جاسم العبودي.. أخلص لفنه فمات غريباً ومنفيّاً ومنسيّاً

Friday 7th of December 2012 08:00:00 PM ,
العدد : 2669
الصفحة : منوعات وأخيرة ,

في اطار الاحتفاء بالرموز الثقافية العراقية أقام بيت المدى في شارع المتنبي حفلا استذكاريا للمسرحي الراحل جاسم العبودي بحضور عدد من الادباء والمثقفين والصحفيين.
الفنان جاسم العبودي يعد أحد رواد المسرح في العراق والوطن العربي، درس المسرح في -كودمن شياتر- في الولايات المتحدة، وفي بعثة رسمية بعد تخرجه من فرع التمثيل بمعهد الفنون وكان من المتميزين ضمن دفعته في نهاية الأربعينيات، وفي عام 1954 اسس فرقته (فرقة المسرح الحر)، وقدم للمسرح العراقي الكثير من التجارب الطليعية ابرزها مسرحية البخيل لمولير وعطيل لشكسبير وحفلة سمر من اجل خمسة حزيران لسعد الله ونوس وكلهم ابنائي لآرثر ميللر كما ساهم العبودي في تقديم اولى تجارب يوسف العاني في التأليف المسرحي من خلال مسرحية "ماكو شغل".

سامي عبد الحميد: علمان ماهي حرفة التمثيل
الاستذكار قدمه الإعلامي لطيف جاسم حيث ابتدأه بالحديث عن تجربة الراحل في مجال الفن والتدريس بعدها تحدث الفنان الكبير سامي عبد الحميد الذي قال: اعترف بأنني احد تلامذة العبودي ودرست على يديه فن المسرح في معهد الفنون الجميلة ولكنني اعترف أكثر بأننا جميعا قصرنا في حق هذا الرجل الذي كان مجددا في مجال الإخراج والتمثيل المسرحي، واسترجع عبد الحميد ذكرياته مع العبودي قائلا "عند دخولي معهد الفنون الجميلة مع صديقي الفنان الكبير يوسف العاني كان الأستاذ الراحل حقي الشبلي هو مدير قسم التمثيل في المعهد، وكان الشبلي يقدم لطلبته قوالب جاهزة عن التمثيل وهذه الطريقة انتقلت إلى أساتذة آخرين لم نتعلم منهم شيئا جديدا عن حرفة المسرح.. ولكن عندما جاء جاسم  العبودي من أمريكا قدم طريقة للطلبة وأنا منهم، كانت طريقة جديدة لفن التمثيل وهي طريقة ستانسلافسكي والتي أصبحت فيما بعد تدرس في جميع معاهد فن التمثيل في العالم، وتعتمد هذه الطريقة او النظرية على ما يسمى بالواقعية النفسية أي أن الحياة الداخلية للممثل هي التي تنعكس على المظهر الخارجي له".
وتابع عبد الحميد أن "هذه الطريقة لإعداد الممثل وبناء شخصيته الدرامية طريقة جديدة لم نعرفها نحن من قبل الذين درسنا على طريقة حقي الشبلي التي تهتم بالمظهر الخارجي ولهذا -والحديث لعبد الحميد- انبهرنا بالعبودي الذي صمم أن يقدم طريقة ستانسلافسكي على احد تجاربه المسرحية فاستضافته فرقة المسرح الفن الحديث ليقدم مسرحية ماكو شغل للفنان يوسف العاني وهي أول مسرحية تخرج ضمن مفاهيم واقعية ستانسلافسكي.
ويضيف عبد الحميد أن "مسرحية (الحقيقة ماتت) كانت أول عمل مسرحي يخرجه لطلبة معهد الفنون الجميلة والتي ألفها كاتب فرنسي، وكنت أنا احد الممثلين الرئيسين فيها، والتي استخدم فيها العبودي ولأول مرة المنظر المسرحي الواقعي للأبعاد الثلاثية في المسرح العراقي، والذي لم يكن معظم المسرحيين يعرفون عن هذا المنظر شيئا".
وتابع عبد الحميد "للأسف لم يكتب العبودي تجربته المسرحية ولم يقدم لنا دراسات أو ترجمات عن طريقة ستانسلافسكي فقد كان مهتما بالدرس المسرحي وأيضاً بتقديم أعمال مسرحية شكلت حضورا مهما على خشبة مسرحنا العراقي، ويختتم عبد الحميد قوله إن العبودي لم يحظ بالعناية والدراسة وأيضاً عانى في أيامه الأخيرة من إهمال السلطة له مما اضطره للهجرة إلى أميركا التي توفي فيها في بداية التسعينيات ليغلق الستار على مرحلة مهمة وثرية من تاريخ الفن في العراق.

