إلى قادة لم يقودوا يوما

Tuesday 23rd of November 2021 10:12:13 PM ,
العدد : 5071
الصفحة : آراء وأفكار ,

 فوزي عبد الرحيم

صديقي الإسلامي الحقيقي الذي يعرفني منذ صبانا ويعرف أفكاري وتاريخي ويعجب بسلوكي وكتاباتي حدثني قبل أيام قائلا : كل عمرك ملتزم ولا تتعرض للدين بسوء أبدا رغم علمانيتك وآراءك (الثورية) ألتي تتقاطع مع الدين لكنك في الآونة الأخيرة شددت من لغة هجومك على الإسلاميين في نبرة أجدها يائسة من إمكانية حدوث أي تطور إيجابي في سياساتهم ما جعلني أشعر أنك على وشك الهجوم على الدين ذاته فهل أنت في هذا الوارد؟

موقفي من الدين كتبت عنه أكثر من مرة فأنا غير متدين ولي أفكاري وقناعاتي الخاصة لكني أحترم قناعات وإيمانات الناس ألذين هم المادة الرئيسية للتغيير،هذا التغيير الذي أريد به تغيير واقع هؤلاء الناس للأفضل في كل المجالات بحيث يتمتعون بظروف حياة إنسانية ووعي وعند ذاك يكون لهم الخيار في علاقتهم بالدين ،بل أكثر من ذلك أزعم مخلصا أني أحرص على الدين من الإسلاميين الحاكمين إذ أجد فيه ضرورة كمنظومة أخلاقية بغياب منظومة بديلة متماسكة فكريا ..أضاف صديقي متسائلا ،أليس إجحافا منك أن تحكم على الإسلاميين الحاكمين بالفشل النهائي واليأس المطلق من إمكانية تحقيقهم لوعودهم سيما وأن بعضهم إعترفوا بأخطائهم ووعدوا بتغيير نهجهم والشروع بإعمار البلد وخدمة الناس؟

لنضع جانبا كل ما يقال عن فساد رموز الإسلام السياسي المتصدرة للمشهد السياسي أو الحكومي ونفترض حسن نية هؤلاء الرموز الذين أكدوا في مناسبات مختلفة تقصيرهم بحق العراقيين وفشلهم في مسؤولياتهم وصلت لأن بعضهم طلب الصفح من العراقيين، وآخر أعلن عن ضرورة إعتزال كل الطبقة السياسية العمل السياسي بسبب فشلها واكد بضمنهم انا!! ورغم ذلك الآن هو يعد العراقيين بأنه سيعمر العراق ويطوره..فلنفترض أن هذا السيد خلصت نواياه وظهر أن كل الادعاءات حول فساده المالي كاذبة فما ألذي يجب توقعه منه لو صار صاحب السلطة والقرار الاول؟أؤكد، نتعامل معه كشخص مخلص ونزيه ويرغب بخدمة العراق،كيف نتوقع أداءه؟هذا السيد وغيرة من رموز العملية السياسية لم يستطيعوا(ولن أقول أصلا لم يكن في بالهم)أن يقدموا شيئا لا للعراق ولا للطائفة أو المذهب أو جمهورهم الذي انتخبهم(عدا خواصهم ولضرورات العمل السياسي فقط) وحتى عندما ارادوا فعل شيء لضرورات البقاء في المشهد السياسي فشلوا وتبددت أموال كثيرة بسبب عدم الخبرة ووقعوا أحيانا ضحية إحتيالات وفي أحيان أخرى إحتاجوا وقتا طويلا ليفهموا بديهيات يعرفها كل من مارس العمل الإداري أو السياسي، فما ألذي يجعلنا نتوقع نتائج مختلفه هذه المرة؟ عندما يقرر قائد إداري أو سياسي القيام بعمل أو نشاط ما يحتاج لتحديد الهدف،ثم وضع الاولويات، ثم إختيار الكادر البشري الكفء والمناسب للعمل وتحديد الادوات المطلوبة،فإذا حدد الزعيم السياسي وهو معروف دون تسميته ،الهدف فهل سينجح بوضع أولوياته وهو أمر يحتاج خبرة لا تتوفر لديه وقد يقول قائل يمكنه أن يستنجد بكفاءات من خارج إطاره الحزبي،فنقول لم يفعل ذلك طيلة تسلمه المسؤولية ولسنين طويلة لانه مسكون بفكرة الولاء بدل الكفاءة والأقربون أولى بالمعروف وقد فشلت فكرة الإعتماد على الكفاءات عندما حاول هو وغيره تطبيقها بسبب العقلية التي تتحكم به والبطانة المحيطة والنظام ألذي ينتمي له..يأتون بالكفاءة ويوظفوها ويعطوها المزايا المالية الملائمة ثم ما أن تبدأ (الكفاءة) بممارسة خبرتها حتى تصطدم برغبات الزعيم السياسي ومصالح البطانه،فياتي الحل بأن تعمل الكفاءة بإرشاداته وتعليمات البطانة!!

