يحدث في دولة مختار العصر فقط

Tuesday 15th of January 2013 08:00:00 PM ,
العدد : 2701
الصفحة : الأعمدة , علي حسين


مثل غيري من ملايين العراقيين المغلوبين على أمرهم  شاهدنا كيف استطاع القضاء المصري ان يقف في وجه  سلطة الرئاسة والحكومة .. واليوم  تحسرت على حالنا جميعا وانا اقرأ الخبر الذي بثته وكالات الأنباء والذي جاء فيه ان القضاء الباكستاني  امر  باعتقال 16 شخصا، من بينهم رئيس الوزراء، وأصدر القضاة  توجيهات إلى السلطات المختصة بإحضار رئيس الوزراء  أمام المحكمة بتهمة تقاضي رشاوى في مشاريع استئجار محطات الطاقة.. وحتى كتابة هذه السطور لم يخرج احد من حزب رئيس الحكومة الباكستانية يتهم القضاء بتنفيذ اجندات اجنبية.. ولم يرفعوا صور رئيس الوزراء ويطلقون عليه لقب مختار العصر .. ولم يصفوا معارضيهم بالخونة.
المعارضة  الباكستانية من جانبها نظمت مسيرات حاشدة في العاصمة إسلام آباد تنديدا بالنخب السياسية التي تملك الاراضي والصناعات والتي تصادر السلطة على حساب أعداد كبرى من الشعب تعاني من الحرمان.. طبعا لم يخرج عليهم رئيس الوزراء ليصفهم بالفقاعات.. ولم تنقل لنا الفضائيات منظراً لمسؤولين وسياسيين يحشدون لتظاهرات يصرف عليها من أموال الشعب.
أخطاء كثيرة ارتكبها مسؤولون سابقون وحاليون ولن نسمع أن القضاء تدخل وطالب بمحاسبتهم، الناس اليوم فقدت القدرة على الحلم، لتصبح المحصلة كما نرى ونعيش، وطنا يأكل بعضه البعض، وغبارا كثيفا يحجب المستقبل عن أبنائه، ورغم كل ذلك لا يزال مسؤولونا الذين أوصلونا إلى هذا المصير مصرين على أنهم أصحاب التغيير، وان من حقهم ان يسرقوا من المواطن حريته وكرامته بعد أن سرقوا منه أمنه وحاضره ومستقبله وثرواته.
سياسيونا ومسؤولونا يتحدثون ليل نهار عن القانون والعدالة ومخافة الله ومصطلحات ضخمة كبيرة، لكن 99٪ منهم تقريباً لا ينفذ شيئاً مما يقوله ..  العديد منهم  شعاره الرئيسي ليس الدفاع عن مصالح المواطن وإنما لإرضاء كتلته السياسية، الجميع تقريبا يتغنّى صباح مساء بالقانون، لكنه لا يطبقه.. هو يحبه شرط أن يطبقه الآخرون فقط، لكن عندما يقترب منه يصبح القانون والحق والمواطنة مجرد وجهات نظر.
بحّت أصوات العراقيين، مطالبة بالكف عن هذا المخطط الشيطاني لتحويل العراق إلى دولة من العصور الوسطى، وبأن يمتنع المسؤولون عن معاملة البلد كإقطاعية  خاصة بهم، يستخدمون  إيراداته  لتمويل حملاتهم الانتخابية ومشاريعهم الشخصية، بحت الأصوات مطالبةً بأن يعاقب بالعزل رؤساء بعض مجالس المحافظات  لأنهم استخدموا  مواهبهم في التهريج والرقص على كل الحبال.
تكررت هذه المطالبات وأمثالها سنوات، فكان الرد الوحيد هو مزيد من الصلف والغطرسة والإمعان في الإثم، الفجوة في المعيشة  تزداد، والبطالة تنتشر، والانتهازية أصبحت شعارا سائدا ومروجو التزوير والرشوة أصبحوا في مقدمة المشهد، والفاشلون يعاد تعيينهم بأموال طائلة.
لو سألنا اليوم اي مواطن عراقي عن رأيه وهو يسمع ان القضاء يصدر امرا باعتقال رئيس الوزراء  فقد يموت قهرا أو ضحكا، أما لو سألت أي مسؤول عراقي عن رأيه لسارع على الفور باتهام القضاة بأنهم اما سذج او مجانين، ففي العراق لا تستطيع ان تستجوب وزيرا ينتمي الى ائتلاف دولة القانون ويجد البرلمان نفسه عاجزا ان يواجه استفسارا لوزير مقرب من المالكي، فكيف يستطيع قاضٍ أن يحاسب رئيس الوزراء .. في العراق يُلقى القبض على واحد من أهم الكفاءات المالية والاقتصادية – الدكتور مظهر محمد صالح – فيما مسؤولون من عينة الدباغ متهمين بسرقة أموال الشعب نراهم يحتفلون بأعياد رأس السنة في أبراح دبي.
في اليابان، اعتاد بعض المسؤولين قتل أنفسهم على طريقة الكاميكازي لأنهم لا يستطيعون مواجهة الناس والمجتمع بعد فشلهم في أداء ما هو متوقع منهم، أو افتضاحهم في قضايا فساد.
لو طبقنا طريقة الكاميكازي في العراق لاختفى أكثر المسؤولين ، لأن الأصل عندنا هو الفساد، والنزاهة هي الاستثناء.
في دولة "مختار العصر" لدينا إعلام يوجه أطنانا من تهم الفساد كل لحظة للعديد من المسؤولين، لكن معظمهم يطبقون حكمة " لا أرى لا أسمع لا أتكلم " ومفادها ترك الإعلام يتحدث كما يشاء حتى لو كان الفساد مقرونا بوثائق، بل إن بعض الفاسدين يتباهون علنا بفسادهم.
وحتى إذا استبعدنا انتحار المسؤولين، فإن شعورهم بالخجل يبدو مستحيلا، ثم إن القاعدة عندنا تقول إن المسؤول على حق والمخطئ هو الشعب ثم ان مسؤولينا لا يستقيلون ولا يقالون حتى لو خرج العراقيون عن بكرة أبيهم.