عقيل مهدي: فنان بامتياز
ثاني المتحدثين كان الدكتور عقيل مهدي الأستاذ والمخرج المسرحي المعروف والعميد السابق لكلية الفنون الجميلة الذي تحدث عن تلمذته على يد العبودي وتأثره بمنهجه الإخراجي قائلا: للاسف عانى استاذي العبودي من ظلم كبير في حياته وبعد مماته، فقد كان يتهم بأنه جزء من السلطة فيما الاعمال التي قدمها كانت ضد السلطة بكل أشكالها، وأضاف مهدي "للفنان العبودي فضل في تصحيح الوضع السائد في طريقة    الأداء (التقليدية) في المسرح العراقي إذ يمكن الإشارة هنا من باب التذكير فقط إلى الأداء الخطابي الذي اعتمده حقي الشبلي آنذاك.  وفي التقنيات المسرحية مارس عددا من الآليات التي برهنت على لمساته الباهرة التي أفاد منها تلامذته وواصلوا بناء على تشكيلاته الإبداعية، وبصريا يمكن أنْ نتوقف سريعا عند توظيفاته في مجال الإضاءة.  فقد وظف الإضاءة في تعزيز الإيهام المنظري عبر مساقط منوعة كان يستهدف منها قيما بصرية بوصفها مفردات دالة بمحتوى ومضامين تفسيرية حاملة لرسائل دلالية ملموسة.
وألغى الفنان العبودي من ديكوره المنظر المرسوم على الخلفية مطوراَ  ذلك إلى المنظر بوصفه بيئة مجسَّمة مستخدما لهذا الغرض الكتل والأجسام.. كما يمكن للمتلقي أنْ يجد قراءات مهمة تدخل في خطاب العرض المسرحي الذي يديره المايسترو العبودي. فكانت لقطع مناظره معانِِ ودلالات متنوعة غنية تضيف لدلالات الحوار الدرامي ومعطياته ومحتوى الرسالة فيه..   فهي رموز مُفسِّرة,  فالعجلة على سبيل المثال تدل على الزمن كما في بعض مسرحيات قدَّمها والشمعة تشير إلى الفكر وما إلى ذلك من مداليل يمكن الاستدلال عليها من السياق وتداعيات لغة المفردات البصرية ومعجميها العام المستدعى من الذاكرة الجمعية والخاص المقروء في إطار معطيات خطاب العرض ذاته.
وأشار د.عقيل الى ان العبودي كان ذا حس فني عال وهو فنان تشكيلي بامتياز يرسم المنظر المسرحي ويحدد أبعاده.. ومن المثير أن اذكر أن شعار نقابة المعلمين في عام كان من وضعه 1964.
وتلاه في الحديث عن العبودي الخبير القانوني طارق حرب والذي بين أن موقفه سلبي مع الفن والمخرجين، ولكن العبودي من الفنانين  المبدعين الذين يستحقون الحمد والثناء، وأضاف ان للسينما والمسرح تأثيرا كبيرا في الجمهور لذلك يجب الاهتمام بهذا الفن، وأعرب حرب عن أمله في أن يكون حال السينما والمسرح والثقافة في العراق أفضل مما هو عليه الآن، مشيرا إلى أن رواد الفن في العراق يستحقون أكثر من استذكار وأكثر من احتفاء.

فيصل المقدادي: كان صاحب تجربة مثيرة
آخر المتحدثين الفنان المغترب الذي تحدث عن ذكرياته مع الفنان الراحل بالقول "أتشرف اني درست أربع سنوات على يده وكان مسؤول اللجنة المشرفة على مشروع تخرجي، اذ قدمت مسرحية أميركية يسارية أثارت الكثير من الإشكاليات السياسية الا ان الراحل وافق عليها ودعم مشروع تخرجي.. واضاف المقدادي "غلب على العبودي الجانب الفني الخالص المبدع، عملت معه في مسرحية سعد الله ونوس، حفلة سمر من اجل خمسة حزيران وكانت تجربة مثيرة ورائدة آنذاك، وكان يسعدني ان أشاهده كيف يخرج الاعمال المسرحية.
وفي ختام مداخلته طالب المقدادي بتكريم الفنانين والمبدعين وبين أن الفنانين في مصر وفي الدول الأوربية لهم امتيازات عالية عكس الفنان العراقي الذي يعاني باستمرار من الاهمال، ولهذا يجب ان يحترم ويكرم  الفنان في حياته وليس بعد مماته، وان تقدم له امتيازات مادية معنوية  لكي يتفرغ للفن ويجب ان تكون لهم مكانتهم في وزارة الثقافة وزارة التعليم العالي.