الشرعية الدستورية في العراق على المحك

Monday 19th of September 2022 11:17:58 PM ,
العدد : 5267
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د. أحمد عبد الرزاق شكارة

إن تساؤلا كهذا لابد أن يسترعي أنتباه كل ذي لب وبصيرة لإنه مرتبط ليس فقط بتطورات الاحداث السياسية السريعة المتلاحقة التي تعقد المشهد العراقي جاعلة من الانسداد السياسي أمرا واقعا لمدد زمنية غير مبررة إطلاقا في نظام سياسي يفترض أن يكون ديمقراطيا مدده الدستورية حتمية وليست ظرفية

هذا من جهة ومن جهة أخرى من الضروري بل ومن الواجب الوطني للمسؤولين عن الدولة العراقية جميعا أن يتحلوا بالمسؤولية وبالايثار وبقدرة التجديد والابداع ومن ضمنها مواكبة التغييرات الهيكيلية البنيوية الاقتصادية – الاجتماعية والثقافية بل والجيوستراتيجية والتكييف معهاوصولا لعراق سيادي مستقل عزيز الجانب .

لعل بداية المقالتنطلق من إقرار رئيس السلطة القضائية القاضي فائق زيدان يوم السبت الموافق للعاشر من شهر سبتمبر / ايلول 2022 عجز القضاء العراقي عن معالجة الخروقات الدستورية التي خلفتها إنتخابات اوكتوبر 2021 بسبب بعض مواد الدستور وعلى رأسها في تصورنا المتواضع المادة 76 بتكليف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء هذا بالاضافة لنص دستوري سمح للثلث المعطل بتعطيل الحياة السياسية عقب انتخابات شرعية ناجحة بكل المقاييس اقرتها المحكمة الاتحادية والقضاء العراقي . إن التهديدات المستمرة للنظام الدستوري ستمهد - في حالة عدم إيجاد مخارج ملائمة دستوريا - لواقع غير متيقن من عواقبهالتي قد لاتسمحبحسن استغلال الفرص السياسية الملائمة وإستثمارها أستنادالإدارةرشيدةناجعة تنهي الانسداد السياسي المزمن مبشرة بمستقبل عراقي واعد . من هنا فإن مقال القاضي زيدان يجدر بأهل الحل والعقد في العراق الانتباه له جيدا وتحليل خطاب مضمونه مسألة جوهرية كونه يختص بضرورةرصد تداعيات دستورية وسياسية مستقبلية حيوية تحمل أنعكاسات على مستقبل النظام السياسي لابد معها إجراء تعديلات دستورية جوهرية إذا ما أريد أنجاح العملية السياسية – الدستورية في ظل مناخ سياسي – إجتماعي واقتصادي يسمحبإجراء إصلاحات حقيقية للنظام السياسي العراقي . مشهد حتى الان اوقع البلاد في المحذور إلا وهو تجاوز الخط الاحمر ممثلا بحالة الاقتتال بين ابناء الشعب الواحد في منطقة عدت آمنة خضراء ولكنها سرعان ما أصطبغت بلون الدم العراقي الغالي علينا جميعا مفتقدة الامن والامان.

