تجارب مضنية لنعرض هذه الاشرطة على الحائط عبر بكرة خشبية مثبتة بصندوق من كرتون، وصادف في احدى المرات، أن احترقت الاشرطة، وشبت النيران في بيت صديقي، وتم اخمادها بمساعدة الجيران لقد خسرت ايضا سنة دراسية في السادس الابتدائي من وراء عشقي وشغفي للسينما

 

 عملت كمساعد مخرج في فيلمين يعتبران الاهم في السينما العراقية..هل تحدثنا عن هذه التجربة؟

- نعم عملت كمساعد مخرج في فيلمين روائيين كما اشرت سابقا، هما ( بيوت في ذلك الزقاق) للمخرج قاسم حول، وفيلم ( الاسوار) للمخرج محمد شكري جميل. وكانت التجربتان بالنسبة لنا كشباب نعمل في الاخراج، غاية في الأهمية، التجربتان وضعت خطواتنا على السكة، ولنقل المحطة الاولى بمسيرة طريق طويل وشائك، تعلمنا أدق التفاصيل والاسرار الفيلم الروائي، بدءأ من تفريغ السيناريو وتبويبه حسب المشاهد ومواقيت تصويرها، وكم عدد الممثلين الرئيسيين والثانويين والكومبارس ، وأحتياجات كل مشهد من الأكسسوارات والملابس وأمكنة وأزمنة التصوير. والجميل ايضا نتابع العمل من بدايته بإختيار اماكن التصوير، ونوعيتها وسبب إختيارها، والتعرف على نوعية الديكورات سواء الواقعية منها، أو التي سيتم بناؤها حسب رؤية المخرج بالتعاون مع الديكورست ومدير التصوير، وكذلك ساعدتنا التجربتان في كيفية تعامل المخرج مع الممثلين أمام الكاميرا وإدارتهم حسب متطلبات وضرورات التمثيل في السينما، الذي يختلف حتما عن التمثيل على المسرح، ونوعية وطبيعة الماكياج الذي تتطلبه كل شخصية، ونوعية الاضاءة ومصادرها حسب رؤية مدير التصوير بالاتفاق مع المخرج، وكذلك مواقع الكاميرا حسب كل لقطة ومشهد، وهل اللقطات يتم تصويرها بالكاميرا مثبتة على الحامل، ام تحريكها على السكة، أو على الكرين كما رسمها المخرج بالسيناريو التنفيذي، الذي يتم تنفيذه بشكل خلاق بالتعاون مع مدير التصوير وفريقه ومهندس الصوت بالتقاط انقى وأنظف صوت بتوزيع الميكروفونات وانواعها. والطبع لكون الفيلم الروائي يجمع فرقاء من العديد من الاختصاصات، وهذا ما يتيح المجال التعرف على طبيعة أعمالهم، ويتطلب الكثير من الصبر والاناة والمثابرة والاجتهاد ذلك لأنك تتعامل مع افراد ومجموعات مختلفة الامزجة..

 اكثر من اربعة عقود في سيرتك المهنية .. أخرجت افلاما وثائقية وقصيرة عديدة لكننا لم نشاهد لك فيلما روائيا طويلا.. هلا حدثتنا عن الاسباب، وهل لها علاقة بالمنفى؟

- في معرضي جوابي على سؤالك المهم، علي ان أنوه في البداية بأن رغم اهمية الفيلم الروائي باعتباره فن جماهيري بامتياز، إلا أن بالنسبة لي فأن الفيلم الوثائقي سواء اكان قصيرا، او طويلا والأفلام الروائية القصيرة والتجريبية لا تقل أهمية عن الأفلام الروائية الطويلة، وأحيانا تفوق بأهميتها الأفلام التجارية الخاوية من المضامين التي لا تتفاعل ولا تعالج الهم الانساني، ولا تحمل ايضا اي قيمة جمالية، ومن هنا يمكنني القول هناك أفلام قصيرة لا تتجاوز أطوالها دقائق معدودات فأنها افضل واكثر أهمية من أنواع الأفلام التي ذكرتها انفا، ولهذا من وجهة نظري الشخصية فان أهمية الأفلام لا تقاس بأطوالها ولا بنوعيتها، والأهم ماذا تقدم هذه الأفلام سواء كانت طويلة او قصيرة، بل يقاس بأهمية هذه الافلام بمضامينها الانسانية ومعالجاتها السينمائية المتفردة وقيمها الجمالية، ترى احيانا شجرة عالية يابسة لا فائدة منها، في حين تنبت تحتها زرعة قصيرة لها من الفوائد لا تحصى.

