كلاكيت: هل كانت بغداد (بطل) في السينما العراقية

Wednesday 2nd of November 2022 11:15:18 PM ,
العدد : 5298
الصفحة : الأعمدة , علاء المفرجي

 علاء المفرجي

لم تحضر بغداد في السينما، كبطولة مكان.. او كموضوع متكامل.. فبعد اكثر من ستة عقود واكثر من مئة فيلم بقليل، لم تحضَ بغداد كمكان في الافلام العراقية بالأهمية التي نتمنى واقتصر حضورها كديكور خلفي يمكن الاستغناء عنه بمكان آخر.. بمعنى انه كمكان لم يتداخل وموضع الفيلم.. مثلما لم تنفعل الشخصيات والاحداث بالمكان.. الذي يمارس بدوره تأثيراً بوصفه شخصية لها ابعاداً وامتداداتها الاجتماعية والثقافية، بالشخصية او الحدث.

وباستعراض سريع للافلام العراقية سنجد انه حتى هذا الحضور السلبي بمعنى غير المؤثر لم تتوافر عليه الغالبية العظمى من الافلام العراقية، حتى تلك التي تدور احادثها في هذه المدينة..

وكان يمكن لبغداد كمكان ان تأخذ حقها السينمائي إن صحت التسمية بالطريقة التي خضعت بها روما لموشور فيلليني من خلال عدد من افلامه وربما في اكثر افلامه.. حيث ينجلي التاريخ تارة، والعلاقات الاجتماعية تارة اخرى.. بل وحتى جغرافية المدينة وشواخصها التاريخية..

او كما أخذت نيويورك من اهتمام مخرج عبقري آخر هو سكورسيزي.. فمعه ذهبنا الى ما قبل اكثر من مئتي عام عندما كانت المدينة (أعني هنا نيويورك) نهباً لعصابات القتل والتناحر المذهبي والعرفي.. ومعه ايضاً تجولنا في شوارعها الخلفية ووقفناه عند حاضنة الجرائم.. ومع الملل والأقوام القادمة من كل بقاع الارض، فعايشنا في كيواتها تقاليد واصول وثقافات ومع سكورسيزي اتعبنا النظر الى الأعلى حيث الابنية تخترق السحب وبالطريقة نفسها اصطحبنا وودي الن في عالم هوليوود المدينة والنساء والشهرة وايضاً الدسائس.

ولكن لم ينل مخرج سينمائي شرف ان يحفر في تاريخ بغداد او يبرز سحنة أبنائها.. او يقف عند نسيجها الاجتماعي او يستنطق شواخصها او يوثـِّق لرموزها.

ونحن نتحدث هنا عن السينما الروائية، ذلك ان السينما الوثائقية حاولت الاقتراب من كل ما ذكرنا.. ولكنها لم تقنعنا جمالياً او فكرياً.. الا باستثناءات قليلة، وربما يضرني هذا الاستثناء رائعة بسام لالوردي ورياض قاسم (حكاية للمدى)، حيث شواكة كرخ بغداد رمز من رموزها الشامخة (يحيى جواد) وفي جردة سريعة لبعض الافلام العراقية على امتداد تاريخ الفيلم العراقي، نستطيع ان نقف على حضور المدينة وان بشكل ديكوري كما أسلفنا.. فيلم (القاهرة- بغداد) الذي اخرجه احمد بدرخان بانتاج مشترك مع مصر صورت مشاهد قليلة منه في بغداد، لكننا في فيلم (مَن المسؤول) المنتج عام 1975 بتوقيع المخرج عبد الجبار توفيق ولي عن رواية للكاتب العراقي الرائد أدمون صبري نقف عند صورة جميلة لبغداد في عقد الخمسينيات، تتجلى منها تفاصيل اجتماعية واقتصادية كثيرة.. والامر ينطبق ايضاً على فيلم (سعيد افندي) للمخرج كاميران حسني.. واختار المخرج الراحل عبد الهادي مبارك تصوير اغلب مشاهد فيلمه (عروس الفرات) عام 1958 في مناطق مختلفة من بغداد..

لكننا مع فيلم (الجابي) للمخرج جعفر علي.. نتعرف على تفاصيل الحياة اليومية في بغداد الستينيات، حيث نماذج بشرية مختلفة تلتقي في (باص) للنقل الداخلي.. وهو فيلم حاول التقاط صورة لشكل العلاقات خلال تلك الفترة..

وبسبب موضوع الرواية المعالجة، وهي رواية (5 أصوات) للروائي الكبير غائب طعمة فرمان، فان فيلمه (المنعطف) الذي اخرجه جعفر علي وكتب السيناريو والحوار له نجيب عربو مع الشاعر صادق الصائغ.. هو اكثر الافلام العراقية التي تتجلى بها المدينة مكاناً وحدثاً.. فمن خلال الشخصيات الخمس في الفيلم نتعرف على الملامح السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمدينة.

نخلص الى ان بغداد لم تكن كمكان وحدث موضوعاً لفيلم عراقي على الطريقة التي استعرضنا بها أفلاماً لمدن حملت تواقيع مخرجين كبــار.