باختصار ديمقراطي: بُلبُل اتحاد الكرة!

Sunday 13th of February 2022 11:36:01 PM ,
العدد : 5126
الصفحة : الأعمدة , رعد العراقي

 رعد العراقي

تفاصيل صغيرة بعناوينها، كبيرة بتأثيراتها قد تمرّ مرور الكرام على مسامِع البعض، إلا أنها يُمكن أن تُربك العمل، وتهدِم البناء، وتستبيح الأسرار، وتخلق أجواء متوتّرة، وتُحرِج المؤسّسات الرياضيّة التي تستفيق يوميّاً على أخبار حصريّة تخترق أسوار حصانتها الأمنيّة، وحتى همسات موظّفيها، فلا أبواب مُغلقة ولا مداولات خاصّة، فالجميع تحت سياط الواشي الفتّان!

الأيام الماضية شهدت حراكاً إعلامياً بخصوص إجراءات ومناقشات المكتب التنفيذي لاتحاد الكرة لاختيار مدرّباً محلياً لمنتخبنا الوطني بديلاً للمدرب المُقال المونتينيغري زيليكو بتروفيتش، رُبّما يكون نموذج لما يجري من فوضى التدخّلات وانتهاك خصوصيّة العمل حين كانت الأخبار تتوارد بشكل سريع عبر القنوات الفضائيّة لتصبح مادّة دسمة للبرامج الرياضيّة في التحليل والنقد والاعتراض، تصل أحياناً الى حدود تجاوز التدخّل وفرض الآراء وإحراج الاتحاد ومحاولة دفعه ليكون في مواجهة الجماهير أو التشكيك بنواياه في طريقة وأسلوب المُفاضلة باختيار المدرّب!

المسألة بدأت تأخذ مدّيات كبيرة، وصلت حدّ التفاخر عند بعض مقدّمي البرامج الرياضية حين يُكرّر عبارة (مصدرنا الخاص من داخل الاتحاد) من دون ذكر اسمه! مُتجاهِلاً خطورة ما يدّعيه، وواضعاً كل أعضاء وموظّفي الاتحاد تحت شُبهة تسريب المعلومات بشكل سرّي من دون إذن رسمي، وكأننا أمام مهمّة تجسّسية تُدار من مكاتب الاستوديو التلفازي لها وسائل خاصّة في كسب (المصادر) واقناعهم في تزويدهم بكل تحرّكات الاتحاد حتى في الجلسات الخاصّة جداً لكنه بالتأكيد سوف يمتنع عن الإجابة عن سؤال مهمّ لماذا يتبرّع المصدر بارسال الاخبار الفوريّة لتلك البرامج ويُجازف باسمه ومنصبه ومن المفترض أن يكون مؤتمنا عن كل ما يدور في أروقة الاتحاد؟ هل الحالة عفويّة أم لمنفعة شخصيّة! وإذا كانت مسألة نقل الاخبار بتلك الطريقة لا تمثّل انتهاكاً لخصوصيّة العمل، فلماذا لا يُذكَرْ المصدر بالاسم والعنوان الوظيفي؟

رُبّما هناك من يستند في رؤيته الى أن الدستور والتشريعات منحت الصحافة والإعلام حريّة الوصول للمعلومة، وجعلت للصحفي حصانة تامّة في الحفاظ على المصادر الخاصّة به والامتناع عن كشفها، وهنا فإن من يذهب بهذا الاتجاه في تبرير ما يكشفه يوميّاً من معلومات بحجّة (سبق صحفي) لا يمكن أن ينطبق على الافعال التي دفعت المشرّع الى منح الصحافة تلك الحصانة القانونية، فهناك فرق بين كشف خبايا وقضايا تمسّ الصالح العام أو تسبّب الضرر له، وبين انتهاك خصوصيّة دائرة تمارس مسؤولياتها التي تتطلّب في بعض الاحيان المناقشة والتداول بسريّة وصولاً لقرارات مهمّة!

ليس من الضروري أن تكشف كل خطوة أو رأي يطرح وعلى مدار اليوم، وكأننا في سباق لإثبات أن هذا البرنامج أو ذاك هو الأنجح والأكثر قدرة على طرح المعلومة الصحيحة، حتى وإن تطلّب ذلك إرباك واشغال الشارع الرياضي بقضايا خارجة عن مسؤوليّاته، وبنفس الوقت وضع الاتحاد في زاوية ضيّقة وخانقة ربما تدفعه لاتخاذ قرار إرضاء الإعلام والجماهير أكثر من كونه قراراً عملياً وفنياً بحتاً!

الاتحاد الإماراتي لكرة القدم مثلاً أقال المدرّب الهولندي بيرت فان مارفيك بهدوء، وعيّن الأرجنتيني رودولفو أروابارينا من دون أن نسمع ما دار بين رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الشقيق من مفاضلة بين المدرّبين أو أن صحفيّاً انتهك سرّية ما يجري من مداولات حد التفاصيل المُملّة!

الغريب في الأمر هو سكوت الاتحاد على قضية تهمة وجود (مصادر خاصّة) داخل أروقة دائرته، ولم نجده يُحرّك ساكناً لمعالجة هذا الخرق سواء بالنفي أو التوصّل الى (البُلبُل الفتّان) الذي سبّب له الكثير من الاشكاليّات، وخلق أجواءً غير نقيّة أدّت الى تأزّم علاقاته مع الكثير من المدرّبين المحلّيين بين ساخِط على تجاهل طرح اسمه أو منتقداً اسباب استبعاده نتيجة المفاضلة مع مدرّبين آخرين!

هذا السكوت سيُجرّد الاتحاد مستقبلاً من أية خصوصيّة ويزرع الشكّ ما بين لجانه العاملة، ويفقدهُ الثقة بين الاعضاء أنفسهم، أما المكتب الإعلامي للاتحاد، فهو الآخر أصبح عاجزاً عن السيطرة على التسريبات التي ضربت كل أسس ودوافع وجوده وبات بنظر المُتابعين ناقلاً لاخبار ما تتداولهُ البرامج الرياضيّة بدلاً من أن يكون هو مصدرها الرسمي لكل المعلومات والحصريّات مثله كمثل العطشان والماء يجري من بين يديه!