الدولة والاسرة وازمة التربية والتعليم

Wednesday 18th of May 2022 11:34:52 PM ,
العدد : 5186
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د. عماد عبد اللطيف سالم

هل تخلّتْ العائلة والدولة عن مسؤوليّاتها الأخلاقيّة والتربوية(وإن بحدّها الأدنى)، في مواجهة هذا التردّي المريع في تعليم وتربية وثقافة جيلين(على الأقل)، أي منذ عام 2003، ولغاية عام 2022؟

في عيّنة من 300 طالب وطالبة، كان السؤال الرئيس هو: نعرفُ أنّكم لا تقرأون شيئاً ولا تكتبون شيئاً، ولا تُجيدونَ التعبيرَ(كتابةً ومحادثةً)عن أيّ شيء، وليست لديكم أيّة “اهتمامات” ذات قيمة وجدوى.. ولكن لماذا هذا التغيّب الكثيف عن الدوام والدروس والمحاظرات.. وهذا الإخفاق المريع في الإمتحانات، وهذه الصعوبة الجمّة في فهم المواد الدراسيّة مهما كانت بسيطة، وهذه “القطيعة” الحادّة والعميقة مع التدريسيين، وهذا النفور الحادّ من أيّ التزام(مهما كان، وأيّاً كان).. بل وهذا السلوك”العدواني”، وغياب الإنضباط، واستخدام اللغة الهابطة، إزاء أيّ “نصيحة”، أو مُحاولة لتعديل المسار التربوي و”السلوكي”، وامتداد هذا النمط من السلوك وطغيانه حتّى على تعامل الطلبة بعضهم مع البعض الآخر؟

أعرفُ الأجوبة”النمطيّة” عن هذه الأسئلة، ولستُ هنا في معرض إعادة سردها من جديد.. وأعرفُ أنّ هناك”استثناءات” في كلّ شيء، وليس في هذا المجال بحدّ ذاته، غير أنّني أتساءل هنا بفضولِ غيرِ بريء: أين هي العائلة، وبعدها “الدولة” من كلّ هذا الذي يحدث تحت أنظار الجميع، وكأنّ هذا الذي يحدث هو جزءٌ من “منظومة” العَيش الحاليّ في هذا البلد، و”ركن” رئيس من أركان الحُكم والإدارة، والعمل “السياسي” و “ القِيَمي- المُجتمعي”، بحيث أصبح كلّ هذا الخراب بديهيّاً، وباتَ مقبولاً و “مُبرّراً”، وكأنّهُ من “طبيعة الأشياء”؟

95‌% من الطلبة كانت أجاباتهم عن سؤالي الرئيس(وتفرعّاته الثانوية) تتلخّص بما يأتي:

- أنّهم مُتعَبون ومُحبَطون، وأنّ لا أمل في الأفق، وأن لا جدوى من الدوام والدراسة.

- أنّهم يُعانون من ظروف عائلية(وصحيّة ونفسيّة) صعبة لا يودّون الكشف عنها.

- أنتم”(وبالذات التدريسيّين من كبار السنّ)، ورغم الحروب المتتالية، و”الجُنديّة”، والحصار، والمسؤوليات الجِسام، والإذلال، والحرمان المتعدد الأبعاد.. عشتم حياةً أفضل من الحياة التي نعيشها نحن الآن.

- نحنُ مُكلّفون بالعمل لإعالة أسرنا.

- أمّا السبب الرئيس والأساس لكلّ هذا “التسرّب” و “التسيّب” وانعدام “الإنضباط”، فهو أنّ الجميع سوف “ينجَح” في نهاية المطاف، ولن “يَرسِب” أحد.. بل أن الطلبة على ثقة تامّة بأنّ” الدولة” لن تسمح بـ “رسوب” أحد، وأنّهُم يُعوّلون عليها لكي تستمِرّ في فعل ذلك، في مواجهة أيّة مُحاولة أو دعوة، لعكس هذا المسار الكارثيّ.. و المصيبة أنّ “أولياء أمورهم” يشاركونهم تماماً قناعتهم هذه.

