المؤسسات الاهلية وتراجع بنية العراق السياسية

Tuesday 5th of July 2022 11:10:20 PM ,
العدد : 5220
الصفحة : آراء وأفكار ,

 لطفي حاتم

تركت المؤسسات الاهلية آثار جسيمة على تطور بنية العراق الاجتماعية وما رافقها من تغيرات فعلية تمثلت باستبدال قوانين الدولة بأعراف المؤسسات الاهلية وتحويل الصراعات الاجتماعية في التشكيلة العراقية الى نزاعات عشائرية.

ان تأثير المؤسسات الاهلية - السياسية الاجتماعية – تباينت على بناء دولة العراق الوطنية وصياغة تشكيلتها الاجتماعية.

انطلاقا من ذلك نسعى الى متابعة تلك التبدلات وتحديد تأثيراتها على تراجع الكفاح الوطني الديمقراطي وفق المحاور التالية:

أولا- نشوء الدولة العراقية وتشكيلتها الاجتماعية.

ثانيا- المؤسسات الاهلية والنظم الجمهورية.

ثالثاً— انهيار الدكتاتورية وبناء المحاصصة الطائفية.

تماشيا والرؤى المثارة نعمد الى دراسة مضامينها بكثافة بالغة.

أولا- نشوء الدولة العراقية وتطور تشكيلتها الاجتماعية.

بات معروفا ان الدولة الوطنية العراقية نشأت بإرادة خارجية مترابطة ومصالح الرأسمال البريطاني الوافد الهادفة الى ترسيخ بنية ادارية – اقتصادية خادمة لتطور الرأسمال الكمبرادوري الوافد. و تلازما مع نشوء الدولة العراقية ظهرت طلائع الطبقة العاملة العراقية في الموانئ والسكك الحديدة وشركات النفط الوطنية.وبسبب روحها الوطنية تميزت الطبقة العاملة العراقية بنزعتها السياسية المناهضة للهيمنة الأجنبية. ومناهضة الطبقة العاملة العراقية للكولونيالية السياسية ترابطت ورؤى أيديولوجية اعتمدها حزبها السياسي في كيفية الوصول الى سلطة الدولة السياسية وبناء دولة العدالة الاجتماعية.

من جانبها عملت الهيمنة الكولونيالية على صياغة تشكيلة اجتماعية عراقية تتناسب وصيانة مصالحها الاستعمارية عبر خلق طبقة اجتماعية موالية للرأسمال البريطاني بعد ان وزعت أراض الدولة على شيوخ العشائر وما نتج عن ذلك من نشوء طبقة اقطاعية مهيمنة في العلاقات الاجتماعية العراقية.

تميزت تشكيلة العراق الطبقية بعد الاحتلال البريطاني للعراق بنشأتها الخارجية ممثلة بالنشأت الخارجية للطبقة العاملة التي ظهرت بفعل مصالح الشركات النفطية والطبقة الاقطاعية التي تحولت من طبقة الوجاهة العشائرية الى طبقة اقطاعية مالكة لثروات وأراضي العشيرة.

التحول الاجتماعي السياسي رافق وعزز طبقة التجار التي أمست ركيزة سياسية اجتماعية للهيمنة الاستعمارية.

ثانيا- المؤسسات الاهلية والنظم الجمهورية.

أدى انتصار ثورة 14 تموز الى انهيار الهيمنة البريطانية على العراق واستبدال قوانينها الاستعمارية بقوانين وطنية أحدثت تغيرات سياسية - اجتماعية في العراق أفضت الى تغيرات في تشكيلة العراق الاجتماعية وفكرها السياسي حيت تطورت البرجوازية الصغيرة ممثلة بشبكة قادة المؤسسة العسكرية والكوادر العاملة في اجهزة الدولة الإدارية وما نتج عنها من تشكل تحالف سياسي بين كوادر أجهزة الدولة الادارية وبين شبكة الضباط في قيادة سلطة الدولة العراقية.

انتشار فكر الوطنية - الديمقراطية لدى الطبقة العاملة وحزبها السياسي فضلا عن تنامي الوطنية العراقية لدى الأحزاب السياسية الأخرى وإندلاع الصراعات السياسية بين التيارات الوطنية بسبب هيمنة الفكر الايديولوجي على كفاح القوى الوطنية المتصارعة.

