هل الدكتاتورية أفضل من الفوضى ؟

Friday 8th of February 2013 08:00:00 PM ,
العدد : 2720
الصفحة : آراء وأفكار ,

منذ ولايته الأولى وبسبب صعوبة تطبيق المحاصصة الطائفية واشتعال الصراع الطائفي . . استمر رئيس مجلس الوزراء بالتلميح، إلى أن الحكم غير ممكن بعدة أطراف تختلف في توجهاتها، فيما استمر بلا ضجيج كبير في إجراءات جعل مؤسسات الحكم الأساسية بيد مكوّن واحد، معتبر

منذ ولايته الأولى وبسبب صعوبة تطبيق المحاصصة الطائفية واشتعال الصراع الطائفي . . استمر رئيس مجلس الوزراء بالتلميح، إلى أن الحكم غير ممكن بعدة أطراف تختلف في توجهاتها، فيما استمر بلا ضجيج كبير في إجراءات جعل مؤسسات الحكم الأساسية بيد مكوّن واحد، معتبراً ذاته ممثله الوحيد كـ (مختار العصر) . . معززاً ذلك باعتراضه علناً على قرار البرلمان بتحديد ولاية الرئاسات الثلاث و تهديده إيّاه بالمحكمة الاتحادية العليا، و كأنها ملك شخصي له غير قابلة للحساب و التغيير إن لم تطع أحكام الدستور وأسسه . .

الأمر الذي فيما يرى فيه مراقبون، بكونه قصوراً في فهم حكم (الشراكة الوطنية والمشاركة في الحكم) . . يرى فيه آخرون بكونه يعكس تعطشاً ورغبة في الاستئثار بالحكم ليس لمكوّن واحد فحسب وإنما لشخصه هو، الأمر الذي يتبيّن من مواقف الأطراف الهامة المشاركة في تحالف قوى المكوّن الذي أوصله للرئاسة، التي تعلن عن مخالفتها إيّاه في سلوكه هذا . .

السلوك الذي تنعكس مخاطره ليس في مؤسسات الحكم وإجراءاتها فحسب، وإنما على صعيد الحياة اليومية الصعبة بسبب التسعير الطائفي و ضعف و انعدام الخدمات . . الذي وصل بالسيد المالكي إلى التعبير عن أن الدكتاتورية هي أفضل من الفوضى ـ في كلمته في احتفالية حزب الدعوة الحاكم بالمولد النبوي الشريف في الأسبوع المنصرم ـ . .

ويرى محللون أن تعبير السيد المالكي ذلك قد جاء لإرضاء الجماهير المحتشدة المطالبة إيّاه بالإصلاح السلمي للعملية السياسية وبتطبيق الدستور، بمحاولة التعبير عن كونه ليس هو المسؤول عمّا تعانيه أوسع الفئات وخاصة الطبقات الكادحة العراقية بكل أطيافها الدينية والمذهبية، رغم كونه رئيس مجلس الوزراء والقائد العام الذي يجمع أهم السلطات في البلاد بيديه.

يرى آخرون بأن تعبيره ذلك يجسد ما صرّح وعمل به منذ بدء ولايته الأولى حين دعا إلى أن (الحكم بعدة أحزاب متنافرة لا يستقيم)، موظفاً لذلك تعنّت عدد كبير من قادة وممثلي الكتل المتنفذة الأخرى من الطبقة السياسية الحاكمة، لتضمن مصالح ضيّقة لهم . . في وقت يرى فيه فريق آخر بكونه تراجعاً أو غضّ نظر عن تجريم نهج دكتاتورية صدام، و محاولته التماهي مع ما تنفخ به أجهزة حكومية صار يعشش فيها العديد من أزلام العهد المباد، لتجميع قوى له . . والتماهي مع ما يتردد بمرارة في الشارع مما يجري من فوضى قياساً بزمان دكتاتورية ظالمة، أُسقطت بإسقاط الدولة العراقية وأقيم بدلها حكم قائم على الانتماءات الفرعية، رغم وجود دستور جامع للقوى العراقية بأطيافها جرى التصويت عليه . . في خضم جهوده لمحاولة كسب الشارع لصالحه !!

من جهة أخرى و فيما يرى عدد من المتخصصين النظريين أن الفوضى القائمة هي من صنيع الاحتكارات العالمية صاحبة فكرة (الفوضى الخلاقة)(*) . . التي ولدت في أجواء ملبّدة بمشاحنات أفكار  وبدائل متنوعة لدكتاتورية صدّام منذ ما يقارب العقدين، من فكرة (الدكتاتور العادل) . . إلى فكرة الإبقاء على الدكتاتورية على أساس (دكتاتور معروف لدينا أفضل من دكتاتور مجهول) . .

