وجهة نظر روسية..العراق عشية الانتخابات

Wednesday 29th of September 2021 10:34:08 PM ,
العدد : 5034
الصفحة : آراء وأفكار ,

 انطون فيسيليف

ترجمة: عادل حبه

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العاشر من تشرين الأول، تتزايد الدعوات في المجتمع العراقي لمقاطعة التصويت.ويتوصل المزيد والمزيد من العراقيين إلى استنتاج مفاده أن السلطات فقدت مصداقيتها ولن تزيد الأمور إلاّ سوءاً.

لقد تم تكثيف مهمة الأمم المتحدة في العراق بشكل كبير. وبدعم مباشر من واشنطن، قدمت الولايات المتحدة منحتين بلغ مجموعهما 14.9 مليون دولار "للمساعدة في التحضير للانتخابات". وأشادت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد بذلك قائلة: "لقد عمل مستشارو الأمم المتحدة بجد لتقديم العون للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية لجعل الانتخابات حرة ونزيهة".

إن أكثر من 25 مليون مواطن عراقي لهم الحق في التصويت، مع يوم تصويت منفصل في 8 تشرين الأول لبعض الفئات التي لها الحق في التصويت. وتشمل هذه الفئات قوات الأمن، والسجناء المحكوم عليهم بالسجن لمدة تقل عن خمس سنوات، والمواطنين العراقيين المقيمين في مخيمات النازحين. ووفقاً للجنة الانتخابات المركزية، تم تسجيل 3244 مرشحاً من 276 كياناً سياسياً، لإنتخاب 329 نائباً لمجلس النواب القادم ، الذين يتعين عليه انتخاب الرئيس المقبل ورئيس الوزراء.

لقد إتخذت الحكومة برئاسة السيد الكاظمي إجراءات فعالة "للحفاظ على الاستقرار"، مؤكدة أن "التصويت سيضع الأساس للإصلاحات الموعودة". ولكن يعتقد المشككون، مع ذلك، أن الهدف الرئيسي للمسؤولين الحكوميين هو الاحتفاظ بمناصبهم. في 16 أيلول، أعلن رئيس الوزراء العراقي أنه سيعزز التعاون مع المجتمع الدولي لاستعادة الأصول العراقية المسروقة بعد عام 2003. وشدد على أن "القضايا المتعلقة بأموال العراق المهربة خارج البلاد ستنظر في إطار الإجراءات القانونية"، الأمر الذي أدى إلى الكثير من التعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووجه الشعبوي الشهير مقتدى الصدر انتقادات لا تقل عن ذلك. وأعلن في تموز الماضي: "من أجل إنقاذ ما تبقى من الأمة، وإنقاذ الأمة التي أحرقها المسؤولون الفاسدون والتي لا تزال تحترق، أبلغكم أنني لن أشارك في الانتخابات". إلاّ أنه غير رأيه في 27 آب، وأعلن: أنه سيشارك في انتخابات العاشر من تشرين الأول، لأن الأحزاب السياسية (؟) قد زودته بوثيقة مع خطة لإصلاحات جذرية. وبعد مراجعة الخطة توصل السيد الصدر إلى قناعة بأن هذه الأحزاب ستلبي توقعات التيار الصدري، ودعا أنصاره إلى المشاركة في الانتخابات.

من الملاحظ أن هناك اهتمام متزايد بالانتخابات العراقية من الخارج. وحاولت السلطات العراقية استغلال ذلك من خلال تنظيم مؤتمر ليوم واحد في 28 آب، أطلق عليه بصوت اسم "قمة المصالحة". ولم تتم دعوة سوريا لحضور الاجتماع. واجتمع في بغداد رؤساء فرنسا ومصر والأردن وقطر ورؤساء وزراء الإمارات والكويت ووزراء خارجية تركيا وإيران والسعودية. ولا يخلو الإجتماع من ممثلي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وعشية الاجتماع، أشارت الخارجية العراقية إلى أنها تعول على تعزيز التعاون الاقتصادي وتلقي المساعدة ، لكن هذا لم يتحقق مرة أخرى. بادرت الكويت بالتبرع بما قيمته مليون دولار من المعدات الطبية (بما في ذلك أجهزة التنفس الصناعي) و 7,100 حزمة من المواد الغذائية لتوزيعها على المحتاجين في تسع محافظات عراقية، وهو بالكاد إنجازمتواضع.