هل لهذا الزعيم أو زملاؤه خبرة بإختيار الكادر البشري للهدف المحدد؟بل هل هو معني أصلا بكادر بشري يلائم العمل؟ام هو يريد كادر بشري يعطيه الولاء وينفعه سياسيا؟

أيها السادة قادة العراق الحزين ورموز العملية السياسية،أنتم لا تملكون خبرة سياسية تؤهلكم لإدارة الحكم وليست لديكم كفاءة علمية ولا خبرات إدارية وأخيرا الفكر الذي تحملوه يمنعكم من التعلم وإكتساب الخبرة حتى لو بقيتم مائة عام بمناصبكم، فلماذا علينا أن نتوقع نتائج مختلفة من نهجكم وتفكيركم وشخصياتكم وخلفياتكم غير المؤهلة للحكم!!

تحسنت شروط العلاقة المالية مع شركات النفط اوائل خمسينات القرن الماضي فإنعكست في مشاريع كبيرة لا زالت شاخصة وفي مجالات الحياة الأخرى رغم طبيعة النظام الملكي التي كانت موضع إعتراض غالبية الشعب العراقي ،ثم جاء عبد الكريم قاسم وهو رجل عسكري بدون خبرة سياسية وإدارية فقدم خلال أربعة سنين ونصف إنجازات في مجال إعمار البلد هي اليوم مثابات بارزة يتذكرها العراقيون حتى سماه معارضوه تهكما وإستصغارا (أبو الفلك) رغم أن فترة حكمه كانت مضطربة ،لكنه كان أولا نزيها ليس له طمع شخصي في إمكانيات البلد المالية وهذه صفة أنتم بعيدون عنها،كما أنه كان محبا لبلده ولايملك مرجعية سياسية غيره،إضافة إلى أنه إعتمد على أصحاب الكفاءة والإختصاص ولم يحاول خلق اتباع أو مريدين سياسيين من خلال التوظيف أو توزيع المسؤوليات التي تترتب على المشاريع..

جاء البعثيون في العام ٦٨ وركزوا في سياساتهم على الجانب الأمني،كما أن إمكانيات البلد لم تسمح لهم بأن يعطوا إهتماما موازيا لإعمار البلد فالاولوية للبقاء في الحكم لكن ما أن إرتفعت اسعار النفط بعد حرب تشرين ١٩٧٣ حتى بدأت الامور تتغير وعجلة الإعمار تدور وهو ما أثمر بعد سنين قليلة عن عراق مختلف ومزدهر ، رغم أن البعث كان يفضل الولاء على الكفاءة ولكن بحدود وإعتمد بدرجة كبيرة على الحزبيين،وما أن وصلنا للعام ٧٩ وقبل أن يصبح صدام رئيسا حتى كان النظام التعليمي العراقي بحسب اليونسكو واحدا من أفضل الأنظمة التعليمية ويقترب من نظرائه في الدول الإسكندنافية، والنظام الصحي في العراق مميز وموضع تقدير من منظمة الصحة الدولية،ومحطات الطاقة الكهربائية تغطي حاجة البلد وتزيد،ولا مشكلة في مياه الشرب بل تم توفير تمديدات للسقي في بعض مناطق بغداد، كما توسعت شبكات الطرق في كل العراق إلى أن وصلت درجة غير مسبوقة في العراق والمنطقة،وعاش العراقيون في بحبوحة إقتصادية كان من مظاهرها تحسن رواتب الموظفين وتسهيلات كبيرة تقدمها الدولة مثل القروض الممنوحه للمزارعين وتوفير العمله الصعبه باسعار صرف مدعومه وميسره لاغراض عديده مثل الاستيراد والسفر لغرض السياحه او العلاج … الخ ، هكذا كان البعث الذي نمقته قبل ان يصاب صدام بجنون العظمه ويستجيب للمخططات الاجنبيه التي ارادت تحطيم العراق فدخل الخرب تلو الحرب وخطم منجزات الدوله العراقيه منذ تأسيسها وانتقص من سيادة واستقلال العراق وبدد ثرواته الى احتلاله بشكل مباشر وغير مباشر وهما ما نعاني منه لحد الآن .

ايها الساده الحاكمون وبالذات من لا زال لديه اهتمام ان لا يطاله عار تحطيم العراق واذلاله وافقاره ، لن تستطيعوا ان تخدموا هذه البلاد حتى لو اردتم فانتم تنقصكم الفكره والاراده والكفاءه والقدره والنظام ، وبقائكم في مراكزكم خطر على العراق كيانا واسما وشعبا وثروات ،فماذا انتم فاعلون