20 مليون وياك يا مجلس الثورة

Sunday 20th of January 2013 08:00:00 PM ,
العدد : 2705
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

من يطفئ الحريق المشتعل في أروقة السياسة العراقية  منذ تظاهرات الأنبار وحتى هذه اللحظة؟، الإسراع بفك العقد وتنفيذ المطالب التي يرى المتظاهرون انها شرعية وقابلة للتنفيذ،  ربما سوف يهدئ كثيرا من الاحتقان، لكن ذلك لن يحل المشكلة، مالم يوضع حد للمحاصصة الطائفية التي بدأت بشعار شراكة وطنية وانتهت إلى تقاسم غنائم ومناصب بين رؤساء كتل طائفية وليست سياسية.
بالطبع جميعنا يحلم بأن تتحرك الحكومة  ومعها بعض عقلاء البلد في اتجاه معالجة القضية من جذورها ونزع كل فتائل التوتر الطائفي من المجتمع، لكن وبما أن ذلك يشبه الرهان على دخول "الفيل من سم الإبرة"، فعلينا أن نكون واقعيين ونتحدث عن حلول يمكنها أن تطفئ الحريق الآن.. واول هذه الحلول ان يخرج السيد المالكي  من حالة  الانفصال عن مشكلات الناس وهمومها التي ترافقه، وايضا ان يختار الفاظا مناسبة لاشعار المتظاهرين والمحتجين بان هناك من يستمع الى همومهم  .. لكن للاسف في كل موقف صعب يمر بالعراق نرى اعضاء في ائتلاف دولة القانون الذكي يستخدمون عبارات والفاظ تضاعف احساس المواطنين بالإهانة والإهمال.
ففي واحدة من عجائب خطب  مقربي رئيس الوزراء خرج علينا النائب عن ائتلاف دولة القانون جبار الكناني بتصريح مثير للضحك والاستغراب ، فالنائب وبحسبة بسيطة اعتبر ان  نحو 20 مليون عراقي لا يؤيدون مطالب المتظاهرين في الانبار والموصل.. ولم ينس السيد النائب بان ينصح الحكومة بان لا تستجيب لمطالبات الاقلية وان تأخذ برأي الاكثرية، لا اريد ان اعلق على هذا التصريح الكاريكاتيري، واسأل عن الطريقة التي قام بها عالم الرياضيات جبار الكناني بحساب عدد المؤيدين للحكومة، لكن بالتأكيد مثل هذه التصريحات تعمق حالة الشك لدى الناس في الحكومة وعدم الثقة في وعودها.. لعل المشكلة الكبيرة التي تواجه الجميع هي الوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها ثم تحولت هذه الوعود الى مجرد كلام، وان خطب المالكي ومنذ أعوام تدخل في باب الشعارات لا من باب الأفعال، وان الناس ان توقفت اليوم عن المطالبة بحقوقها ستعود الحكومة غدا الى عهدها السابق في التملص من كل شيء، المؤكد أن السيد المالكي قد استمع إلى هذه الملاحظات كثيرا خلال اجتماعاته مع السياسيين والحزبيين والشخصيات العامة منذ بدء الأزمة.
وأزعم أننا إذا استطعنا أن نجد حلا لمشكلة فقدان الثقة بين الطرفين، فقد يتم حل المشكلة، من بين وسائل اكتساب الثقة بين الطرفين أن الناس كانت تنتظر أن يخرج السيد المالكي بقرارات حازمة  تشعر الناس من خلالها أن الحكومة جادة فعلا في تلبية مطالبهم، ولكن ماذا حصل خلال الأيام الماضية دعونا نعود إلى خطب وأحاديث السيد المالكي ففي أول رد فعل له قال: ان المنظمون لهذه  التظاهرات مندسين وأنها لن تؤثر على سير حكومته لأنها مجرد فقاعات.
ولم تمر أيام حتى خرج بتصريح جديد طالب فيه بعض مؤيدي التظاهرات بان يتركوا: "هذه التجارة البائسة على حساب معاناة الناس وتوظيف القضايا وتسييسها لحسابات خاصة".. ثم في خطبة ثالثة طالب بالوقوف في وجه الذين يخرجون على القانون أو يتمردون على الدولة أو على النظام".
هكذا حسم المالكي الأمر، فكل من سيخرج للتظاهر إنما يتمرد على النظام القانون، في ثلاث خطب متتالية سجل السيد المالكي أخطاء  ينبغي ان لا يقع فيها رئيس وزراء  يفترض انه يمثل جميع اطياف المجتمع  وليس رئيس وزراء لطائفة او جماعة واحدة فقط.
يعرف المالكي أن مخاطبة الناس بلغة التهديد لن تهدئ النفوس ولن تنفع مع  ناس يعانون من الإقصاء والتهميش والبطالة ووصل بهم اليأس إلى أقصاه، ويعرف المالكي أن مشاكل الناس سببها مسؤولون فاسدون وطائفيون لم يستطيعوا خلال السنوات الأخيرة توفير الحد الأدنى من متطلبات الناس.  
ينبغي أن ننظر إلى الأمر باعتباره أقرب إلى العملية الحسابية، لا على طريقة  النائب الكناني، وانما على طريق المواطنة العادلة، ونسأل أيهما أفضل: احتواء المتظاهرين وحل مشكلاتهم أم خراب كل الوطن في ظل شعارات تريد ان توهم الناس ان قلوب الملايين لا تزال تخفق بحب مجلس قيادة الثورة.