شغف المساواة

Wednesday 13th of October 2021 11:21:20 PM ,
العدد : 5043
الصفحة : آراء وأفكار ,

 جان بابتيست نوي*

ترجمة: عدوية الهلالي

تعتبر الديمقراطية هدفا جديدًا يصبو اليه الناس في الحياة السياسية ، لكنها أيضًا مفهوم آخر للعدالة والمساواة. ولأن المساواة هي العاطفة السائدة ، والمساواة هدف للكثيرين فقد وصلنا إلى النقطة التي نعتبر فيها أن أي تفاوت هو بالضرورة ظلم ويجب بالتالي تصحيحه. لكن عدم المساواة أمر طبيعي. فإذا كان البشر متساوون من وجهة نظر كرامتهم ، فإنهم من وجهة نظر مواهبهم غير متساوين جذريًا.

عدم المساواة هي حقيقة فقد كان موزارت عبقريا موسيقيا في سن الخامسة ، في حين أن الآخرين ، على الرغم من تلقيهم دروس العزف على البيانو ، فقد كانوا بالكاد يرتقون الى مستوى فوق المتوسط. كما ان بودلير ورامبو وبروست هم كتاب عبقريون وهنالك آخرون ليسوا كذلك، والقائمة تطول. وهكذا يبدو الأمر طبيعيًا ، ومع ذلك فإن شغف المساواة يشغل العالم. وهنالك شيء شيطاني حول السعي لتحقيق المساواة بأي ثمن. وقد ذكر الكاتب الروسي الشهير دوستوفسكي ذلك في احدى رواياته مشيرا الى ان كل فرد من أفراد المجتمع لابد ان تكون عينه على الآخرين ، فالجميع عبيد ومتساوون في العبودية بينما يختلفون في مستوى الثقافة والموهبة اذ لايمكن الوصول الى مستوى علمي عال الا للذكاء الاعلى ، وليست هنالك حاجة الى ذكاء أعلى ، فلطالما استولى رجال الشهادات العالية على السلطة وكانوا طغاة وقد تسببوا دائمًا في ضرر أكبر من نفعهم ؛ لذا يتم طردهم أو إعدامهم. اذن يجب أن يكون العبيد متساوين، وبدون استبداد لم يكن هناك حرية حتى الآن لا حرية ، ولكن يجب أن يكون هناك مساواة في المجتمع!

ارى انه يجب أن يتساوى الجميع في عبودية الجهل ، لأن المساواة لا يمكن تحقيقها إلا في إطار خفض المعرفة، وأعتقد أن القوانين هي عمل الأضعف والأكثر عددًا بجعلهم يفكرون فقط في أنفسهم ومصالحهم ولإخافة الأقوى ، الذين قد يتسلطون على الآخرين ، ويمنعونهم من الوصول إلى ذلك ، كما أعتقد أن الاشخاص الاضعف سعداء جدًا لأن كل شيء متساوٍ لديهم. لهذا السبب ، في نظام القانون ، من الظلم والسوء محاولة التغلب على الآخرين ، بما يطلق عليه (الظلم) ، حيث ان سيادة العدالة لابد ان تكون هي الأقوى ..

على سبيل المثال ، إذا سعى المرء إلى بناء مدرسة المعرفة ، فلا يمكن أن تكون سوى مدرسة لعدم المساواة وستكون هذه المدرسة عادلة ، لأنها ستسمح للأفضل بالنجاح. وسيكون من العدل عمل ذلك أيضًا لأنه سيمكن للطلاب الموهوبين تقنيًا التفوق في تلك المجالات. ولكن ذلك سيكون غير متكافيء من أجل الإنصاف فكل ما نسعى إليه هو المساواة وليس العدالة.

المساواة اذن هي الشيطان الذي لايؤمن بالحب او الحرية ويحتقر الطبيعة –أي الحقائق والاحداث –والجمال بالنسبة له هو مجرد وهم وهويفضل الضحك على الحياة بدلاً من تطويرها ويرفض المواهب بدلاً من صقلها. إنه شيطان السخرية الذي يطغى على ساعات من الأمل والملذات. وهذا الشيطان هو سبب الخراب المنتظم والمتعدد اما تطوير الشغف القائم على المساواة فهو تطوير للضعف، أي منح الامتياز للأرواح الضعيفة على حساب النفوس القوية بهدف تحقيق المساواة ..

* مؤرخ وكاتب فرنسي