يوم فـي جبهات كركوك.. كيف يواجه خورشيد عبد الرضا؟

Wednesday 5th of December 2012 08:00:00 PM ,
العدد : 2667
الصفحة : سياسية ,

لم يعرف عبد الرضا، من أهالي الحلة، أو خورشيد الذي يسكن في أحد جبال السليمانية، أنهما سيوجهان البنادق الى صدور بعضهما البعض بعد تغيير النظام في العام 2003، مع أن ابويهما، او جديهما، ربما يكونان قد تقاتلا فعلا على مر عقود من الصراع العربي الكردي.

وعلى الرغم من أن وصول حكومتين منتخبتين الى دفة الحكم في وبغداد أربيل كان يفترض ان يبعد شبح الاقتتال العراقي – العراقي، الى الابد،  خاصة وأن الزعيمين كانا زميلين، لعقود، بين الصفوف المعارضة لحكم صدام الذي عادى الكرد والشيعة، فإن السلطة كما يبدو كان مفسدة لعلاقات الصداقة، بل حتى أن حليفي الأمس باتا يتفننان في طرق إقناع جنودهما بحمل السلاح في وجه بعضهم البعض بطرق تنوعت من الولائم الدسمة الى حفلات الطرب الساهرة بين الثكنات.

خورشيد: مستعدون للموت من أجل كركوك

فعلى جبهة قتالية استحدثتها قوات البيشمركة قبل أيام قليلة على تخوم مدينة كركوك، كان خورشيد مصطفى يحمل البرنو (بندقية تشيكية قديمة) ويتمنطق بزيه الكردي المطرز بشعارات البيشمركة فبدا وكأنه واحدا من مقاتلي الستينات، لكنه يؤكد أنه شاب "عصري"، وقد خلع الجينز قبل انطلاقه من أربيل إلى كركوك مع رفاقه في البيشمركة.

ويقول خورشيد في حديث إلى (المدى برس) إن "النداء القومي كان قويا" في كردستان، فترك كل شيء وراءه والتحق بالقوات الكردية المتمركزة على تخوم كركوك، ليدافع عن "وجودنا القومي والتاريخي في قلب كردستان كركوك التي تمثل لنا  نقطة البداية والوجود القومي".

ويضيف خورشيد بالبهدينانية (لهجة سكان السليمانية)، "نحن رضينا بالدستور العراقي لأنه المثال الحي لمعالجة مشاكلنا وضمان كردستانية كركوك".

ومع أنه يتحدث عن الموت والتضحية بثقة فإن خورشيد كان مع رفاقه يضحكون ويطلقون اناشيد حماسية، ويلفت إلى أن الكثير من المشجعين من أهالي محافظات الإقليم وكركوك يتوافدون على معسكرهم لإبداء الدعم ويوضح بالقول "كل على طريقته يعبر عن دعمه ودفاعه عن أرض كردستان". مطربون مشهورون من أوروبا لدعم البيشمركة ويكشف عنصر البيشمركة خورشيد أن الحماس القومي لم يكن فقط لدى سكان الاقليم من الكرد ويلفت إلى أن المطرب (شفان برور) المغني الكردي الشهير الذي يقيم في اوروبا، انضم الى جهود الترفيه عن الجنود الكرد المتمركزين منذ شهر تقريبا على التخوم الشمالية لمحافظة كركوك، ويوضح بالقول "المطرب أقام لنا حفلا هنا وقد دب الحماس بنا جميعا". ولم يكن مجيء هذا المطرب من أوروبا إلى جبهة عسكرية في كركوك بالقصة العابرة فالحزب الديمقراطي الكردستاني، التابع لرئيس الاقليم، أكد ان (برور) لم يأت للإنشاد فحسب بل "اعرب عن استعداده للقتال ضمن صفوف البيشمركة"، إذ ينقل الحزب عن برور قوله "انا الان مثلكم وجئت لأقول لكم انا ايضا بيشمركة وسأقاتل بجنبكم". ان اسلوب استقدام المطربين والمشاهير الى ساحات القتال، استخدمته القوات الاميركية بكثرة خلال الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام وحرب الخليج وحرب العراق الاخيرة، ويبدو انه ينجح مع المقاتلين الكرد ، لأن خورشيد يؤكد "اذا اجبرنا للدفاع عن كركوك وضمها للإقليم فإننا سنفعل، وسنموت من أجلها فنحن لم نأت للراحة بل من أجل قضية وثورة شعب كردستان". برور لم يكن المطرب الوحيد الذي يزور البيشمركة لدعمهم معنويا و"غنائيا"، فقوات مغاوير البيشمركة (هيزي تيبت) الذين يقودهم منصور البارزاني نجل رئيس الاقليم، والتي وصلت الى كركوك قبل أيام قليلة مع 350 مركبة مختلفة الأنواع من مدرعات ودبابات وآليات، لم تنس استقدام المطرب الكردي المشهور بلند ابراهيم، لإلقاء "أناشيد وأغاني حماسية قومية مجدت برئيس إقليم كردستان وكردستانية المناطق المتنازع عليها وعززت السماحة في نفوس الكرد"، بحسب ما يقول امر لواء البيشمركة في كركوك اللواء شيركو فاتح لـ(المدى برس). ويذكر موقع الالكتروني للحزب الديمقراطي الكردستاني أن "شخصيات سياسية واجتماعية من مناطق مختلفة تتوافد على مواقع البيشمركة هناك للقاء القادة العسكريين".