وبناء على سؤالك المهم لماذا لم أنجز فيلما روائيا حتى الان رغم مضي اكثر من أربعة عقود وأنا اشتغل في هذا الميدان ، سببه الاساس يعود إلى صعوبة الحصول على دعم وتمويل للسيناريوهات الاربعة التي انتهيت من كتابة بعضها من ثلاثة عقود مضت، وحاولت وسعيت للحصول على دعم وتمويل لها إلا أنني لم افلح إلا مرة واحدة الحصول على دعم لاحد افلامي، وفي حينه لظرف شخصي لم استطع المضي الى الشوط الاخير لتنفيذ هذا العمل، ولهذا نشرته في كتاب مع أثنين من السيناريوهات القصيرة ، وعادة كما هو معروف وسائد، فأن السيناريو يكتب لينفذ الى فيلم حتى يرى النور ويشاهده الجمهور، ونتيجة ظروفنا فأن الامر مختلف تماما، ليس وراءنا مؤسسات ولا شركات ولا إنسان ثري يغامر بماله ويتبنى مشروعنا بأيمان عميق انطلاقا من أهمية الفن بالنسبة له ودوره في الحياة، وكما تعلم ايضا أن في بلدنا ليس للفن والثقافة من قيمة الآن، ولا هناك ميزانيات كبيرة ترصد للشأن الفني والثقافي، ولهذا بالنسبة لبعض من يدير الشأن السياسي فأن وزارة الثقافة لا قيمة ولا لها أهمية بالنسبة لهؤلاء، لأنها ليست مرتعا للسرقات الكبرى كما الحال في الوزارات الاخرى كالنفط والتجارة والمال والدفاع، وان توقفنا قليلا عند تجربة بغداد عاصمة الثقافة العربية، في حينها صرفت الملايين للمشاريع السينمائية، ومعظم الافلام التي أنتجت لم تكن بالمستوى المطلوب ماعدا عدد قليل منها، والبعض لم ير النور حتى الآن، رغم مرور سنوات عديدة لهذه المناسبة، وكان من الممكن لهذه التجربة ان تعيد الاعتبار للسينما العراقية، إن سلمنا اصلا بان هناك سينما عراقية كما الحال في تركيا، أو ايران مثلا، حيث الافلام الايرانية والتركية اصبحت لها مكانة مرموقة في العالم، وحازت على جوائز عالمية في مهرجانات عالمية. وبناء على هدى هذه الخريطة التي رسمتها، فأن عوامل وأسباب كثيرة حالت دون انجاز السيناريوهات التي كتبتها سواء لأفلام روائية طويلة او قصيرة او وثائقية، انها مركونة على الرفوف، تراكم عليها الغبار..

 نعود الى محطة مهمة في مسيرتك الابداعية وهي التحاقك بمؤسسات السينما الفلسطينية، وما الذي اضافته لك هذه التجربة؟.