ان الشعارات والاهداف التي كافحت الحركة الوطنية التحررية العراقية تحقيقها اتسمت بصبغة ايديولوجية تجسد بشعار الوحدة العربية الفورية رغم اختلاف البنى الفكرية – الطبقية لتشكيلات الدول العربية.

تغليب الجانب الأيديولوجي في الصراع السياسي لم يقتصر على القوى القومية وشعارها بناء دولة الوحدة العربية، بل شمل قوى اليسار الاشتراكي التي كانت تسعى الى بناء دولة الطبقة العاملة بغض النظر عن مستوى تطور طبقاتها الاجتماعية والقوى السياسية الفاعلة فيها.

ان الصراعات السياسية حول شعارات أيديولوجية لم تكن ذات ضرورة وطنية الامر الذي أدى الى وقوف القوى المتضررة من إجراءات ثورة تموز الوطنية وراء التكتل القومي وشعاراته المثالية. وأدت النزاعات الايديولوجية بين الأحزاب السياسية العراقية الى تكريس الدكتاتورية العسكرية في السلطة الوطنية وتمكن قادتها العسكريين من التحكم بنزاعات الاحزاب السياسية بهدف اضعاف الحركة الوطنية في حياة البلاد السياسية.

التغيرات الكبرى في الصراعات الوطنية اتسعت بعد استلام حزب البعث للسلطة السياسية اذ شكلت طموحاته السياسية الهادفة الى تحقيق شعار دولة عربية واحدة بما يتناسب ورؤيته الأيديولوجية.

ان تراجع الرؤى الاستراتيجية البعثية على الصعيد القومي أدت الى انكفائه للحفاظ على سلطته السياسية في العراق معتمدا على تأجيج النزعات الطائفية حيث استطاع تحجيم الجوار الايراني والحد من طموحاته الطائفية بالوصول الى السلطة السياسية.

ثالثاً- انهيار الدكتاتورية والمحاصصة الطائفية.

ان سنوات الديكتاتورية وحروبها الطائفية الخارجية – الداخلية أدت الى كثرة من التبدلات أبرزها:

- افضى استمرار الحرب الطائفية العراقية - الإيرانية الى تحفيز الطائفة الشيعية للعمل السياسي الهادف الى تعزيز سيادتها السياسية فضلا عن هيمنتها الفقهية وشعائرها الطائفية.

- تفكك قطاع الدولة الاقتصادي وتحويله الى القطاع الخاص وتنامي الشرائح البيروقراطية.

- تزايد اعتماد الدولة العراقية على القطاع النفطي وتحويلها الى دولة ريعية.

- تحالف الكوادر الإدارية والعسكرية الحاكمة وتشكيل طبقة كمبورادورية - بيروقراطية جديدة.

- التبدلات السياسية - الاجتماعية وانتشار الفكر الطائفي في تشكيلة العراق الاجتماعية افضت الى تحول سلطة الدولة السياسية الى سلطة إرهابية واسقاطها من قبل قوى الاحتلال الأمريكي.

- اسقاط الديكتاتورية البعثية بمساعدة خارجية افضى الى انتصار طائفي شيعي مساند من الجوار الطائفي وقوى الاحتلال الأمريكي وما نتج عنهما من تحويل النزاعات الاجتماعية الى نزاعات طائفية.

ان تقاسم أجهزة الدولة السياسية بين المذاهب والقوميات باتت خطرا على تطور الدولة العراقية يتمثل بـ:

أولاً- تحول النزاعات الطبقية الى نزاعات طائفية وما يسفر عنه من صراعات أهلية طائفية.

ثانياً- انتقال نزاعات التشكيلة الاجتماعية من نزاعات بين مصالح القوى الطبقية الى نزاعات بين تيارات الطوائف السياسية.

ثالثاً- تفضي التغيرات المشار اليها الى تراجع بنية العراق السياسية وحبس تطورها بالمصالح الطائفية.

رابعاً- تنامي ميول الديكتاتورية عبر انتشار الاضطهاد السياسي والطائفي ضد القوى الوطنية العراقية.

خامساً — تقود النزاعات الطائفية الى حروب أهلية وتعمل على أدامة الهيمنة الخارجية.

ان الموضوعات المثارة تفضي الى عرقلة بناء الدولة الديمقراطي وتفضي الى تدمير بنيتها السياسية – الاجتماعية.