الإنتخابات القادمة.. معركة قادمة

Saturday 18th of September 2021 11:07:28 PM ,
العدد : 5026
الصفحة : آراء وأفكار ,

 محمد حميد رشيد

الإنتخابات القادمة في تشرين الأول القادم تمتلك الإمكانات لتكون مختلفة عن انتخابات عام 2018، للأسباب الآتية :

1.الإنتخابات القادمة جاءت بعد الإنتفاضة التشرينية التي ساهمت في تعميق الوعي الوطني وسلطت الضوء على حجم الفساد في الأحزاب الفاسدة التي تحكم العراق وأسقطتها وكانت دليلاً لا يقبل الشك على إرهاب السلطات وعصابات القتل والجريمة التي تختفي في زواياها ؛ وأصبح الشعب العراقي أكثر رفضاً لكل الأحزاب الحالية ويتطلع إلى التغيير والتخلص من هذه الوجوه التي تمثل الإرهاب والفساد مجتمعين . لذا فالشعب يبحث فعلاً عن (بديل) و(عله) يجد في المرشحين الشباب للإنتخابات القادمة هذا البديل أو نواة لهذا البديل . الحس الشعبي العام يبحث عن (أمل) في التغيير من خلال الإنتخابات القادمة خصوصاً بعد أن قاطعها في المرة السابقة (نسبة المشاركة لا تزيد عن 20% من عدد المسموح لهم بالإنتخاب) ولم تحقق هذه المقاطعة سوى تغول العصابات أكثر في الفساد والإرهاب .

2. هناك رغبة داخل الحكومة الحالية وبعض الأطراف المشاركة في العملية السياسية الحالية في العراق في إحداث تغيير في المشهد السياسي (بغض النظر عن الدوافع) وهذا يساهم في الحد من التزوير .

3.هناك رغبة لدى الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية في إحداث التغيير السياسي عبر الطرق الديمقراطية على العكس من رغبة الأطراف الدولية في الإنتخابات السابقة في إبقاء الإستقرار السياسي (إدت إلى فرض المالكي وعدم توزير علاوي خلافاً للأعراف والقوانين الديمقراطية) .

4. الوضع الإقتصادي الصعب والضغط السياسي على طهران يضعف من إمكانية التأثير على الإنتخابات القادمة ويقلص الدعم الذي كانت تقدمه في الإنتخابات السابقة للقوى الولائية التي تتزعم وترعى الفساد والإرهاب في العراق.

5. إعتماد البطاقة البارومترية في الإنتخابات الحالية سيساهم في تقليص حجم التزوير عن طريق البطاقات الإنتخابية (50% من حجم التزوير عن طريق شراء وتزوير البطاقات الإنتخابية).

5. المشاركة الأممية والدولية في مراقبة الإنتخابات القادمة (عدد موظفي الأمم المتحدة المنخرطين في الانتخابات حالياً هو خمسة أضعاف العدد الذي عمل في انتخابات 2018(100 مراقب و 150 خبيرا) ومن بين استعدادات الأمم المتحدة للمراقبة إيفاد (فريق التحضيرات) وسوف تتبعهم (الفرق الإقليمية) والتي ستمهد لوصول (فريق الخبراء) . وفي موازات ذلك أعلنت الولايات المتحدة عن منحة قدرها (5.2) مليون دولار لفريق مراقبة الانتخابات التابع لبعثة الأمم المتحدة في العراق.