- وجودي في بيروت وعملي في مؤسسات السينما أضافت الكثير لمسيرتي الحياتية والفنية، من الناحية الحياتية عشت تجربة ثرية وغنية بلورت ونضجت شخصيتي، وكما تعلم، كم من الصعب علينا أن نصل الى مدينة تعيش حرب أهلية طاحنة تركت بصماتها على كل مناحي الحياة، وتجد نفسك مجرد مغادرتك المطار فجأة في غابة من البنادق، والمقاتلين مدججين بالسلاح وموزعين في كل مكان، تشاهد مناظر لم تألفها عينك سابقا، وتعيش بين أزيز الرصاص والقذائف والراجمات، وهدير الطائرات على علو منخفض، أكيد بأن الأمر غريب ومخيف ومرعب بالأيام الاولى، ومع مرور الوقت يجد المرء نفسه قد اعتاد نسبيا على الأجواء، ويحس بالأمان الى حد ما رغم انتشار السلاح في كل مكان، خاصة حينما تحس بأن فوهة البندقية ليست موجهة لك بشكل شخصي، وأحيانا بوجود هذا الكم من السلاح، تحس بالاطمئنان، لأنك ليس الهدف بل حماية لك. وفي هذه الاجواء المتوترة والمشحونة، تعرفنا لبعض الاصدقاء من الوسط الفني والثقافي، ومازالت علاقتنا ببعض منهم مستمرة. وأتيحت لي فرصة أن اكتب مقالات عن السينما في العديد من الصحف والمجلات في بيروت، واجريت مقابلات وحوارات مع معظم السينمائيين اللبنانيين والعرب، حيث انفتحت أمامنا ابواب كانت مغلقة في بلدنا.

اما عملي في المؤسسات والأقسام السينمائية، فتوزع الى ثلاث محطات رئيسة، حيث عملت في البداية بقسم السينما في الاعلام التابع للجبهة الديمقراطية، والطبع لم تكن هنالك في هذا القسم معدات من الكاميرات واجهزة الصوت، فقط كانت هناك كاميرا بمقاس 16 مليم قديمة وجهاز عرض 35 قديم، وقاعة مهملة، تراكم الغبار في ارجائها. واول خطوة اقدمنا اليها زوجتي المونتيرة السينمائية حنين جواد وأنا، هي ان نعد القاعة لعروض سينمائية مبرمجة إسبوعيا، ولهذا زودنا القاعة بكراسي بسيطة حسب الامكانيات المالية المتواضعة المخصصة للقسم، وحصلنا على آلة عرض 16 مليم، كهدية من المركز الثقافي السوفياتي، ودرّبنا صديق لنا في تشغيل هاتين الالتين للعرض، وتمت برمجة عروض اسبوعية للأفلام التي كنا نحصل عليها من المراكز الثقافية في بيروت، خاصة من المركز الثقافي السوفيتي، مع الايام بدأ الجمهور يواكب مشاهدة هذه العروض، لم نكتف بعرض الافلام في القاعة فقط، حيث برمجنا عروضا اخرى للمقاتلين في معسكراتهم، وكانت هذه التجربة مفيدة ومثمرة للغاية، حيث تتم مناقشة الافلام بعد عرضها للمقاتلين من قبل صديقنا الراحل حسين الموزاني، الذي استفاد هو ايضا من مشاهدة الافلام ومناقشتها مع الجمهور، حيث اصبح فيما بعد واحدا من الكتاب الروائيين المرموقين، ومترجم بارع من الالمانية الى العربية، بعد أن اكمل دراسته بالادب واللغة الالمانية. وفي تلك الفترة، حاولت أن أعمل فيلما عن المرأة الفلسطينة، من أجل التعرف على حياة النساء الفلسطينيات، قمنا زوجتي وانا بجولات ميدانية، زرنا بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان، وعلى ضوء هذه الجولات، كتبت سيناريو لفيلم وثائقي، الا ان هذا المشروع لم ير النور لأسباب مالية.