- لا يفهم الطلبة أبداً أنّ هذا “السلوك” السلبي في التعلّم والدراسة، سيعيق “توظيفهم” أو ممارستهم للعمل مستقبلاً في أيّ مكان أو أيّ مجال، ولا يُدركون أبداً أنّ دراستهم ستؤدي إلى تعزيز مهاراتهم، وقدرتهم على إثبات كفاءتهم في سوق شديدة التنافسيّة، ومنحهم فرصة الحصول على أيّة أفضلية لكي يكونوا جزءاً من احتياجات سوق العمل، بل وأنّ معظمهم يستخِفّونَ بآراءٍ كهذه.والآن.. كم أب أو أمّ(أو وليّ أمر)، ذهبوا إلى كليات أبناءهم وبناتهم، وأستفسروا من التدريسيين عن أوضاعهم الدراسيّة(فقط، ولا شيء آخر).. ولو كان ذلك لمرّةٍ واحدة، كُلّ عام؟ من بين آلاف الطلاّب والطالبات الذين كنتُ مسؤولاً عن سير تدريساتهم طيلة ثلاثين عاماً(كرئيس قسم، ومعاونٍ للعميد، وعميد، ومساعد لرئيس الجامعة)، فإنّ عدد الآباء والأمّهات الذين التقيتُ بهم لهذا الغرض لايزيد عن الثلاثين، ولم يكن الهدف من نصف هذه اللقاءات هو الإستفسار عن السلوك الدراسي، بل عن أمور شخصيّة، لها صلة بظروف خاصّة للطالب، أو عائلته.

أين العائلة؟ أين الأبّ والأمّ؟ هل مايقولهُ الأبناء والبنات لأساتذتهم صحيح، أو دقيق؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا فعل “أرباب” الأسرة إزاء ذلك؟ هل تجاهلوه؟ هل يُدرِكونَ تبعاته وكلفته الباهضة عليهم(ماديّاً ومعنويّا)؟ هل هم “راضون” أم “مُتواطِئون”، أم هم لا يعرفون شيئاً على الإطلاق؟ وكيف يحدث كلّ ذلك دون عِلمهم أو إهتمامهم؟.. ولماذا لا يستفِزُّ ذلك”حِرصهم” و “سُمعَتَهم”، و”عاداتهم وتقاليدهم”، ومكانتهم الإجتماعيّة والإعتباريّة كآباء وأمّهات؟

تُرى أينَ، وكيفَ “يُبدّد” معظم الطلبة (بنيناً وبنات).. باستثناء القلّة التي تعمل لكسب العيش كما تدّعي.. أين يهدُر هؤلاء كُل وقتهم(وهو كثير)، إذا لم يكونوا قد إلتحَقوا بالدوام أصلاً، ولم يُنجِزوا أيّ واجب، ولم يحترموا أي التزام مهما كان بسيطاً؟

أمّا أنتِ عزيزتنا “الدولة”، فلن نضحكَ على أنفسنا بان نُقدّم لكِ مزيداً من “النظريّات” و “التنظيرات”، و “تجارب” العالم المُتقدّم في تحسين وتطوير “جودة” التعليم.

عزيزتي “الدولة».. إليكِ خلاصة الأمر.. وخُلاصةَ الحلّ:

عودي إلى “سياقات” عمل “منظومة” التربية والتعليم قبل سبعينَ عاماً(لكيّ نستعيد منظومة التربية والتعليم المفقودة، أو “البائدة”، أو التي ضاعت على يديكِ الكريمتين، قبل التفكير في “الجودة” و”الإعتماديّة” و “التصنيفات” الدولية، و”سكوباس” و “نيجر” و”كلارفيت”.. لأنّ “فاقِد الشيء، لا يُعطيه”) .