وأما عن المشاركة الدولية في مراقبة الإنتخابات القادمة أكد البيان الختامي لاجتماعات القوى الصناعية السبع الكبرى في العالم، دعم سيادة العراق واستقلاله ووحدة أراضيه، وتأييده بالكامل قرار مجلس الأمن رقم 2576 ودعوته لإشراك مراقبين للانتخابات، للمساعدة في (ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة في أكتوبر) وأدانت كل محاولات المليشيات الإرهابية لعرقلة الإنتخابات. كما وقع العراق صيغة الترتيب الإداري بين العراق والاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات المبكرة وهي تقضي برصد البعثة لمجريات العملية الانتخابية بحياد تام وموضوعي واستقلال في ألاداء واحترام الراصدين لاحكام مدونة السلوك الخاصة بالراصدين وبالمقابل توفر المؤسسات العراقية للبعثة أي مساعدة مطلوبة لتنفيذ التكليف الخاص للبعثة ؛ كما وقع رئيس المفوضية العليا للانتخابات العراقية (القاضي جليل عدنان خلف) في مقر الخارجية على مذكرة مماثلة مع الاتحاد الأوروبي حول مشاركته في المراقبة الانتخابية بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2576 الذي اعطى بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) تفويضا بمراقبة الانتخابات استجابة لطلب الحكومة العراقية حيث ستتولى البعثة التنسيق مع المراقبين الدوليين والإقليميين الذين سينتشرون في المراكز الانتخابية ومراكز العد والفرز للاصوات وتوفير الدعم اللوجستي والأمني لهم. وقال المدير العام للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات (عادل اللامى) فى بيان أن الفرصة لاتزال متاحة أمام الجامعة العربية ومؤتمر الدول الاسلامية والاتحاد الاوروبى ومنظمات المجتمع المدنى والسفارات العربية والاجنبية وغيرها من المنظمات الدولية لارسال فرق لضمان أن عملية الاستفتاء تجرى وفق المعايير الدولية واضاف أن وجود فرق المراقبة المحلية والدولية هو لضمان نزاهة عمليتى الاستفتاء والانتخابات وشفافيتيهما كما ودعا العراق 71 دولة بين منظمة دولية وسفارة عربية وأجنبية لمراقبة الانتخابات المبكرة ويقدر عدد المراقبين الاجانب باكثر من 600 مراقب حتى يوم 12/9/2021. وهناك دعم معلن من قبل السفارات الهولندية والفرنسية والكندية والأسترالية ؛ وهناك الكثير من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية إضافة إلى المنظمات الإقليمية وجميعها ستساهم في الرقابة على الإنتخابات المقبلة في العراق والتي ينبغي التعاون والتنسيق معها لضبط عملية الإنتخابات بقدر الإمكان وإستثمار ذلك في رصد كل المخالفات المتوقعة وأعلن الأتحاد الأوربي مشاركة 80 خبيراً في مراقبة الانتخابات القادمة في العراق.

أ. مشاركة المنظمات والهيئات والنقابات والجمعيات الداخلية والمحلية العراقية بشكل أكبر وأكثر تنظيماً وعلى سبيل المثال فقد زجت نقابة المحامين ب (6000 محامي) للمشاركة في الرقابة على الإنتخابات على صعيد المراكز الإنتخابية في العراق وبتنسيق مع المفوضية وهناك سبعة منظمات عراقية مختصة بالرقابة على الإنتخابات. إضافة إلى العديد من منظمات المجتمع المدني و ممثلي الأحزاب المخوليين من قبل المفوضية بمراقبة الإنتخابات وسيسمح لهم بالتواجد داخل المركز الانتخابي ومتابعة عملية الفرز وكذلك في كل مراحل العد والفرز ولحين إعلان نتائج الإنتخابات.

ب. سقوط الكثير من رموز العملية السياسية الحالية وأحزابها والذين كانوا يقودون البرلمان والحكومة طيلة الفترة السابقة التي أمتازت بالفساد والفشل الأسطوري والشعب يبحث الآن عن (البدائل) وسوف لن يتأخر في إسقاط رموز الفساد هذه إذا ما وجد (بدائل) تستطيع إقناعه بأنهم أفضل من الفاسدين الذين باعوا العراق .

ج.وهناك وسائل أخرى يمكن للمرشحين النزيهيين إتباعها لمراقبة سير العملية الإنتخابية و رصد المخالفات والتجاوزات عليها وتفعيل الرقابة الشعبية .

د. رصد المخالفات وعمليات التزوير بحد ذاته مكسب يساهم في نزع الشرعية عن المزورين .

و بعد فهل تستطيع الإنتخابات القادمة تغيير الواقع السياسي العراقي وتسقط الفاسدين والمجرمين ؟

من الخطأ الكبير التعويل على دورة برلمانية واحدة في تغيير واقع سياسي ساهمت دول في فرضه وعمره تجاوز الثمانية عشر عاماً ويمتلك مليشيات وجيوش وبنوك ومليارات من الدولارات جمعوها من السحت الحرام بل هم أعدوا العدة لعدم الإستسلام للإنتخابات ولا لنتائجها (إعدوا لهذا الإحتمال عدته وخططه) وبدأوا بإنفاق الملايين على تزويرها ومن الصعوبة (بغض النظر عن كل ما قدمنا) أن نتصور أن الإنتخابات ستمر دون محاولات التزوير فهي بدأت منذ الآن ومستمرة وسيكون التزوير بشتى الطرق (تزوير البطاقات ؛ تزوير النتائج ؛ الهكرز ؛ فرض مرشحين على الناخبين في بعض المناطق الريفية على وجه الخصوص؛ إستخدام السلاح ؛ إبطال نتائج بعض الصناديق ؛ عرقلة إنتخاب مرشحين ؛ تزوير وتمرير مرشحين ؛ تعطيل أجهزة ؛ حرق مراكز إنتخابية أو صناديق إنتخابية؛إسقاط الإنتخابات برمتها...)

