البقاء خارج الزمن..

Monday 20th of June 2022 11:54:24 PM ,
العدد : 5209
الصفحة : آراء وأفكار ,

 سلام حربه

الزمن عملية تقدم الأحداث بشكل مستمر بدءاًً بالماضي مرورا بالحاضر وصولا الى المستقبل، هذا هو التعريف البسيط للزمن. حيث يوجد الزمن يوجد المكان ولذا فانهما متلازمان ومتحدان ويعرفان اختصارا بالزمكان. الزمن طاقة وهو ليس واحدا بل متغيرا بحسب البلدان وطبيعة الوجود البشري فيها وطريقة قياسه وزوايا النظر اليه، هناك الزمن التاريخي والنفسي والفيزيائي او التخيلي..

البلدان التي تعيش في الزمن هي من تخلق تاريخها بنفسها بفكرها الخلاق ووقائعها الاجتماعية ورموزها البشرية وتحافظ على هذا التاريخ/ الزمن من الاندثار والضياع وذلك بسحب الماضي الى الحاضر، لأن لا حاضر للبلدان بدون ماض معلوم، الاثنان يرسمان شكل المستقبل وهذا يتجلى عند الكثير من البلدان الراقية في تحنيط زمنها التاريخي وعرضه على شعوبها كما يحصل في المومياءات والفنون والكتابة وكل النتاج المادي والروحي المنتشر في كل معارض العالم والمتاحف ولكل المراحل التاريخية.

هذا التحنيط / التأبيد للزمن الغرض منه أن يبقى المجتمع بصياغاته الروحية والوجدانية والاخلاقية والفكرية متحركا ضمن الزمن الواعي ومتنقلا بين عصوره المختلفة. البقاء في الزمن تخلقه المجتمعات/ الأفراد ضمن النشاط الروحي والعقلي لها. أي ان الزمن هو صياغات روحية وعقلية تُبتكر من خلال الفعل الانساني وتعمل المجتمعات على توثيقه من خلال حفظ ابطالها الصانعين لهذا الزمن كما في مقابر الملوك العظام في الاهرامات والتماثيل والنقوش المقدسة المرسومة على الجدران وفي الكهوف.

الشعوب تبتكر كل السبل التي تستشعر زمنها الحيوي كما في الساعات المائية والذرية والرملية واليدوية وتعليق الأجراس المنبهه خاصة في الكنائس والأبراج كي تكون شاهدة على حضور زمنها التاريخي ووعيها في التقدم والحرية..هناك مجتمعات تعيش خارج الزمن لانها لم تسجل في تاريخها نشاطا عقليا، لأن التاريخ عقل والعقل تاريخ، وتخلق أحداثا ناجمة عن فعالياتها الروحية ولم تساهم مع الشعوب والمجتمعات الاخرى على التحكم بالتاريخ/ الزمن ليستجيب لنشاطها الحياتي والوجودي ويقتصر وجودها الساكن على اجترار الخرافات والاساطير التي انتقلت اليها من الأقوام الأخرى وتكون حجر عثرة للصيرورة الحضارية وفي سلّم التاريخ الصاعد، وهذا يحدث في المجتمعات التي تغرق بالأمواج الدينية الغريبة عن بيئتها الاجتماعية والتي هي نتاج لحركة مجتمعات عديدة اخرى صُهرت عقائدها ونصوص دياناتها نتيجة الاحتلال وموجات الهجرة في عقول مؤمني الاقوام المُحْتلة دون أن يكون لهم أي دور في صياغة مثل هذه النصوص وليس لها انعكاسا لروحهم التاريخية وقد البست هذه النصوص الدينية، حتى الارضية منها، لباس القداسة واصبحت هي الوقائع الحياتية الوحيدة التي لا تحتمل الجدل والنقاش. هذا الايمان الديني، غالبا ما يكون زائفا وخرافيا، يأخذ الانسان للعيش في عالم الغيب. هذا الغيب الذي ليس فيه لا زمان ولا مكان وكل احداثه تخيلية قائمة على الاساطير والاوهام والسرديات التاريخية التي يُجهل احيانا من الذي قام بها وفي أي زمن تاريخي وأي الامكنة التي حصل فيها هذا الحدث وهذه الواقعة، فيعمل هذا الايمان على قتل الروح البشرية لانها لم تعد مساهمة في صياغة تاريخها وخلق أزمنة فاعلة فيه. العلم يقول ان أي عضو لا يستخدم، حتى وإن كان لا ماديا، فإنه يضمر ويموت، ولذا تجد أن المجتمعات الغارقة في الايمان الديني ميتة سريريا وهي لا تستخدم العقل وتبقى خارج السياق التاريخي لأنها لا تمسك بالزمن ولا تستثمره في وقائع حياتها اليومية.

