رأي: عن مسلسل (ضربة زاوية).. ما يمكن البوح به من الحقيقة

Wednesday 13th of October 2021 11:15:10 PM ,
العدد : 5043
الصفحة : سينما ,

نهار حسب الله

عُرض مؤخراً المسلسل العراقي (ضربة زاوية) تأليف محمد خماس، إخراج علاء الأنصاري، بطولة ذو الفقار خضير، أياد الطائي، حسين عجاج، صبا ابراهيم، إنعام الربيعي، سامي قفطان، سولاف جليل، حيدر عبد ثامر،

ستار خضير، ميثم صالح وباقة مميزة من الشباب من بينهم أحمد نسيم، أساور عزت، أحمد الخفاجي، براء الزبيدي، مصطفى داخل، بيداء المعتصم، كرم ثامر، كرار حيدر... وجاء 15 حلقة تلفزيونية.. وتعاون على إنتاجه لصالح قناة U.tv شركة درب التبانة وشركة خطوات النجاح..

بناء الشخصيات:

اعتمد صناع ضربة زاوية على البطولة الجماعية، وركزوا في بناء شخصيات العمل، على النمو التصاعدي لدوائر الصراع وتشعبها.. حيث زجت اغلب الشخصيات في عقبات وصراعات جانبية اسهمت بتطوير النسيج الحكائي للفعل الدرامي.. في حين يتقدم الحدث الرئيسي للحكاية بخط مواز لتلك العقبات.. وبسبب تنوع تلك العقبات المرسومة للشخصيات تحول كل منها الى بطل حكايته الخاصة.. واسهم هذا التنوع في بناء الشخصيات بخلق شيء من التشويق لدى المتلقي..

لغة الشخصية:

تتحدث اغلب الشخصيات في ضربة زاوية، بأصواتها ومصطلحاتها ولهجاتها الخاصة على وفق البيئة المرسومة لها، فلكل شخصية لونها وثقافتها وبعدها الاجتماعي.. وهو الأمر الذي قدم لنا عدد من الممثلين الذين يحسب لهم الاسترخاء العالي في الاداء.. مثل شخصية (العقد صلاح) التي امتازت بالصرامة ولغة الاوامر التي يفرضها غالباً السلك العسكري.. على العكس من شخصية (الاستاذ الجامعي) التي امتازت بالهدوء والحوار النقاشي..

غير ان شخصيتي (بلال، والشرطاوي) وعلى الرغم من قدرة الممثل حسين عجاج والممثل حيدر عبد ثامر إلا ان شخصيتهما افتقرتا لادواتها في الحوار، فلم يمتلك مصلح السيارات ما يعرف بلغة الحرفة ومصطلحاتها التي تمنح الشخصية الكثير من الموضوعية والتقبل لدى المشاهد وكذلك شخصية (الشرطاوي) المشجع الرياضي..

ومما يحسب على المؤلف بعض الحوارات أضعفت خصوصية ذلك الحضور، من خلال زج الممثلين بالحوارات الكلائشية، استندت في كثير من الأحيان الى أمثال شعبية عراقية وعربية مستهلكة..

الاختزال:

تتجه شركات الانتاج مؤخراً الى صناعة أعمال درامية قصيرة، متعددة المواسم في بعض الأحيان، لأسباب إنتاجية ولاختبار رغبة الجمهور في الاستمرار والمتابعة..

ومثل هذا النوع من الأعمال يتعمد الاختزال والتكثيف والترميز أساساً للكتابة الدرامية.. وجاء مسلسل (ضربة زاوية) بخمسة عشر حلقة بمعدل نصف ساعة تلفزيونية او ما يزيد عنها بقليل، وعلى الرغم من كونه عملاً توثيقياً استند الى الوثيقة الصورية إلا انه اختزل الكثير من أحداث التظاهرات.. حيث اختزل الموت الجماعي واستشهاد ما يقارب الآلف شهيد واكثر من عشرين الف جريح ومعاق بمشاهد استشهاد (عبوسي) سائق التكتك المعدم.. وقدم مشهد الموت على نحو يلامس الواقع المأساوي الى حد قريب، كما اختزل ملاحقة المتظاهرين والناشطين محاولة احتجازهم تغييبهم بمشهد القاء القبض على المتظاهرين المرافقين لجثة (عبوسي) في المستشفى..

اختزال حملات تغييب وملاحقة وخطف الناشطين والداعمين للثورة بمشاهد اختطاف (الطبيبة) ولأسباب مادية لا تعود لموقفها من التظاهرات، تلك مسألة ربما أراد صناع العمل الإشارة إليها من دون الخوض في عمق التفاصيل، ولم يعرض او يشير العمل الى القتلة الملثمين وأصحاب الرداء الاسود، والقناصة، وحملة الأسلحة الخفيفة، والسكاكين، الذين وثقتهم الصور وهم يسهمون بمذابح جماعية في ساحة التحرير وبقية ساحات التظاهر..

توظيف الوثيقة التاريخية:

وعلى غرار العديد من الأعمال الدرامية والسينمائية العربية والعالمية، استند مسلسل ضربة زاوية على الوثيقة التاريخية، مستغلاً الأرشيف الصوري الهائل للتظاهرات، وعمل على مزاوجة الوثيقة الحية بالبناء الدرامي من خلال خلق بيئة ومشاهد ضمن السياق الدرامي للحدث تنسجم الى حد كبير مع الوثيقة.. وهي مسألة تحسب لصالح العمل الذي ارتبط عاطفياً بذاكرة المتلقي.. فضلاً عن صناعة مواقف تصوير قريبة من الواقع وتمنح المشاهد الكثير من الخصوصية..

الرسائل الجانبية:

حاول العمل تمرير رسائل جانبية لترسيخ مفهوم المواطنة وعرض للمتلقي علاقة موتورة مشحونة بين القوات الأمنية المتمثلة بالجيش والمتظاهرين لتوظيف البطل والبطل الضد، إلا ان ذلك الصراع لم يمنع البطل الضد من مخالفة الأوامر وتعريض نفسه لمسؤولية العصيان حينما رفض إطلاق النار على المتظاهرين العزل..

على الرغم من ان العمل يناقش واقع التظاهرات التي انفجرت بسبب تردي الواقع الخدمي والصحي والامني وتفشي الفساد التي اشير إليها في السياق الدرامي.. إلا ان العمل مرر رسالة جمالية عن واقع بغداد المغاير، وعرض لنا لقطات سريعة عن وجه بغداد الجميل، وكأنه يشير الى استمرارية الجمال والحياة في بغداد ..

وبعيداً عن تقييمات وسائل التواصل الاجتماعي ونسب المشاهدة العالية التي حققها (ضربة زاوية) في حلقاته الأولى أراد المسلسل توثيق ذلك الغليان الشعبي.. والتذكير بثورة بدأت ولن تنتهي من خلال كلمة أخيرة ثبتت تايتل نهاية الحلقة الاخيرة (بعدنا نريد وطن)

ضربة زاوية، عمل درامي توثيقي مغاير، وابرز واهم ما عرض عن ثورة تشرين لغاية اليوم، عمل حاول كشف ما تيسر من الحقيقة.. وحاول توثيق حكاية وذاكرة عن الثورة بدأت ولن تنتهي في العراق..