يرى العدد الأكبر من المجربين والخبراء، أن الفوضى القائمة هي وريثة الدكتاتورية وفكرها وأعمالها الشائنة . . . منذ أن كان القانون ليس أكثر من ورقة يوقعها صدام، رغم أن صدام لم يكن وحده وإنما كان عائداً لحزب  محظور دستورياً الآن ـ و عمل ضمن ضوابطه وأطره حتى وصل إلى قيادته، وأسس وحكم بدكتاتورية رهيبة، لم تنفع لردعه عن ذلك حتى الضوابط الحزبية الداخلية لحزبه الذي أوصله للسلطة . . و تكوّنت بذلك دولة اللاقانون والفوضى التي خدمت طغمة حاكمة و مخططاتها المجنونة، وفق إجراءات وقرارات سريّة لم تنشر ولم يعرف بها إلاّ المعنيون بها، تعاقب من يفشي أسرارها بأشد العقوبات وحشية بتهم الخيانة العظمى . .الأمر الذي  أدى إلى نكوص الدولة الدكتاتورية في خدماتها للشعب بذريعة حروبها، من خدمات كان يُفاخر بها بين دول المنطقة، إلى خدمات صارت تتردىّ وفوضى تتصاعد لم يكن يسمح بالكشف والحديث عنها بالعنف وقتها، لأنه (يخدم أعداء الثورة) . . فإنه أدى إلى أن الدكتاتورية و فوضاها لم تُنجب إلاّ المآسي والجروح الهائلة . . و أنجبت بديلاً عن سياسيين غلب عليهم طابع الوصولية وانتهاز الفرص كنتاج اجتماعي لها . . الفرص التي صنعها غيرهم  واستشهد من اجل تحقيقها الألوف من المناضلات و المناضلين و مئات الآلاف من الشعب بكل ألوان طيفه . . كما يتردد في الشارع و تعكسه وسائل الإعلام الداخلية والدولية .

حتى صار الكثير من متنفذي اليوم هم الذين يصعّدون الخلافات الطائفية والانتماءات المكوناتية ويسعّرونها . . لإجهاض أي حراك شعبي يسعى لتطبيق حقيقي للدستور، ولوصم كل اختلاف أو معارضة بالإرهاب، وصولاً إلى محاولة إسقاط تلك الحراكات وإدانتها . . لتزكية شخوصهم بذاتها ولتعزيز مواقعهم و فوائدهم الضيقة منها، معمقين بذلك حالة الفوضى التي تستغلها القوى الإرهابية الفعلية وفلول الدكتاتورية، لتصعيد أعمالها الدموية . .

إن التشدد في تعامل الكتل المتنفذة في ما بينها وفي مقدمتهم السيد المالكي باعتباره الماسك الفعلي للسلطة الآن . . هو الذي يؤدي إلى تصاعد تحذيرات قوى صديقة وقوى استثمار عالمية مما يجري، ولا أدلّ من ذلك ما صرّحت به ممثلة الاتحاد الأوروبي في العراق قائلة "  ليست في العراق مشاكل سنّة وشيعة بقدر ما هي مشاكل نابعة من غياب القانون " .

و فيما تحذّر أوساط متزايدة من مخاطر ما يجري الذي قد يجرّ إلى تشظيّ البلاد وانفراط عقدها انفراطاً دموياً لا يعرف مداه ولا يمكن تحديد مدّته الزمنية، أو يجرّ إلى مخاطر قيام دكتاتورية جديدة. . فإنها تدعو إلى اعتماد الحوار بالاستناد إلى الدستور، وإلى إجراءات عاجلة لعقد مؤتمر عام للقوى المشاركة والفاعلة في العملية السياسية داخل وخارج مؤسسات الحكم التشريعية والتنفيذية و القضائية، إضافة إلى ممثلي الشباب والمرأة وممثلي منظمات المجتمع المدني وممثلين عن الاحتجاجات السلمية المطالبة بالشرعية الدستورية والمتحركة وفق ضوابطها . . للوصول إلى سبل إصلاح العملية السياسية استناداً إلى الدستور . 

 

  كنظرية اجتماعية تعتمد على إحدى نظريات تطور الفن في الغرب . . باعتبار الفن مرآة عاكسة لحركة و تطوّر المجتمع، و بالتالي يعكس الفن حركة تطور فكره و قيَمِهِ.