نتيجة لذلك ، تحول الاجتماع إلى عرض طنان للرئيس الفرنسي، أو كما يقولون في الغرب، عرض من قبل رجل واحد فقط. ومدد إيمانويل ماكرون زيارته ليوم واحد لعقد اجتماعات منفصلة مع القيادة الفيدرالية في بغداد، وكذلك في أربيل عاصمة الحكم الذاتي الكردي. وزار الموصل للقاء وحدات القوات الخاصة الفرنسية المتمركزة في العراق. وانتهت الزيارة بإبرام اتفاقيات مبدئية بين شركة توتال للطاقة العملاقة للنفط والغاز (توتال سابقاً، تستخدم حوالي 100 ألف موظف في أكثر من 130 دولة) والحكومة العراقية بشأن تنفيذ مشاريع استثمارية بقيمة 27 مليار دولار. وتم الإعلان عن إتفاق حول أربعة مشاريع لتطوير حقول النفط والغاز المصاحب وبناء محطات الطاقة الشمسية. ومن بين الوثائق الموقعة مشروع زيادة انتاج النفط في حقل ارطاوي من 85 الف الى 210 الاف برميل يومياً ويستحق ذلك التوقف عنده.

الحقيقة هي أن السلطات العراقية تتعمد الحد من تطوير المشاريع التي تطورها الشركات الروسية. وقد اشتكى ف. ألكسندروف، مدير شركة لوك أويل، مؤخراً مرة أخرى من أنه لم يخفض الإنتاج ثلاث مرات فقط في حقل غرب القرنة -2 الذي تم الاتفاق عليه في عام 2010 فحسب، بل تم أيضاً إعاقة العمل في مشروعي اليمامة وبلوك 10. ومنعت الحكومة العراقية بشكل قاطع شركة لوك أويل من بيع أصولها، وذلك بعد أن استثمرت الشركة أكثر من 8 مليارات دولار وسددت نفقاتها مؤخراً فقط. وبصفته مفاوضاً متمرساً، أشار ف. الكسندروف:" إننا سنستمر في المفاوضات مع الحكومة العراقية حول مشروع القرنة-2، والتوصل إلى تفاهم، ولا اريد الآن ان اتحدثلحين إنتهاء عملية التفاوض وعشية الانتخابات في تشرين الثاني".

إن وضع شركة "غازبروم نفت" العاملة في العراق لا يبدو في حال أفضل. فقد تقرر في اجتماع الجنة الروسية العراقية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني في 26 آب، أن تقوم شركة غازبروم نفط ووزارة النفط العراقية باستكمال إجراءات الموافقة على خطة تطوير الحقل ومواصلة مناقشة اتفاقية إضافية على عقد الخدمة لمشروع بدرة ". وفي الوقت نفسه، لا تزال الشركة الروسية تنتظر تنفيذ قرار الجانب العراقي المؤرخ في 2018 للتعجيل بسداد تكاليف إنشاء معمل الغاز (579 مليون دولار) من خلال زيادة قاعدة التعويضات. في نهاية عام 2019، أفاد نائب رئيس شركة غازبروم نفت، فاديم ياكوفليف، أن الشركة كانت تنتظر إذناً من السلطات العراقية لإجراء عمليات حفر إضافية في بدره. واليوم، وبسبب القيود، "استقر" إنتاج النفط في هذا الحقل عند مستوى 75 ألف برميل في الثانية، وانخفض إنتاج الغاز في عام 2020 مقارنة بعام 2019 بنسبة 27.3٪ - إلى 0.16 مليار متر مكعب.