ويناء على ذلك فكرت بمشروع فيلم آخر بميزانية متواضعة، وجدت ضالتي برسومات الفنان الفلسطيني المبدع ناجي العلي، حيث كنت أتابع ماينشره من الرسومات الكاريكاتيرية في الصفحة الاخيرة من جريدة السفير، اتصلت في حينه بالفنان ناجي العلي، وطرحت له فكرة الفيلم، طبعا فرح بذلك كثيرا، وقال لي في حينه، أود ان اسألك كيف تستطيع ان تحول هذه الكارتونات الى فيلم سينمائي، قلت اترك هذا الامر لي، ضحك وقال سنرى. حقيقة كان الرجل بمنتهى النبل والمسؤولية، طلبت منه ان أحصل على الرسومات الكاريكاتورية التي رسمها لجريدة السفير وغيرها، وبمساعدته اخذت كل الرسومات التي رسمها للجريدة، بعد دراستها، رأيت اني بحاجة الى رسومات اضافية، خاصة عن حرب أكتوبر، وعن اقتحام الجيش المصري لخط بارليف، وهكذا رسم ما طلبته منه شاكرا، وهكذا بدأت رحلتي في عالم ناجي الكاريكاتورية، والحديث يطول عن هذه التجربة المثيرة، ليس هناك مجال هنا الخوض في تفاصيله، الأهم انجزت الفيلم، نظمنا وقتا لعرضه، دعوت الفنان ناجي العلي لحضور العرض، وبعد مشاهدته كان مسرورا جدا، قال لي بضحكة جميلة وبهدوء وبصوت خفيض، الآن عرفت كيف تحولت رسوماتي الى فيلم.

الفيلم الثاني الذي انجزته في محطة بيروت هو (يوميات مقاتل)، وثائقي عن حياة المقاتلين، اعتبر هذا الفيلم، اكثر اهمية، لأنه ابن الواقع ، قائم على المعايشة اليومية لحياة المقاتلين في المعسكرات وفي داخل بيوتهم وبين عوائلهم. تجربة عشتها بين هؤلاء المقاتلين لأيام عديدة قبل تصوير الفيلم، وتعرفت على تفاصيل حياتهم، واخترت اربعة مقاتلين من أجيال مختلفة، مسن وكهل وشاب وصبي. وأثناء التصوير طرحت للجميع أسئلة محددة كي اتعرف كيف يفكرون وبأي طريقة يتعاملون مع قضيتهم، وماهي الاسباب التي دفعتهم لحمل السلاح. وصورت حياتهم في المعسكرات وبين عوائلهم، ولهذا جاء الفيلم محملا حرارة الواقع، وكان هدفي من الفيلم أن ارد على مزاعم بعض الجهات الاعلامية المغرضة التي تقدم هؤلاء المقاتلين بأنهم ارهابيون، لا قضية لهم، بل هم هواة سلاح. وللأسف، واقول بحسرة وبحزن اني فقدت كل مواد الفيلم اثناء إجتياح القوات الاسرائيلية للبنان في العام 1982وفقدت ايضا مسودتين لكتابين عن السينما، حيث ذهبت جهودي لسنوات بمهب الريح.

بعد أن غادرت مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بيروت ، بعد حرب 1982توزعت الى عدد من الدول العربية، منها دمشق، في هذه المحطة انجزت فيلما بعنوان ( أم علي)، كان من المفترض ان أصوره في لبنان، أن ظروف الحرب حالت دون ذلك، صورت الفيلم في دمشق وأطرافها، وهو عن المرأة الفلسطينة ( أم علي) ، المعروفة بأم الشهداء التي ضحت ثلاثة من اولادها..

اما محطتي الثالثة فكانت تونس، حيث انتقلت العمل هناك في مؤسسة السينما الفلسطينية، انجزت في تونس فيلمين، إحدهما وثائقي، والثاني روائي قصير، وبرنامج تلفزيوني مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش) كان بعنوان ( الطفل واللعبة) وهو فيلم الوثائقي)..

اما الفيلم الروائي القصير، الذي انجزته في تونس بعنوان ( الناطور)، كتبت السيناريو إعتمادا على قصة قصيرة بعنوان ( ابو القاسم) للكاتب والصحافي الفلسطيني ( اكرم هنية)، والطبع اجريت تغييرات ببنية القصة حسب مقتضيات وضرورات الكتابة السينمائية. الفيلم يتحدث عن الحارس ابو القاسم، الذي يعمل في احدى المدارس في الاراضي الفلسطينية المحتلة، يذعن لأوامر مدير المدرسة بإزالة الشعارات التي يكتبها الطلاب على جدران المدرسة ضد الاحتلال، في الليل اثناء حراسته، يظل يراقب السيارات العسكرية التي تجوب في المنطقة، يتذكر اللحظات القاسية التي صودرت بها أرضه من قبل جنود الاحتلال، وبعد معاناة طويلة، يقررابو قاسم ان يكتب شعارات على جدران المدرسة، بدلا من ان يمحي الشعارات التي يكتبها الطلاب ضد الاحتلال.