وعلى الجانب الاخر وبلهجة أهل الحلة يجيب عبد الرضا جاسب (21سنة) على سؤال حول كيفية شعوره قبل أن يصل الى قرية (تل الجول) العربية التي يتمركز فيها مقر الفوج الثالث من الفرقة 12 من الجيش العراقي، قائلا "حسيت بخوف". ويضيف "حينما توجهنا لتنفيذ الامر العسكري بالتوجه الى هذه المنطقة خفت من الاستهداف من قبل هذه المنطقة التي شهدت نشاطا لتنظيمات تكفيرية والقاعدة". ويقول عبد الرضا "لم أنم لليلة كاملة، توقعت أن يطردوننا او أن يتظاهروا ضدنا".

لكن هذا لم يحدث، فعلى الجانب الاخر من كركوك شحن معنوي من نوع مختلف كما يبدو، وتفاصيل يوم عبد الرضا يلخصها بالقول "استيقظ عند الرابعة فجرا واتجه للصلاة في مسجد الشيخ سامي العاصي برفقة أهالي القرية وعدد من رفاقي". ويؤكد عبد الرضا ان اهالي القرية لايقبلون "ان أخرج قبل تناول الفطور معهم فاجيبهم (اغاتي والله ريوكنا موجود بالسريه) لكنهم يصرون ويرحبون ويسألونني عن اهالي الحلة  التي انتمي اليها". ويضيف عبد الرضا وقت الظهيرة أكون مخيرا بين الغداء مع زملائي من طعام الجيش او اتوجه لمضيف الشيخ الذي يبعد عن موقعي اقل من 1000 متر". ويقاطعه جندي آخر هو عباس من اهالي محافظة ميسان "لسنا بحاجة لطعام الجيش لان كل من يمر من نقاط التفتيش يزودنا بالخبز والخضر والطعام" مضيفا ان "المعاملة هنا افضل من المعاملة في مناطقنا فالكل يحترمنا ويدافع عنا ويمد الينا يد المساعدة".

ويعود عبد الرضا للكلام "وجدنا الروح العربية تطفو فوق الخلافات والصراعات وحتى الارهاب لا وجود له بين المتحابين، والجيش يشعر باطمئان في أي مجتمع جذوره عشائرية".

ومع هذا فإن الكرم ليس هو السبب الوحيد للخدمات المقدمة من اهالي القرى العربية، يقول عبد الله العاصي، وهو من شيوخ عشير العبيد، في اشارة ضمنية تشير ببلاغة الى سبب الترحيب بالجيش "كيف لا نحترمهم وهو  يستقبلوننا في سيطراتهم (اتفضل اغاتي) وهي كلمة حرمنا منها منذ اعوام". ومع هذا فإن الاوضاع السياسية في اربيل تبدو اقوى مما هي عليه في بغداد، فالرئاسة الكردية تقوم بجهود سياسية مضنية لتوحيد وجهات النظر داخل الاقليم، وهو ما يبدو انها تنجح فيه بشكل كبير، وليست اغاني المطربين الكرد وحدها مايبعث الحماسة، بل أن التصعيد العسكري الاخير بث روحا قومية كانت كافية، كما يبدو، لدفع الكرد الى نسيان الخلافات الداخلية، او تناسيها.

اما في بغداد فإن الوضع مختلف بشكل كبير، فالتحالف الشيعي – الكردي، وهو عماد الحكومة، تعرض الى نكسة بسبب تصريحات رئيس مجلس الوزراء العراقي نوري المالكي، والسنة العرب، منقسمون بين تأييد المالكي لاسباب قومية وتأييد الكرد لاسباب طائفية او سياسية، وكثير من الشيعة صامتون رغم ان زعيم التيار الصدري قد وجه انتقادات لاذعة لمواقف المالكي واستخدامه الجيش في حل الخلافات السياسية. اما خورشيد وعبد الرضا، اللذين يمكن لهما، حتى الآن، ان ينزلا معا الى بغداد او اربيل في أي وقت كصديقين، فهما يقولان انهما مستعدان "للقتال" حتى الموت في سبيل ما يعتقدانه.