تبقى واحدة من القضايا الرئيسية وهي وضع القوات الأمريكية وقوات الناتو في العراق. في التاسع من أيلول، قام الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الموحدة للقوات المسلحة الأمريكية بزيارة بغداد. وتم خلال لقائه مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بحث "سبل توثيق التعاون بين الطرفين". وأكد ماكنزي أن الانتقال من مهمة قتالية إلى مهمة استشارية سيكتمل بحلول الأول من كانون الثاني القادم، وفي الوقت نفسه تم التأكيد على أن وجود فرقة عسكرية أجنبية كان مبرراً بدعوة من الحكومة العراقية. ويوجد الآن أكثر من 2500 جندي أمريكي في العراق. ومن المقرر تطوير إجراءات نقل القوات إلى وضع "غير قتالي" في سياق المزيد من المشاورات. وفي الوقت نفسه أعلن بدر الزيدي، عضو لجنة الدفاع والأمن في مجلس النواب، إن الولايات المتحدة ستنقل أسلحتها الثقيلة ومعداتها العسكرية إلى قواعد في دول الخليج، لكن القوات الجوية الأمريكية ستواصل عملياتها ضد الدولة الإسلاميةبناء على طلب الحكومة العراقية. ستكون القوات الأمريكية المتبقية في العراق مسؤولة عن التخطيط للعمليات والاستخبارات وتدريب القوات العراقية. وستكون هناك حاجة إلى الكثير من المتخصصين.وفي 31 آب، أعلنت بغداد قرار الحكومة بجعل الخدمة العسكرية إلزامية.

لا يمكن أن يمر تقليص الوجود العسكري الأمريكي الذي تمت مناقشته دون الإنتباه إلى مسلحي داعش والقوات الأخرى المناهضة للحكم. فقد زاد عدد الهجمات الإرهابية،ففي مساء 21 آب، تعرض رتل من "المليشيات الشعبية" لهجوم في ضواحي بغداد. وتم تفجير السيارة الرئيسية بواسطة لغم أرضي على جانب الطريق، وبعد ذلك تم إطلاق نيران قنص، قتل خلالها أربعة أشخاص بينهم نائب قائد اللواء 12 من "الميليشيات". وفي 27 آب تعرضت قاعدة أمريكية قرب ميناء أم قصر لإطلاق صواريخ ولم تقع إصابات، لكن يُشار إلى أن هذا الموقع هو قاعدة سرية لقوات العمليات الخاصة التابعة للقوات المسلحة الأمريكية، وهو ما لم يحدث من قبل. وذُكر في الرابع من أيلول أن وحدات عسكرية تابعة للجيش تعرضت لهجومين في محافظة كركوك، مما أسفر عن مقتل 15 جندياً. وفي 12 أيلول، هوجمت قاعدة تستخدمها القوات الأمريكية وقوات التحالف في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، باستخدام طائرتين بدون طيار محملتين بالمتفجرات.

وتحت ضغط مختلف الأطراف، يضطر رئيس الوزراء محمد الكاظمي بأن يأخذ بنظر الإعتبار موقف إيران ومراعاتها. وفي الثاني عشر من أيلول، قام رئيس الوزراء يزيارة طهران على رأس وفد كبير وعقد اجتماعات عمل مع الرئيس إبراهيم رئيسي، وأجريت مفاوضات بين وزراء البلدين. وبالإضافة إلى قضايا التعاون الاقتصادي (على سبيل المثال ، تنفيذ مشروع لبناء خط سكة حديد من إيران إلى البصرة) ، نوقشت أيضا قضايا أخرى. وتم إيلاء اهتمام خاص للاحتفال المرتقب بذكرى الإمام الحسين، الذي توفي في القرن السابع، وهو حدث مهم بالنسبة للطائفة الشيعية. ويُعرف الحدث باسم"الأربعين"وفقًا للتقويم القمري،ويبدأ هذا العام في 28 أيلول. ويعتبر ملايين الشيعة ان من واجبهم زيارة كربلاء في هذا التاريخ حيث يوجد قبر الامام الحسين. ويفضل طي الطريق مشيا على الاقدام، وينتقل غالبية من الحجاج من ايران. ولذ أعلن السيد الكاظمي إلغاء نظام التأشيرات للمواطنين الإيرانيين ووعد بزيادة عدد الحجاج لأقصى حد حتى تتوفر الفرصة للمزيد منهم من القدوم إلى العراق لحضور مراسم الأربعين".