لعل من المناسب عند مناقشة مسألة الشرعية الدستورية أقتباس ما يلي من اقوال مهمة جدا للقاضي زيدان مايلي : « إن الخروقات الدستورية أوالافعال غير المقبولة إجتماعيا وأخلاقيا لايمكن للقاضي مسأءلة مرتكبها سواءا مؤسسات أم أفراد إلا بوجود نص صريح يعاقب عليها وفق الشروط القانونية التي ينظمها النص الدستوري أو القانوني ، ومثال على ذلك أن القضاء يدرك تماما الآثار السلبية للخروقات الدستورية التي حصلت بعد الانتخابات التشريعية في تشرين الاول سنة 2021 المتمثلة بعدم الالتزام بالتوقيتات الدستورية في تشكيل السلطة التنفيذية بشقيها رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بحسب نص المادة (66) من الدستور”. أقرار ولاشك صريح مدوي أدان دور البرلمان العراقي في أنطلاق عملية تشريعية مثمرة وبالتالي سيكون له أصداء وتداعيات على المشهد السياسي المنتظر في العراق. هذا ومن منظور مكمل فإنه « رغم وضوح هذا الخرق الدستوري إلا أن القضاء لم يكن قادرا على معالجة هذا الخرق أومساءلة مرتكبيه بسبب عدم وجود نص دستوري يجيز له ذلك، وهذا ما لمسناه جليا في قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد 132 وموحداتها 17 دعوى إتحادية/ 2022 الصادر بتاريخ 7/9/2022 بخصوص دعوى طلب حل مجلس النواب ، و رغم أن القضاء يتفق مع المدعي في تلك الدعوى واقعيا بوجود خروقات دستورية مرتكبة من قبل مجلس النواب وشخص تلك الخروقات بشكل واضح إلا أن القضاء الدستوري رد الدعوى بطلب حل مجلس النواب لإن جزاء هذا الخرق (حل المجلس) أوكلته المادة (64) من الدستورإلى مجلس النواب ذاته بإن يحل المجلس بالاغلبية المطلقة لعدد أعضائه إما بناءا على طلب من ثلث اعضائه أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”. من هنا يجدر بالمطلع أوالخبيربالشأن الدستوري عموما والعراقي بخاصةفهموتحليل العبارة الطويلة المقتبسة آنفا بما لايدع مجالا للشك من أن مجلس النواب الذي لم يستطع عقد جلساته لمدد طويلة ولاسباب قد تكون مبررة واقعيا او أخرى لابد من كشف ملابساتها مستقبلا أوكلت إليه دستوريا وحصريا وفقا للفقرة الاولى من المادة (64) حل المجلس. علما بإن أنجازات المجلس في دورته الاخيرة لم تصل للحدود المقبولة وطنيا اللهم إلا في إطار أقرار قانوني تجريم التطبيع مع اسرائيل و الدعم الطارئ للامن الغذائي على أهميتهما للعراق وللعراقيين وفقا للظروف الراهنة الحرجة التي يمر بها العراق والمنطقة الشرق أوسطية.

إن اي كلام عن الشرعية الدستورية في العراق لابد أن يرتبط بالشرعية الشعبية التي تخص المطالب الاساسية التي تلبي إحتياجات كل الشرائح المجتمعية –التعددية التي يجب بالضرورة أن تتجه نحو الاعلاء من مقولة قيمة مفادها أن الشعب في أي نظام سياسي ديمقراطي هو مصدر السلطات وبالتالي فإن قيمة الديمقراطية التمثيلية الحقيقية للشعب العراقي يفترض أن تلعب دورا حيويا في إقامة تقاليد ديمقراطية سليمة وبناء النظام السياسي الجديد أستنادا لإطار ضامن تحميه دولة مؤسسات حقيقية رشيدة أوراشدة وليست دولة تذكي المحاصصة بجميع اشكالها ومضامينها المقيتة.لعل الامر الواضح وفقا لخبراء القانون أن تعديل الدستور وإن أضحى مسألة عاجلة لابد منها ولكنها ليست مستحيلة التحقق رغم صعوبة وتعقد مساراتها . من هنا أهمية إيجاد مخارج مناسبة للتعديل من خلال دور برلماني أكثر نشاطا وإبداعا يرسم خطوطه العريضة خبراء القانون الدستوري والعلوم السياسية. فمثلا أن موضوع الكتلة الاكبر التي تعكزت أو استندت عليها في راينا المتواضع بعض الكتل النيابية ضمن الاطار التنسيقي لتغطية فشلها الانتخابي أو عدم تحقيقها لنتائج باهرة بالامكان تعديلها وفقا لرأي الخبير القانوني ضياء الدين البديري من دون تعديل الدستور حيث بالامكان تعديل قانون الانتخاب : “ والاشارة إلى هذه الفقرة أشارة صريحة بإن تصبح الكتلة الاكبر عددا هي الكتلة الفائزة من حيث عدد نوابها”. علما بإن مثل هذا الامر يبقى صعب المنال نظرا “لإن الدستور العراقي من الدساتير الجامدة والجافة جدا، ولايمكن تعديله خصوصا مع نظام المحاصصة”. ترتيبا على ما تقدم يبدو من المناسب جدا أن تسعى الكفاءات القانونية – الدستورية حثيثا نحو رسم صورة قانونية موضوعية دستورية وطنية تخفف من غلواء وتطرف الواقع السياسي وإنعكاسه سلبا على مسار العملية الدستورية بصورة تثلب شرعيتها من جهة أوقد تدخل العراق في نفق الاحتكام إلى لغة الاقتتال الذي لايود أي عراقي أن ينجر إليه كما حصل في أحداث الخضراء المؤسفة مؤخرا والتي اضافت شهداء جدد لمسيرة وطنية لشهداء في مراحل سابقة. ولعل عدم تمكن الكتلة الصدرية بنوابها ال73 - الذين انسحبوا لاحقا من البرلمان –من إجراء التعديلات الدستورية المناسبة التي تعزز من الشرعية الدستورية لايمنع من اللجوء للشرعية الديمقراطية الوطنية التي يمثلها شعب منتفض على واقع مرير من تصاعد معدلات الفساد ـ البطالة والفقر المدقع وغيرها من تحديات حياتية ضمن إطار ظاهرةمقيتة من المحاصصة المجتمعية – السياسية التي ابعدت العراق عن مسار طبيعي لابد من إنطلاقه بقوة مرة أخرى من خلال تشكل كتلة الاغلبية الوطنية العابرة للمذاهب ، للاثنيات أوللفئوية القبلية أوالشخصية والجهوية .

