معالي الكلمة: رياضتنا.. بين التقييم والتقويم

Wednesday 1st of June 2022 11:41:08 PM ,
العدد : 5196
الصفحة : الأعمدة , عمار ساطع

 عمـار سـاطع

منذ زمنٍ طويل غادرت رياضتنا، بمختلف العابها وفعّاليتها، عملية التقييم الفعلية، والتي كانت تنتج عنها تصنيفاً وتنقيطاً، هي نتاج عمل موسمي تدخل ضمن أجندتها كل الفئات بمختلف الدرجات، وهو ما يعني أن هناك متابعة دؤوبة وشغف تنافسي ينطلق من الأندية الرياضية ويصل الى الاتحادات المعنية بكل لعبة!

نعم.. منذُ أعوام، ونحن لا نعرف كيفية الوصول الى هذه النقطة التي اعتبرها، نقطة تحوّلية شاملة، الهدف منها إعادة ترتيب أوضاع كل اتحاد رياضي، وصولاً الى الأندية شريطة أن تكون هناك ثوابت مُعيّنة من الضوابط التي يفترض أن تسري على الجميع بلا استثناءات، حتى يُمنح كلّ ذيّ حقٍّ حقّه!

أجل.. غادرتنا تلك الإرادة التي كانت تُحاكي المنجزات وتفرض شروطاً على أولئك الجاثمين أو الراكدين في بحرِ المنافسة من دون أن يعيروا أي اهتمام يذكر بالنتائج المحلية فيما بعد لتشكّل أساساً ونواة حقيقية للوصول الى تمثيل المنتخبات الوطنية في مختلف الميادين والأصعدة، وتُحفّز الواقع وتنقله من حالٍ الى حالةٍ أفضل.

هكذا كانت تجري الأمور، وبرغم ما واجهته رياضتنا والأجيال التي كانت تنبّض بالروحية العالية والضغوطات التي حاصرتهم وقلّة الدعم وفقدان الأرضية الصالحة، إلا أن العديد من المهتمّين بالشأن من أكاديميين متخصّصين ونجوم ظهرت في العقود الماضية وخلّفت إداريين ملتزمين ومدربين أكفاء، كان الاهتمام ينصبُّ على عملية التقيّيم التي سجّلت معها حقائق دامغة وأرقام مؤكّدة واحصائيات ومؤشّرات مهمة، بُنيت على أثرها حالة التصحيح في المسار والتعديل في الأطر العامة، مثلما أعطت أولويات واضحة في الاهتمامات يفترض أن تكون أساساً لبناء قاعدة رصينة للمستقبل سواء كان ذلك للألعاب الرياضية واتحاداتها أو الأندية الرياضية والفرق التي تمثّلها في الفعّاليات.

وفي الحقيقة.. فإن كثرة أعداد الأندية الرياضية والأرقام التي وصلت الى أكثر من 500 نادٍ رياضي في عموم البلاد، يجب أن يتم خصخصتها أولاً ومن ثم يتم تصنيفها وفقاً لجداول مُعدّة من قبل ذوي الشأن والاختصاص، من خبراء ومستشارين، فضلاً عن عملية التوثيق التي يجب أن لا تُغادر واقع الأمر، كونها تثبت كلّ شيء من أجل تسهيل الإجراءات التي ستكون العلامة الفارقة في عملية إعداد السجلات والقوائم وإعطاء معدّلات النجاح والفشل لكل نادٍ رياضي.

وبعيداً عن لغة التبريرات والمسوّغات التي قد يلجأ إليها الكثير من التابعين لإدارات الأندية الرياضية المؤسّساتية أو الأهلية، فإن أمر النتيجة النهائية يضعنا أمام مسؤولية الكشف عن الأخطاء بكلِّ تفاصيلها الإدارية والفنية وحتى المالية، ويجعلنا نجتاز حواجز وعراقيل كانت السبب وراء هذا التراجع الخطير الذي ضرب معاقل رياضتنا وأسّسَ لدخول أشخاص تعمّدوا في إيذاء رياضتنا على حساب انتعاش مصالحهم الشخصية.

أقول.. الاصلاح الفعلي يبدأ من أساس التوجّه الذي ترسمه الجهات الداعمة والإبقاء على هكذا حال يعني الاشتراك في عملية دهس رياضتنا والمضي في تشييع جثمان لم يكن بحاجة سوى الى الأوكسجين، وربما لن تقوم قائمة لرياضتنا في حال الإصرار على الابتعاد عن عناصر التقييم مع التأكيد على أن تكون العملية مجزّئة في البداية انطلاقاً من كلّ محافظة في محافظاتها ومن ثم الأخذ بتقارير المُقيّمين المستقلّين من كل الاتجاهات لضمان مسألة التغاضي عن الأخطاء التغافل الذي قد يزيد الطين بلة في حالة البدء بعملية التقيّيم الفعلية.

وفي تصوّرنا أيضاً أن عملية التقيّيم يجب أن تلدها خطوة أهم وهي عملية التقويم، وهي إيجاد النبض الفعلي لتراكمات ومشاكل عصفت برياضتنا وأدّت الى تدهور الحال، وخلقت فجوات وفوارق وأبعدت رموز كان همّهم تصحيح الأحوال وأتت بشخصيات مدعومة من أحزاب لأهداف سياسية خرّبت الرياضة ودفعت بِمَن هبَّ ودبَّ ليحصل على مقاعد إدارية في أندية واتحادات ويكون أداة وواجهة لتَفعيل الاصوات الانتخابية ونيل مقاعد برلمانية عبر تشكيل منصّات لكسب ودّ الشارع، بعيداً عن الهدف الأساسي وهو تحقيق المُنجز الرياضي.

وهنا لا يمكننا أن نُعمّم الحال، فالتعميم كان سبباً من أسباب التدهور الحاصل في رياضتنا، لكن الواقع يتحدّث عن نفسه بنفسه إذ أن السبب الرئيسي الذي تعيشه رياضة الوطن من واقع مزري، هو الإصرار على عدم التقيّيم ومن ثم التقويم الذي يجب أن يُفعّل، ويترك آثاره الحقيقية على المستقبل، وعليه يجب اتخاذ القرار الأهم وهو البدء بعملية تقيّيم لكل الاتحادات والأندية وصولاً الى أرضية تنقلنا مِنْ واقعٍ الى واقعٍ آخر!