إن الإنتخابات بالنسبة للكثير من الأطراف المشاركة فيها مشروع تجاري لا يمكن أن يخسر أو هو الوسيلة للحفاظ على المكاسب المليارية التي حصلوها سابقاً لذا فإن إحتمالات تزوير الإنتخابات بأشكال مختلفة واردة ومتوقعة جداً لكنها ليست مبرراً للأطراف الوطنية الإمتناع عن المشاركة فيها لأن المقاطعة ليست استراتيجية فعالة ولن تقدم أي حلول بل هي من تكرس سيطرة العصابات على الحكم في العراق فحينما لا تدلي بصوتك فإنك في الواقع تهدي صوتك لأولئك الذين قد تعارضهم. ولكن هناك شيء واحد مؤكد: من خلال عدم التصويت، فإنك تضع نفسك خارج العملية الانتخابية. والأحداث التي تؤثر عليك لن يتم رسمها إلا من قبل الآخرين. المقاطعة ستكون هدية لأولئك الذين قد تختلف معهم.

وهناك حقيقة أخرى أن هذه الانتخابات لن تؤدي إلى معجزات فورية وأن التغيير الدراماتيكي غير متاح في الوقت الحاضر وغير مقبول دولياً وهناك عوامل عديدة تقف دون الأخذ به وما هو متاح إختراق العملية السياسية المريضة وإعادة بنائها وإصلاحها من جديد عبر خطوات متسلسة وطويلة . إن العراق بحاجة ماسة إلى إصلاحات هيكلية عميقة. وتتطلب هذه الإصلاحات تصميماً لا يتزعزع وصبراً هائلاً ووقتاً طويلاً ودورات برلمانية متعددة يتم خلالها ترسيخ الشعور الوطني ومحاربة كل أشكال الطائفية السياسية وكشف وفضح فساد العصابات الحاكمة وتعزيز قوانين التي تغلض العقوبات على المزورين وتطبيق قانون الأحزاب السياسية المجمد وتغيير الدستور والغاء القوانين العنصرية او الطائفية وتعزيز دور الدولة والقانون وتقليص دور المليشيات وتشديد وتنفيذ العقوبات على القتلة والمجرمين أياً كان إنتمائهم إلى ما هنالك من إصلاحات تهدف للوصول إلى فرض الإرادة الوطنية على المشهد السياسي وتلك عملية طويلة وتحتاج إلى دعم متنوع ؛ لكن ثمانية عشر سنة من الممانعة لم تقدم لنا شيء سوى الإنعزال أكثر ودفع العراق ثمناً باهضاً لسيطرة عصابات الجريمة والفساد والإرهاب على المشهد السياسي ولكنه سيدفع ثمن باهظ للغاية إذا سمح لتلك العصابات في البقاء مهيمنين على المشهد السياسي بلا منازع ولا حسيب .

وأخيراً أن الممانعين للإنتخابات ليسوا فاقدوا الثقة بالحكومة وبالإنتخابات التي تجريها فقط بل هم فاقدين للثقة بالشعب وإمكانيته على التغيير. أن 80% من الشعب الذي قاطع الإنتخابات السابقة له المقدرة الكاملة في أحداث التغيير الإيجابي والدفاع عن مصلحة العراق والعراقيين أن وجود الشعب في الساحة السياسية هو أكبر وأقوى قوة وطنية تمكن المعارضة الوطنية في فرض حقيقة المشاركة الشعبية الفاعلة والإرادة الوطنية على عصابات الإحزاب الفاسدة وسيقف كل العالم معهم. إنها معركة بين الحق والباطل

أما المقاطعة العشوائية بلا تدبر وتخطيط ودراسة فهي مثل الدخول معركة الإنتخابات بلا تخطيط سياسي سليم ومركز لخوضها من قبل القوى الوطنية الحقيقية بل أن القوى الوطنية (ومن بينها ثوار تشرين) منقسمة فيما بينهم حول الدخول في الانتخابات من عدمه ! ؛لذا هي مدعوة وبسرعة للملمة الصف وإعادة الحسابات والإبتعاد عن العشوائية!

ورغم أن موقف أحزاب الفساد قد أهتز وهو في أضعف حالاته لكنهم يواجهون بدائل أضعف منهم مع الأسف وستكون المعركة الانتخابية القادمة لصالح عصابات الفساد الحاكمة وسيتركون يسيرون المعركة ويزورون على هواهم من دون مقاومة حقيقة موجهة ومن دون بدائل تذكر والرموز الوطنية مشاركون في هذا التقصير ولابد من إستعداد الجميع لرصد التزوير المتوقع ومساعدة فرق الرقابة على الإنتخابات في عملها وإعادة رص كل القوى الوطنية

لكن العراق أقوى من هذا الحاضر والمستقبل له..