 وكيف كان العمل في السينما وسط الكثير من الظروف الصعبة؟

- بالرغم من كل الظروف الحياتية الصعبة، وعدم وجود المعدات من الكاميرات، واجهزة صوت مناسبة، وعدم وجود كوادر سينمائية مختصة، وعدم وجود تمويل، عملت بعناد بإمكانيات بسيطة وشحيحة، انجزت افلامي الخمسة بصبر وبأناة.

اود أن أشير هنا، أن افلامي التي انجزتها عن الموضوعات التي لها بالقضية الفلسطينية، شاركت في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، ممثللة فلسطين، مثل موسكو، كراكوف، لايبزغ، دمشق، قرطاج( تونس)، القاهرة، الجزائر، الهند، طشقند.. الخ، وبالطبع ماعدا فيلم ( يوميات مقاتل)، لان وأدته الحرب في العام 1982 كما اشرت سابقا.

المحطة الرابعة، هي الدنمارك، اعتبرها من اهم المحطات في حياتي الفنية، انجزت خمسة عشرة فيلما. وثائقية طويلة، وقصيرة، وافلام روائية قصيرة، وتجريبية، أنجزت هذه الافلام، معتمدا على امكانيات ذاتية، بمساعدة زوجتي المرحومة المونتيرة السينمائية جنين جواد، وابنتي المخرجة رانيا توفيق، ماعدا فيلمان أنجزتهما، ( شاعر القصبة) عن الفنان والشاعر محمد سعيد الصكار بتمويل من وزارة الثقافة الدنماركية، و(شاشتنا)، بتمويل من انجاز، مهرجان الخليج السينمائي في الامارات المتحدة. وهذه المحطة تحتاج الى وقفة خاصة.

 ما رأيك بالمشهد السينمائي العراقي الآن، واين تكمن الحلول للسينما العراقية للخروج من ازمتها ؟

- للجواب على هذا السؤال المهم، علينا ان نشير في البداية، لابد على الدولة العراقية ان تولي اهتماما كبيرا بوزارة الثقافة العراقية، وتضع في حسبانها بانها وزارة مهمة وسيادية، وهي الوجه الحضاري للعراق، من خلال هذه الوزارة بكل مؤسساتها وانجازاتها الفنية والثقافية، نقدم بلدنا العراق للعالم، وهي تمثل الوجه العراقي الناصع، وعلى هذا الأساس، على الدولة والحكومة العراقية، ان تضع هذه الوزارة بمقدمة الوزارات

ولكي تنهض السينما في العراق، لابد من ايلاء اهمية قصوى للطاقات السينمائية الشابة، واعطاء الفرص لهم للتعبير عن مواهبهم وطاقتهم الابداعية، خاصة اتبث بعض من شبابنا بأنهم قادرون بالقيام بهذه المهمة الابداعية، حيث انهم بإمكانيات شحيحة وبسيطة، صنعوا افلاما لاقت نجاحا في مهرجانات عربية ودولية، ومن هنا لابد من اعطاء فرص كبيرة لشبابنا المبدع، في الداخل والخارج على السواء، حيث هم مستقبل السينما في العراق، وعلى عاتقهم تقع مسؤولية نهوض السينما العراقية من كبوتها.

ومن ناحية اخرى لابد من تشجيع القطاع الخاص السينمائي العراقي، بتقديم كل التسهيلات القانونية والمالية والادارية للشركات الخاصة ، وهو رافد مهم وحيوي كما هو الحال في معظم دول العالم