السؤال الاخر المكمل الذي ننتظر أن تجلبه ثورة الاصلاحات السياسية – الدستورية يصب في الاجابة عن مايلي: هل لنا أو آن أوان أن نستعين بالدروس والعبر الناجمة عبر ال18 عاما الماضيةمن فشل العراق والعراقيون على مختلف انتماءاتهم في الوصول لمرحلة مقبولة من الاندماج الوطني أو حتى إلى درجة معقولة من مجتمع يمكن وصفه بالمتجانسالذي يحترم حالة التعايش السلمي – الثقافي بين مختلف فئات وشرائح وطبقات الشعب العراقي دون أحتكار لمراكز القوى السياسية والاقتصادية والمجتمعية بصورة تبين أن مايحدث في العراق هو مجرد عملية كسر إرادات على حساب الارادة الوطنية العراقية اي إعلاءا لمصالح فئوية – حزبية أو شخصية أو خدمة لمصالح دول الجوار الاقليمي على حساب مصلحة عراق واحد موحد السيادة يتمتع بهيبة يستحقها ابنائه من جميع ابناء الطيف الجميل المتنوع . علما بإن أنسحاب الكتلة الصدرية من العملية السياسية مقترنة بإعتزال السيد مقتدى الصدر العمل السياسي وإن وفرت للخاسرين من الاطار التنسيقي مقاعد الصدريين في البرلمان العراقي إلا أنها أبقت بنفس الوقت الباب مواربا لحوارسياسي مثمر مستقبلا يتم وفقا فرضية تحمل معها إجراءات بناء الثقة بين القوى السياسية الجديدة او التي تتبنى مشروعات لتغيير مناخات العمل السياسي إيجابياومن أمثلتها السماح بإجراء استفتاءات شعبية لإقرار القوانين والتشريعات أو ربما لتغييرات تبعدنا عن تقاليد وعرف المحاصصة التي لاتمت بصلة للدستور الراهن من امثلتها توزيع الرئاسات الثلاث وفقا للمكونات دون اعتبار كاف لمعيار الكفاءة. أخيرا لابد من الاهتمام بالحكم الرشيد الذي يحترم ويتعايش مع سياقات وطنية أطلقتها الكتلة الصدريةوفي موازاتها ثورة تشرين الشعبية والكتل المستقلة في البرلمان .