حين يكون الانسان غير فاعل ولا يستخدم قدراته العقلية فانه يتحول بمرور الزمن الى كائن غريزي معطل والمجتمع برمته يصبح استهلاكيا لا يقدر أن ينتج حاجياته المادية ولا أن يوفر المتطلبات النفسية لابنائه عندها يكون المجتمع خارج الزمن التاريخي وفعالياته، يدور لوحده في مجراته الخرافية بعيدا عن حركة المجتمعات الاخرى التي تستثمر الزمكان بشكل فعال من أجل الاندفاع سريعا للتكامل وتحقيق الذات الواعية والأبدية..معظم المجتمعات الاسلامية ومنها العراق يعيش حاليا خارج الزمن التاريخي لانها مجتمعات معطلة لا احساس للزمن فيها وتغرق في مستنقع ايمان كاذب سدّ عليها منافذ التفكير وكل ما تجتره مجموعة أوهام وخرافات وأساطير وملاحم مبالغ فيها وبطولات زائفة تم جمعها من ديانات سابقة كالهندوسية والبوذية والزرادشتية ووقائع يهودية مزورة ونصوص عديدة من الديانات الوضعية وقصص من هنا وهناك لتجمعات سكانية واقوام بدائية ظهرت واختفت عبر التاريخ، أصبحت كل هذه المواد الايمانية، الغريبة عن البيئة، قامعة ومشوشة فصلت المواطن عن واقعه وجعلته يعيش في فراغ سديمي منقطعا عما حوله، كائنا عقيما لا وجود له الا في حساب الكتل الفائضة التي لا قيمة لها..

الاسلام نتاج زمان تاريخي ومكانه الأرض العربية وقد ارتبطت مع ظهور الاسلام وقيمه الدينية والنفسية العالية حضارة وتقدم في هذه المنطقة وقف لها كل العالم مهابة واجلالا، لكن بمرور الزمن ووفاة الرسول الكريم وتفاقم الصراعات تكالبت على هذا الدين الاقوام الاخرى وهيمنت عليه وحشرت فيه كل معتقداتها الدينية والاسطورية ليتحول الاسلام في عصرنا الحديث الى ديانات جديدة ومذاهب لا علاقة لها بالدين الاسلامي في بداية الدعوة واختلف ايمان المسلم الساكن في الأرض العربية التي نزل عليها القرآن الكريم، والكثير مما يمارسه الآن طقوس وعبادات ووثنيات جديدة وفقه وشروحات لا علاقة لها بالاسلام بقيمه الاولى وجرى تحريف النصوص القرآنية بتأويلات المفسرين التي ما انزل الله بها من سلطان فتشوهت النفوس وتعطلت العقول واصبحت هذه المجتمعات العربية وكل البلدان التي اعتنقت الاسلام لاحقا فوضوية لا يحكمها قانون ولا عقل، تمجد الاكاذيب المقدسة وتحرض على العنف والكراهية وتصدر الارهاب الى كل بقاع العالم..أن تُقتصر الحياة على الايمان الغريب الفاسد وما يصاحبه من تعطيل للعقل ومُحاربة العلم ومنطقه التجريبي، هذا يعني بقاء المجتمعات خارج الزمن وخارج المعنى الحياتي..